كان لحديث الإعلامي تامر أمين وقع سيئ على نفوس المصريين جميعًا، خاصة أهل الصعيد منا، لما حملته عباراته من وصم لأهل الصعيد في مدى عنايتهم بأطفالهم، وكونهم يتركونهم عالة على مفارق الحياة، وأنهم لا يهتمون بتعليمهم، ويدفعونهم دفعًا إلى سوق العمل مبكرًا، وهو الأمر الذي يضر بطفولتهم ومستقبلهم، ولا يجعل منهم جيل صاعد ذو فائدة مجتمعية أو فائدة شخصية في مستقبلهم القريب.
وكعادتنا نتلقى الحديث ونجعل منه مادة ساخنة لأيام قليلة، ولا نناقش المشكلة بطريقة علمية حقيقية، فعلى الرغم من تحفظي الكامل على الأسلوب والطريقة التي تحدث بها تامر أمين، وكيف له وهو من ذوي الخبرات في المجال الإعلامي أن يلقي بكلماته التي تشكل قنابل موقوتة بهذه الطريقة الفجة التي تصيب كرامة الإنسان.
لكن بشكل واقعي وحيادي هل يحافظ المجتمع المصري على طفولة أولاده؟ أو يرعى حدود هذه الطفولة بشكل كامل؟ وهل من زاوية ثانية لا يدخل الأطفال في سن مبكرة إلى سوق العمل تحت ضغط الحاجة الأسرية وازدياد معدلات الفقر في المجتمع المصري؟
عمالة الأطفال ليست حديثة الظهور، فعلى الرغم من خطورتها إلا أنها لا تزال منتشرة وفي تزايد مستمر، ولا تسعى الدولة لتقديم حلول جذرية للقضاء عليها بشكل نهائي بل تكتفي بوضع قوانين تشكل متراسًا نصيًا يقف عند حدود الورق المكتوب، فقضية عمالة الطفل، والتي يصحبها جبرًا تسرب الأطفال من التعليم، ليست قضية حديثة أو ظاهرة جديدة على المجتمع المصري، ولكنها مشكلة قديمة منذ زمن ليس بالقريب، لكن الدولة لا تجد سوى التدخل التشريعي على مستويات مختلفة لمعالجة الظاهرة، دون أي تحرك إيجابي تحت مظلة هذه النصوص يدفع نحو تغيير أو حل لهذه المشكلة المجتمعية الحياتية.
فمن الناحية النصية تجد أن قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996، ينص على اعتبار كل من لم يبلغ 18 عامًا في مرحلة الطفولة، ويحظر في مادته الثانية تشغيل الأطفال قبل بلوغهم سن 15 عامًا، بينما يسمح في عمل الأطفال بعد هذا السن في أعمال ليست خطرة، ويُعاقب صاحب العمل أو من يمثله عن المنشأة التي تخالف أحكام قانون الطفل بغرامة لا تقل عن 5 آلاف جنيه ولا تتجاوز 10 آلاف جنيه.
كما أن قانون العمل يعتبر كل من بلغ الـ14 سنة أو تجاوز سن إتمام التعليم الأساسي ولم يبلغ 18 سنة كاملة “طفلًا”، وعليه ألزم كل صاحب عمل يستخدم طفلًا دون السن بمنحه بطاقة تثبت أنه يعمل لديه تلصق عليها صورته، على أن تعتمد من مكتب القوى العاملة المختص.
ويحظر قانون العمل، تشغيل الأطفال من الإناث والذكور قبل بلوغهم سن إتمام التعليم الأساسي، أو 14 سنة أيهما أكبر، ومع ذلك يجوز تدريبهم متى بلغت سنهم 12 سنة.
كما يحظر القانون تشغيل الطفل أكثر من 6 ساعات يوميًا، ويجب أن تتخلل ساعات العمل فترة أو أكثر لتناول الطعام والراحة لا تقل في مجموعها عن ساعة واحدة، وتحدد هذه الفترة أو الفترات بحيث لا يشتغل الطفل ساعات عمل إضافية أو تشغيله في أيام الراحة الأسبوعية والعطلات الرسمية.
وفي جميع الأحوال، يحظر تشغيل الطفل فيما بين الساعة السابعة مساء والسابعة صباحًا.
ومن الناحية الدولية تُشدد المادة رقم 138 من اتفاقية العمل الدولية المتعلقة بسن عمل الأطفال، على ضرورة إتمام الطفل التعليم الإلزامي (المرحلة الإعدادية)، ولا يجوز أن يقل عمره عن 15 عامًا. كما منعت تشغيل الأطفال حتى سن 18 عامًا في الأعمال التي يحتمل أن تُعرضه للخطر، وصدّق على الاتفاقية الدول الأعضاء بمنظمة العمل من بينهم مصر عام 1999.
لكن هل كانت كل هذه الترسانة القانونية وغيرها كافية لمواجهة الظاهرة المجتمعية الخطيرة؟ للأسف فالحقيقة الأولى في هذا الموضوع أن قضية عمالة الأطفال سواء في مستوى السن المنصوص عليه في القوانين أو أقل منه موجودة في المجتمع المصري، وأن ظاهرة عمالة الفتيات في المنازل وهن في سن الطفولة موجودة أيضًا.
فبحسب تقرير نشره موقع مبتدا بتاريخ 27 / 9 / 2018 جاء فيه أن تقديرات منظمة العمل الدولية تشير إلى أن حجم عمالة الأطفال في مصر يبلغ نحو 2.2 مليون طفل، بنسبة تصل إلى 26%، ولكن وفقًا لآخر إحصائية للجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء لسنة 2013، فإن حجم عمالة الأطفال يبلغ نحو 1.6 مليون طفل، منهم 83% يعملون في الريف مقابل 16% بالمدن.
بينما تشير دراسة أعدتها الدكتورة ناهد رمزي من المركز القومي للأُمومة والطفولة بالتعاون مع الجهاز المركزي للتنمية في مصر، إلى أن عمالة الأطفال في مصر تقارب 2.8 مليون طفل، أي ما يعادل 28% من العمالة في الوطن العربي.
ووفقًا للأمم المتحدة، فإن أكثر من 218 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 5 و17 عامًا يعملون في جميع أنحاء العالم، وأكثر من 152 مليون من هؤلاء الأطفال هم ضحايا عمل الأطفال، وتتراوح بين العمل القسري، والعبودية بسبب الديون، والأعمال المنافية للآداب، أو الأنشطة غير المشروعة.
وأشارت الأمم المتحدة إلى أن 73 مليونًا منهم يعملون في بيئات خطرة من المحتمل أن تؤدي إلى إصابات بدنية، أو عقلية، حيث تبلغ نسبة الأطفال العاملين نحو 58%، يعمل 62% منهم في بيئات عمل خطرة.
بينما توضح تقديرات “اليونيسف” أن هناك حوالي 150 مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 5 أعوام، و14 عامًا في البلدان النامية يشكلون حجم العمالة، ونصيب الدول العربية فيها 10 ملايين طفل، وبالنظر في المعدلات الحالية، بحلول عام 2020 سيظل هناك أكثر من 100 مليون طفل يعانون من العمالة.
وبحسب تقرير لجريدة المال المصرية بتاريخ 20 نوفمبر سنة 2020، أصدر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بيانًا صحفيًا بمناسبة اليوم العالمي لحقوق الطفل، في 20 نوفمبر من كل عام، والذي يوافق إقرار الجمعية العامة الأمم المتحدة لإعلان حقوق الطفل عام 1959 ونظرًا لأهمية مرحلة الطفولة في حياة الإنسان وضرورة الاهتمام بها أصدر الجهاز هذا البيان الصحفي لإلقاء الضوء على أهم المؤشرات الخاصة بالأطفال في مصر والعالم.
ومن أهم المؤشرات الإحصائية للأطفال على مستوى العالم، أن جائحة كوفيد – 19 (كورونا) تسببت في صدمة اقتصادية واختلالات في سوق العمل ما دفع الملايين من الأطفال إلى سوق العمل بسبب تلك الأزمة.
ويوجد نحو 152 مليون طفل في سوق العمل في الفئة العمرية (5 -17 سنة) منهم 73 مليون طفل يمارسون أعمالًا خطرة 48% ممن يعملون بالأعمال الخطرة في الفئة العمرية (5 – 11 سنة) بينما 28% في الفئة العمرية (12-14سنة).
في حين أن 24% في الفئة العمرية (15 – 17 سنة) 71% من عمالة الأطفال يعملون في المجال الزراعي (الصيد والعمل في الغابات ورعي الماشية وتربية الأحياء المائية)، و17% بالقطاع الخدمي، و12% بالقطاع الصناعي بما في ذلك التعدين.
فهذه النماذج التقريرية تؤكد على وجود ظاهرة عمالة الأطفال سواء على المستوى العالمي أو المستوى المحلي، ولا داعي لأن ندفن رؤسنا في الرمال، ونطلق عنان الكلمات الفضفاضة التي لا طائل منها ولا فائدة. بل الأوجب أن تتوجه أجهزة الدولة جميعها للسيطرة على هذه المشكلة لمنع تفاقمها بشكل أولي، ثم إيجاد حلول مناسبة لها، في ظل تسارع خطواتها مع الهبوط الاقتصادي المتتالي للأسر المصرية إثر أزمة “كورونا” وتتابعاتها ما يدفع بالأطفال جبرًا إلى سوق العمل للبحث عن لقمة العيش ومتطلبات الحياة.