بالشام وبني غازي وكيب تاون، تراهن مصر على شبكة الطرق العابرة للدول في التحول لمركز إقليمي للتجارة. ذلك عبر ثلاثة خطوط تسعى لتدشينها تربطها بالجنوب حتى جنوب أفريقيا. وبالشرق عبر الأردن وصولاً للعراق. وغربًا بخط سكك حديدية كهربائي يربطها ببنغازي في ليبيا، يمكن مده مستقبلاً إلى الغرب.
وقعت القاهرة وعمان، أخيرًا، بروتوكول تعاون لتسيير خط نقل بري مع العراق. يحمل الخط الجديد عنوان مشروع “الشام الجديد”. وهو يبدأ من القاهرة مرورًا بعمان وصولاً إلى بغداد. ذلك بسعر تذكرة للراكب مقدارها 130 دولارًا، شاملة سعر العبارة بين مينائي نويبع والعقبة. مع الاعتماد على شركة الاتحاد العربي “سوبر جيت” المملوكة للدول الثلاثة.
يهدف الاتفاق في الأساس إلى دعم حركة التبادل التجاري، بتذليل جميع العقبات في موانئ الوصول. وأيضًا تسهيل نقل المنتجات المصرية إلى الأردن، ومنها للدول العربية مثل العراق وسوريا. ولا يخلو من الأفكار السياسية أيضًا باعتباره عنصر يحمي البلدين من التمدد الإيراني الاقتصادي.
تسعي مصر عبر هذا المشروع لتعزيز تواجد عمالتها بمشروعات إعادة الإعمار المناطق التي دمرتها الحرب مع تنظيم داعش في العراق. وربما يمتد الأمر لسوريا أيضًا، والتي ستتطلب كذلك كميات كبيرة من مواد البناء، وتمتلك القاهرة فائضًا منها.
اقرأ أيضًا.. الحق في طرق آمنة.. عبور الشارع “لعبة موت” يمارسها المارة
مشروع الشام.. مصر مركزًا إقليميًا لنقل الطاقة
يعزز الاتفاق وضعية مصر كمصدّر إقليمي للطاقة. ذلك عبر مد خط أنبوب نفطي من ميناء البصرة جنوب العراق إلى ميناء العقبة في الأردن. ومنه للمحطات المصرية لمعالجته وتصديره.
ووفقًا لشعبة إلحاق العمالة بالخارج في غرفة تجارة القاهرة، فإن المستهدف لعودة العمالة المصرية للعراق. سواء من الشركات المقرر لها العمل في إعادة الإعمار، أو العمالة عن طريق شركات إلحاق العمالة المصرية بالخارج، يصل لمليوني عامل. فور الانتهاء من الترتيبات النهائية لبدء الأعمال وإعادة الإعمار.
وتؤكد بيانات الشعبة أن عودة العمالة المصرية للسوق العراقية على غرار فترة الثمانينيات -كان عددها 6 ملايين عامل- مرهون بإعادة الأعمار والتنسيق مع القنوات الرسمية. وعلى رأسها الخارجية المصرية، لافتةً إلى أن النصيب الأكبر سيكون لقطاع التشييد والبناء.
وقد بلغ حجم التجارة بين مصر والعراق خلال 2019 حوالي 486 مليون دولار. منها 479 مليون دولار صادرات مصرية، و7 ملايين دولار واردات من العراق، وفقًا للهيئة العامة للاستعلامات المصرية.
اتفقت القاهرة والعراق بشكل مبدئي على إنشاء آلية “النفط مقابل الإعمار”. وتنص على قيام شركات مصرية بتنفيذ مشروعات تنموية بالعراق، مقابل كميات النفط التي ستستوردها مصر.
فرص مصر الاقتصادية.. العراق مثالاً وسوريا الواعدة
يقول الخبير الاقتصادي الدكتور وليد جاب الله، إن قطاع التشييد والبناء من أهم القطاعات التي يمكن أن تشارك فيها الشركات المصرية بالعراق. ذلك في ظل الصورة الذهنية الإيجابية للعامل المصري هناك.
ويحتاج العراق حاليًا إلى محطات لتحلية المياه. بعدما أصبح يعاني أزمة في مياه الشرب، بعد اكتمال مجموعة السدود التركية “أليسو” و”سيليفان” بشمال ديار بكر و”الجزرة” جنوبي سد إليسو. وهو مجال بدأت مصر تكتسب فيه خبرة على مدار السنوات الست الماضية. كما يعاني العراق أيضًا أزمة سكن متفاقمة. إذ تُقدر الفجوة السكنية بنحو 3 ملايين وحدة. ترتفع باستمرار مع وجود طلب يتمثل في 850 ألف زيجة جديدة سنويًا.
ويتوقع خبراء أن يكون لقطاع البناء والتشييد حصة الأسد من التعاون بين مصر والعراق. وهو ما ينتظره المقاولون المصريون بشغف. على اعتبار أن الشركات الضخمة التي يتوقع خوضها الاستثمار هناك مثل المقاولون العرب تعطي عقودًا من الباطن للصغار لسرعة الإنجاز.
اقرأ أيضًا.. السكة الحديد.. هل ينهي التطوير المنشود كوارث قطارات الموت في مصر؟
مصر تملك الخبرات الكافية
ووفقًا لمؤتمر إعمار العراق عام 2018، فإن بغداد تحتاج لنحو 100 مليار دولار. وتراهن مصر على امتلاكها الخبرات والمهارات الكافية لتنفيذ المشروعات العملاقة التي تؤهلها لاقتناص حصة كبيرة من تلك العقود.
كما يعاني قطاع النقل بالعراق من مشكلات متفاقمة جراء التدمير وغياب الصيانة. رغم امتلاكه 40690 كيلومترًا من الطرق البرية و2465 كيلومترًا من السكك الحديدية ومطارين دوليين هما بغداد والبصرة. بالإضافة إلى ثلاثة مطارات محلية هي الموصل وكركوك وأربيل، و6 موانئ للبضائع واثنين للبترول و1156 جسرًا.
يضيف وليد جاب الله أن توافر وسائل النقل الرخيصة وسرعتها أحد الأدوات الأساسية لدعم حركة التبادل التجاري بين الدول. وهو ما تسعي مصر لتحقيقه عبر محور الشام الجديد الذي سيفتح المجال أمام الشركات المصرية للتحرك بعتادها وعمالها للاستثمار بالخارج. وإعادة عواصم عربية دمرتها الحرب إلى سابق عهدها.
وفي حال دخول سوريا هي الأخرى على الخط، ستكون الفرص واعدة أمام الشركات المصرية. خاصة أن إعادة إعمار البنية التحتية لها بعد الحرب ستكلف ما بين 300 و400 مليار دولار. وذلك يتضمن مساكن وإعادة تأهيل الطرق وشبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي.
طريق “القاهرة – كيب تاون”
يختلف الأمر مع طريق “القاهرة – كيب تاون”. فهو يعد أطول طريق بري يربط بين مصر وعشر دول أفريقية، كثير منها حبيسًا يفتقد منافذ مائية للتصدير.
ينطلق الطريق من الإسكندرية باتجاه أسوان مارًا بدول السودان، وجنوب السودان، وإثيوبيا، وتنزانيا، وكينيا، وزامبيا، وصولاً إلى مدينة كيب تاون بجنوب إفريقيا.هذا الأمر يساعد مصر في تحقيق المستهدف برفع حجم صادراتها لإفريقيا إلى 30 مليار دولار خلال فترة تتراوح بين ثلاث وخمس سنوات.
ويبلغ طول محور “القاهرة – كيب تاون” 10092 كيلو متر. وهو الثاني بعد محور “طرابلس – كيب تاون” الذي يبلغ طوله 10808 كيلو متر. لكنه يتسم بمروره بعواصم أكثر وطول أقل. إلى جانب تأهيل الموانئ المصرية للتصدير بشكل أكبر عن طرابلس. ما يجعله يختصر مدة نقل البضائع لأسبوع، بدلاً من 30 يومًا.
يواجه المشروع المصري بعض العقبات الممثلة بالمشكلات الأمنية بدولتي جنوب السودان والكونغو الديمقراطية. إلى جانب بعض الصراعات مع التنظيمات المسلحة التي تمنع توافر رؤوس الأموال المطلوبة لتنفيذ المشروع، وعدم خلق بيئة مناسبة لتنقل العمال للعمل على تنفيذ المشروع.
لكن الخبير الاقتصادي نادي عزام يؤكد أن مصر لديها تجربة في مقاومة الإرهاب، ستنقلها الي الدول الأفريقية كما تلعب دورا كبيرا في تحقيق المصالحات الوطنية بها، وتعزيز كفادة قواتها، ما سينعكس خلال القريب العاجل على توافر رؤوس الأموال الخارجية، التي يمكن عبرها تمويل تنفيذ المشروع.
ووفقًا لبيانات وزارة التجارة والصناعة، ارتفعت الصادرات المصرية للمنطقة الأفريقية إلى 2.8 مليار دولار عام 2019. ذلك مقابل 2.3 مليار دولار العام السابق
أفريقيا.. السوق الواعدة للمنتجات المصرية
وتمثل أفريقيا سوقًا واعدة المنتجات المصرية. ذلك كونها قارة تضم نحو 1.25 مليار نسمة، بينما من المتوقع أن يكون 20% من سكان العالم أفارقة بحلول 2030، وأن يصل عدد السكان إلى 2.5 مليار نسمة عام 2050.
وخلال قمة الاتحاد الأفريقي التي عقدت بأديس أبابا بعنوان “تعزيز التجارة البينية في إفريقيا”، قبل تسعة أعوام، تم الاتفاق على أهمية المضي قدمًا نحو التكامل الإقليمي. حينها تم تحديد عام 2019 للوصول إلى الاتحاد الجمركي بالقارة الأفريقية، مرورًا بمنطقة التجارة الحرة القارية عام 2017 كموعد مبدئي، في إطار تنفيذ معاهدة أبوجا.
وتتعدد المنافع من تلك الاتفاقية، ومنها: انسياب حركة تجارة السلع والخدمات. خاصة في ظل ارتفاع مستوى تحرير التعريفة الجمركية بين الدول الأفريقية. حيث يتضمن إزالة الرسوم الجمركية لـ90% من الخطوط التعريفية خلال 5 سنوات.
تشمل المنافع أيضًا جذب الاستثمارات الأجنبية، نظرًا لسهولة نفاذ منتجات تلك الاستثمارات إلى أسواق المنطقة، وتحسين سلاسل القيمة المضافة بين دول القارة. ذلك في ظل اعتماد قاعدة التراكم في المنشأ، وفتح أسواق جديدة أمام الصادرات المصرية. ما يتيح النفاذ لأسواق 37 دولة أفريقية.
وتمثل شركة “المقاولون العرب” ذراعًا استثمارية للحكومة داخل القارة السمراء، بتواجدها حاليًا في 23 دولة أفريقية. وذلك عبر تنفيذ حزمة ضخمة من مشروعات البنية التحتية، وأعمال الطرق الكبرى. بالإضافة إلى المشروعات السكنية والصحية، كإنشاء المستشفيات الكبرى، ومشروعات الطرق الضخمة.
وتستحوذ المقاولون العرب على النصيب الأكبر من إجمالي حجم الأعمال بدول القارة الأفريقية، والذي يتراوح بين مليار إلى مليار ونصف دولار سنويًا.
امتداد غربي تحتاجه مصر وأفريقيا
على المحور الغربي، تبني مصر بالتعاون مع شركة “سيمنس” الألمانية شبكة سكك حديدية كهربائية عالية السرعة. مقررًا لها أن تربط العين السخنة بالسلوم، ومنها إلى بنغازي في ليبيا. يمثل الخط تفعيلاً للاتفاقيات العشر التي وقعتها البلدان عام 1991. ومن بينها حرية تنقل الأفراد والبضائع.
وقد تعرض هذا المشروع للتأخير بسبب عدم امتلاك ليبيا سكك حديدية من الأساس. ما يجعل المشروع بارقة أمل كبيرة لليبيين في التواصل مع دول الجوار.
ويسهل القطار حركة انتقال العمالة المصرية. كما يعزز حجم التبادل التجاري بين مصر وليبيا عام 2019، بنحو 900 مليون دولار. وتتشاور مصر حاليًا مع تشاد لضمها، ليمر الخط بليبيا ثم تشاد والكونغو.
سبق للجنة الاتحاد الأفريقي باتحاد الصناعات، إن طالبت بإنشاء مراكز لوجيستية في كينيا وتنزانيا كمرحلة أولى، لخدمة ما لا يقل عن 10 دول حبيسة من بين 16 حبيسة في أفريقيا. لكن الطريق الجديد سيحل تلك المشكلة.
الدول الحبيسة.. فرص تنتظر تحرك مصري
تفتقر الدول الحبيسة التي تملك حدودًا برية وجود واجهة بحريّة يمكن عبرها التصدير للخارج. ما يضطرها لاستئجار بعض الأرصفة بالدول المجاورة التي تطلّ على البحر لاستغلالها. هنا، يقول الخبير الاقتصادي نادي عزام إن تلك المشروعات ستعرز أحجام التبادل التجاري الضعيفة بين مصر والدول الأفريقية. فحجم حركة التجارة مع كينيا لا يتجاوز 550 مليون دولار مع كينيا، و174 مليون دولار مع جنوب أفريقيا، و144 مليون دولار مع إثيوبيا.
ويضيف عزام أن الطريق الجديد سيربط المدن الصناعية المصرية التي يتم تدشينه في أفريقيا مثل أوغندا بموانئ التصدير، ويقلل مسافات النقل البينية بين الدول وانتقال المواد الخام والعمالة. ما يؤهل مصر لمنافسة الدول الاجنبية التي تسعي للهيمنة الاقتصادية بالقارة السمراء مثل الصين وتركيا.
وتستفيد شبكة الطرق الجديدة من اتفاقيات تحسين القدرة التنافسية لاقتصادات الدول الأفريقية. فضلاً عن جذب الفرص الاستثمارية داخل القارة الأفريقية. وإزالة الحواجز والمعوقات الجمركية وغير الجمركية. وخلق سوق أفريقية موحدة للسلع والخدمات.
ويقول عزام إن تلك الاتفاقيات تعزز الصادرات المصرية المصنعة لأفريقيا وتوفير المواد الخام منها. خاصة أن صادرات تلك الدول، تتركز في المنتجات الحيوانية والنباتية والمشروبات والتبغ. بينما يمثل الربط مع العراق وليبيا بطريق أو سكك حديدية فرص للعمالة المصربة للعودة للخارج وتحسين أوضاعها.