تبرز الزيارة اللافتة للبابا فرنسيس (بابا الفاتيكان) التي تبدأ اليوم إلى العراق، والتي تعد أولى رحلات الكرسي الرسولي الخارجية. منذ انتشار فيروس كورونا المستجد، دلالات عديدة كما أنها تحمل رسائل متفاوتة. في ظل الأوضاع، المحلية والإقليمية، المعقدة، التي وقعت تحت وطأتها العراق، منذ إعلان “داعش” الإرهابي، تدشين “دولة الخلافة” المزعومة. ومن ثم، انتشار الجرائم بحق المدنيين، فضلاً عن الأحداث الدموية المختلفة ضد مختلف الطوائف والأقليات والأديان.
ثمة تحديات عديدة، تواجه العراق منذ سقوط نظام الرئيس العراقي صدام حسين، إثر الاحتلال الأنجلو أمريكي، عام 2003. وتحولت بغداد إلى ساحة للتنافس بين عدة قوى إقليمية في ظل تفكك مؤسسات الدولة الوطنية، وانخراط أطراف خارجية لملء الفراغ الذي أحدثته التغييرات الجيوسياسية العنيفة بالمنطقة. ومن أبرزها صعود إيران ووكلائها المحليين سياسيًا ببغداد، وفرض قبضتها الأمنية، ومصالحها الإقليمية.
زيارة تاريخية ومحطة لحوار الأديان
وتزامن مع إعلان بابا الفاتيكان، زيارته للعراق، الذكرى الأولى لمقتل القياديين في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، وأبي مهدي المهندس. وقوع حوادث عنف مكثفة ضد عدد من المناطق الحيوية بالعراق، مثل استهداف السفارة الأمريكية، بالمنطقة الخضراء التي تضم مقر البعثات الدولية، ومبنى الحكومة. ويضاف إلى ذلك، الاحتجاجات الهائلة التي يقودها ناشطون عراقيون، منذ أكتوبر عام 2019، ضد الفساد السياسي، والسيولة الأمنية المتسسبة فيها “الميلشيات الإيرانية”.
وزير الثقافة والسياحة والآثار العراقي حسن ناظم، وصف زيارة البابا بـ”محطة حوار أديان في مدينة أور التاريخية”. كذلك أكد أنها فرصة للقاء الأديان العراقية هناك، من مسلمين ومسيحيين وصابئة مندائيين وإيزيديين.
كما قال وزير السياحة في مؤتمر صحفي بالعاصمة العراقية بغداد: “سيحل قداسة البابا فرنسيس في بغداد في الخامس من الشهر الحالي. وستكون له لقاءات مع النخب السياسية والاجتماعية وأرباب الحوار ورجال الدين وناشطي المجتمع المدني. كذلك سيكون له حضور منتظر في مدينة أور الأثرية بمحافظة ذي قار”.
اقرأ أيضًا.. “تتوعد لا تنتقم”.. ما الذي تغير في الموقف الإيراني من اغتيالات 2020؟
تهدئة المحتجين في مسار زيارة البابا
ولذلك، طالب الوزير المحتجين في الناصرية الواقعة جنوب العراق، وتتبع محافظة ذي قار، بالتهدئة بخصوص التظاهرات. كذلك قال: “نأمل ارتفاع مستوى الوعي لدى الشباب. وأن تكون هناك ظروف مناسبة لهذه الزيارة، وألا تتعكر أجواؤها بفعل الأحداث في مدينة الناصرية”. كما أضاف أن “الزيارة تصب في مصلحة مدينة الناصرية. والحكومة تعلم بأوضاع المدينة باعتبارها محافظة منكوبة، وتم تخصيص صندوق لدعم المشاريع فيها”.
وذكر ناظم أن “المحطة الكبرى الأخرى هي النجف؛ واللقاء التاريخي بالمرجع الديني الأعلى علي السيستاني. بغرض بحث مسائل الحوار الديني. وزيارة البابا إلى النجف ذات الثقل الكبير هي تتويج حركة عالمية في الحوار الإسلامي – المسيحي لتعزيز الأمن والسلام في بلدنا. إذ ما زلنا في مخاض تشوبه نزعات العنف واللاتسامح”.
محطة البابا الأخيرة.. ضحايا داعش
كذلك أوضح الوزير العراقي أن “المحطة الأخيرة للبابا خلال زيارته العراق ستكون مدينتي الموصل وأربيل. وسيواصل لقاءاته وصلواته من أجل الضحايا الذين سقطوا على يد تنظيم (داعش) الإرهابي”. وقال إن العراق أمام “فرصة للاستفادة من هذه الزيارة اجتماعيًا، وأثرها على السلم والوئام المجتمعي”.
ومثّلت الهجمات المسلحة التي تورطت فيها الميلشيات المدعومة من الحرس الثوري الإيراني، أو القريبة الصلة بها، تهديدات أمنية جمة. وفاقمت من الأوضاع في ظل اقتراب الزيارة المتوقعة، خلال الخامس من مارس الجاري.
واللافت أن الهجوم استهدف محيط مطار أربيل، حيث تتواجد القوات الأمريكية، مع الزيارة المتوقعة لبابا الفاتيكان إلى العراق. غير أن البابا لم يعلن تأجيل أو إلغاء الزيارة. كما كشف الكاردينال لويس ساكو، بطريرك الكلدان الكاثوليك، أن البابا فرنسيس سيلتقي المرجع الشيعي، علي السيستاني، في النجف. خلال زيارته للعراق.
زيادة وسط أجواء من الفرح
من المقرر أن يزور البابا الموصل ومنطقة سهل نينوى المحيطة بها، والتي سيطر عليها تنظيم داعش عام 2014. كما سيزور أربيل، وسيقيم قداسًا في أحد ملاعب المدينة. إذ إنه في مناطق كارملش وقرقوش والموصل، الواقعة شمال العراق، تتواجد كنائس تعرضت لانتهاكات من التنظيم الإرهابي. بينما مازال الأساقفة يحتفظون ببعض آثار العنف والتدمير الذي لحق بهم ومقدساتهم.
رئيس أساقفة الكلدان في أبرشية الموصل، نجيب ميخائيل، يقول إن التحضيرات جارية لزيارة البابا التاريخية. كذلك أكد أن استقبال البابا فرنسيس في “أجواء من الفرح”.
كما أضاف في تصريحات صحفية محلية، أنه “رغم مرور 3 سنوات على طرد داعش من المنطقة. مازلنا نحتفظ بآثار من الجرائم الوحشية التي ارتكبها “الجهاديون” في كارملش. من بينها صليب مكسور عند برج أعلى كنيسة، وآواني قداس، وأيقونة متضررة.. بهدف “تجاوز الماضي”.
البابا: “لا يمكن خذل الناس مرة ثانية”
البابا فرنسيس، قال الأربعاء الماضي، إنه عازم على زيارته للعراق؛ حيث إنه “لا يمكن خذل الناس مرة ثانية”. وهو الأمر الذي يعلق عليه، الباحث والحقوقي العراقي، علي فضل الله، بأن البابا فرنسيس قادم إلى العراق كمحطة أولى. بعد أخفق البابا يوحنا بولس بابا الفاتيكات السابق عن في تحقيق الزيارة عام 2000.
وأكد الكاردينال مار لويس روفائيل الأول ساكو، عضو اللجنة المنظمة للزيارة أن “هناك إصرارًا من البابا فرنسيس على زيارة العراق. رغم التحديات الأمنية وتداعيات جائحة كورونا”.
وبحسب الباحث والحقوقي العراقي، في حديثه لـ”مصر 360″، فإن زيارة البابا لها مدلول بخصوص تأكيد نجاح العراق في الملف الأمني. ووصول قواته المسلحة إلى مستوى متطور. كما تابع: “ثمة دلالة أخرى تتمثل في الدعم المعنوي لحكومة مصطفى الكاظمي. من قبل الولايات المتحدة الأمريكية ودول الاتحاد الأوربي، متمثلة بقدوم البابا للعراق. بالإضافة إلى الحج لمسقط رأس النبي إبراهيم”.
سياسة وخطاب البابا
ويلفت الباحث العراقي، إلى أن البابا فرنسيس ينتهج سياسة وخطاب مهمين، منذ توليه منصبه الديني في أعقاب البابا بولس، عام 2013. باعتباره يتجه بانحيازاته وأفكاره للمهمشين والفقراء، وينبذ الآراء المتشددة والإقصائية. وهو ما يبرز صلاته الفكرية بلاهوت التحرير في أمريكا اللاتينية. كما أنه نفذ زيارات غير تقليدية لعدد من المناطق في العالم خارج المركزية الكاثوليكية الأوروبية. كذلك عيّن مطارنة وبطاركة من جنسيات وقوميات مختلفة”.
كما يضيف: “تحفل العراق بالعديد من الطوائف المسيحية المهمة والتاريخية، مثل الكلدان والأشوريين والسريان. وتعد الزيارة تاريخية لأنها حج لأرض إبراهيم، أرض سومر وبابل وأشور”.
وبحسب الباحث العراقي، المتخصص في شؤون الأقليات سعد سلوم، فإن زيارة البابا تعد لحظة تاريخية. لأن العالم يتطلع للعراق من خارج عدسة الفشل والحرب والنزاع. بينما تعبث بالبلاد التنظيمات الإرهابية والمافيات والميليشيات، وتعيث فيها فسادًا وفوضى.
احتفاء بالهوية الحضارية الصلبة للعراق
ويضيف لـ”مصر 360″: “الزيارة تكشف احتفاء تاريخي بالهوية الحضارية المتنوعة والصلبة للعراق. فهي منطلق للحوار والتعدد. كما أن إصرار البابا على زيارة العراق، إنما يعود إلى أنه عاش ظروفاً شبيهة بما يحدث في بلادنا. فقد قضى معظم حياته المهنية في الأرجنتين. وواجه وقتًا عصيبًا في تاريخ بلاده آواخر السبعينيات، في ظل خلافات سياسية محتدمة. تعرض خلالها القساوسة للبطش”.
ولذلك، يرى سلوم أن البابا فرنسيس يمثل منعطفًا في تاريخ البابوية الحديث. على الرغم من كون البابوية هي مؤسسة تظهر استمرارية ملحوظة بين أصحاب المناصب المتعاقبين. الذين نادرًا ما ينبذون تعاليم أو مساهمات أسلافهم. إذ أن فلسفة البابا فرنسيس تكمن في تواضعه وبساطته، وستكون زيارة العراق، مهد الأديان السماوية نقظة مضيئة في إرثه الباقي.