في توقيت كتابة هذه السطور يكون أمامنا أسبوعين فقط على عقد مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، طبقًا لما تم إعلانه في النطاقين العالمي والأفريقي، ورغم ذلك هذا المهرجان لم يحصل على استثناء من جانب مصطفى مدبولي رئيس الوزراء من قرار سابق له بشأن حظر عقد المهرجانات بسبب فيروس (كوفيد ـ ١٩). وهو الاستثناء الذي حصل عليه كل من مهرجاني الجونة والقاهرة السينمائيين ومهرجان الموسيقى العربية وكافة مهرجانات وفعاليات وزارة الثقافة.

السؤال لماذا لم يحصل هذا المهرجان على الاستثناء المطلوب من جانب دولة رئيس الوزراء رغم أن الرئيس عبد الفتاح السيسي قد وجه بتاريخ ١٣ يناير الماضي في خطابه إلى وزيرة الثقافة أن يعقد هذا المهرجان الهام تحت رعاية معاليها، وبطبيعة الحال الرئيس يعلم بالتأكيد أن وباء كورونا في كل السموات ويعلم جميع قرارات الدولة المصرية بهذا الشأن، ولكنه يعلم أكثر أن سياساته إزاء إفريقيا يجب ألا تتوقف، ويعلم من موقعه أن هذه السياسيات لها بعد استراتيجي للمصالح المصرية، وإلا لماذا كانت كل جهوده مركزة على أفريقيا خلال السنوات الماضية.

وزيرة الثقافة د. إيناس عبد الدايم لابد من الاعتراف أنها قد بذلت مجهودات مقدرة لعقد المهرجان وأعلنت دعمها له، سواء بجاهزيته الضخمة من نصيب الوزارة المالي لدعم المهرجان، أو بخطابها إلى رئيس الوزراء للحصول على الاستثناء المطلوب لعقد المهرجان، كما أن السفير حمدي لوزة نائب وزير الخارجية قد بذل مجهودات مشكورة بشأن ضرورة إنهاء المسائل الإجرائية الخاصة بالمهرجان، والسفير لوزة لمن لا يعرف رئيس لجنة المتباعة التي تعمل تحت مظلة مجلس الوزراء بشأن علاقات مصر الإفريقية في كافة المجالات.

أغلب الظن أن خطاب وزيرة الثقافة الذي تطلب فيه استثناء مهرجان السينما الأفريقية من قرار رئيس الوزراء كغيره من المهرجانات، ربما قد تم تحويله إلى لجنة الأزمات بمجلس الوزراء، التي تجتمع في أوقات متباعدة، أو ربما تم تحويله إلى ما يعرف باسم المجالس، ولا ندري حتى هذه اللحظة مصير هذا الخطاب في ضوء تواصل اللجنة العليا لمهرجان الأقصر للسينما الأفريقية مع كافة الجهات بمجلس الوزراء وخارجه.

والظن عندي أن د. مصطفى مدبولي لا يعلم شيئًا عن الموضوع، وأعتقد أن البيروقراطية المصرية كعادتها تمارس هوايتها في استخدام أو استكمال الأوراق التي ترفع عنها أي مسئولية قانونية ربما.

أو حتى تمارس هوايتها في التجميد حتى لا تقع أي مشاكل خصوصًا وأن الكورونا سبب يمكن توظيفه بدون أن يكون لهذا التوظيف ثمنًا لا إداري ولا سياسي، كيف لا ودول بأكملها قد لجأت لهذا الفيروس كورونا وهي تؤجل أو تلغي انتخابات كحالة إثيوبيا مثلاً ليظل القابعون على السلطة موجودين دون سند لا سياسي ولا دستوري.

بطبيعة الحال البيروقراطية المصرية لاتعرف أنها وهي تحمي نفسها تعرض مصالح مصر الدولة والناس لخسائر سياسية كبيرة في النطاقين السوداني والأفريقي، هذه الخسائر لا يتم رصدها في أوراق الوزارات ولا في مكاتب المسئوليين هذه الخسائر يدفع ثمنها المواطن العادي في شربه مائه ومستوى معيشته، لأن صورة مصر السلبية في الذهنية الأفريقية يصنعها في الحقيقة مثل هذه التصرفات غير الوطنية وغير المسئولة.

ففي الوقت الذي يزور فيه الرئيس السيسي السودان، وسط مخاطر تهدد البلدين مائية وعسكرية. لا ينعقد فيه المهرجان الذي وضع السودان ضيف شرف له، وعلم السودانيون هذا الخبر حكومة وشعبًا وأيضًا يحدث ذلك قبيل زيارة رئيس الوزراء السوداني عبد لله حمدوك للقاهرة، المقررة الأسبوع المقبل، وسوف يكون لسان حال الجميع؛ “إفريقيا والسودان وحدهما يرفع في وجهها راية الوباء بينما باقي الفعاليات والمهرجانات تلقى الترحيب وتلقى المساندة من الدولة المصرية”.

على المستوى الأفريقي الدول والفنانون الأفارقة الذين يضعون مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية على أجندتهم في مارس من كل عام منذ ١٠ سنوات في الأغلب ستمتلئ أجندتهم بفعاليات سينمائية أخرى، وبالتالي الإلغاء أو التأخير، يجعل المهرجان يفقد ضيوفه، ويخرج ربما باهتًا وغير مؤثر، بينما تتحمل الميزانية المصرية نصيبها من التكلفة الاقتصادية ولكن هذه المرة بلا عائد لا ثقافي ولا سياسي.

المهرجان أيضًا مسجل كفاعلية ثقافية مصرية على أجندة الاتحاد الأفريقي وفي واجهاته الإعلامية والثقافية، وبالتأكيد عدم عقده يجعل مساحة مصر الثقافية في أجندة الاتحاد مساحة فراغ يملأها آخرون قد يكونوا نشطين في شيطنة مصر من زواية عدم اهتمامها الثقافي بقارتها الأفريقية وأن بوابة هذا الاهتمام فقط هو المحدد المائي، وهو محتوى كثيرًا ما يواجهني على المستوى الشخصي، في كل فاعلية أحضرها في أفريقيا، سواء كانت هذه الفاعلية لها علاقة بنهر النيل أو بعيدة كل البعد عنه، كمناقشة علاقات دول أفريقية ببعضها البعض ولا تكون مصر في أي جملة مفيدة لهذه العلاقات لكنها تحضر من زاوية صورتها السلبية، وعدم فعاليتها في الأطر الثقافية والإنسانية.

وبطبيعة الحال لابد وأن نندهش ونحن نرى هذا التقاعس ومراوغة البيروقراطية المصرية في مسألة عقد مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، ومصر قد نظمت بطولة كرة اليد الدولية بمنتهى الكفاءة وذلك بتنسيق مع وزارة الصحة المصرية، وهو ما سوف يلتزم به مهرجان الأقصر في فعالياته سواء من حيث السياسيات الاحترازية أو من حيث عقد هذه الفاعليات في أجواء مفتوحة، وذلك بتنسيق كامل مع وزارة الصحة المصرية.

هناك أيضًا خسائر كبيرة من عدم عقد هذا المهرجان على المستويين الثقافي والسياسي المصري، لايعلمها إلا من يعرف أن قاعات عرض أفلام المهرجان يكون فيها الشباب الصعيدي من الجامعات وخارجها ينتظرون هذا الحدث كل عام بشغف، يناقشون به الفنانين الأفارقة باحترافية، يستفيدون من ورش العمل ويثرونها برؤى واعدة، وأيضًا يعرفون عن أفريقيا أكثر، وبوسائل الصورة التي هي أكثر عمقًا وتأثيرًا في الأذهان، وذلك في وقت لا يوفر لهم المحتوى التعليمي المصري ولو جزء يسير من هذه المعرفة.

هؤلاء الشباب يعرفون ويشعرون عبر السينما أن القضايا والتحديات واحدة أمام جيلهم الجديد في القارة، ويتفاعلون مع بعضهم البعض، كلذلك في بيئة نعرف تمامًا أنها قد حجزت لسنوات طويلة للتطرف الفكري وجماعات الإسلام السياسي وما تزال تعاني من آثار هذه المرحلة، وتعاني معها مصر التي تراجعت كثيرًا لغلبة التطرف على المستوى الفكري والثقافي.

أهل الأقصر في زمن الكورونا ينتظرون حدثًا ينشط الأسواق والخدمات، يرفع مستوى المبيعات، وغيرها من الأنشطة الاقتصادية شبه المجمدة في محافظاتنا البعيدة عن القاهرة، وهي مسألة تؤخذ بعين الاعتبار دومًا من مؤسسات الدولة المصرية. فلماذا يستثنى هذا الحدث الثقافي الأفريقي الضخم من هذا التوجه؟

يا رئيس وزراء مصر، مهرجان السينما الأفريقية حدث يستحق منك الاهتمام، حدث يستحق أن تدعمه، حدث يستحق أن ترى فيه كم من المصالح الوطنية المصرية يتجاوز مستويات الترفيه ليصل إلى مستويات التأثير الثقافي والسياسي. يا دكتور مصطفى مهرجان الأقصر ينتظر تحركًا عاجلاً، ننتظره ونعلم أنك بالتأكيد دومًا تستجيب لكل ما هو في صالح مصر والمصريين.