كانت عائلة الصحفي علاء رضوان على أعتاب الوصول إلى القاهرة، بعد تأدية واجب التعازي في خالته بمحافظة أسيوط. لكن العودة على طريق الكريمات بمركز الصف حالت دون وصولهم إلى منازلهم. فخسر رضوان 11 فردا من عائلته، من بينهم أمه وخاله وخالته وآخرين.
وقع الحادث لأبناء قرية بني محمديات بعد اعتراض سيارة نقل بمقطورة بالطريق المعاكس “القاهرة- الصعيد”، بعد انفجار أحد الإطارات، ما أدى لاختلال عجلة القيادة ليتم اختراق الحاجز الخرساني للطريق ومرور الجزيرة التي تتوسط الطريق، لينتهي بها المطاف بالاصطدام بالسيارة للتهشم بالكامل.
23 فردا من محافظة أسيوط بين 18وفاة و5 مصابين، بينهم 11 فردا من عائلة واحدة تخص رضوان. “وكأن خالتي ندهتهم”، يقول الصحفي علاء رضوان، في مداخلة هاتفية بأحد البرامج التلفزيونية، مستعرضا ما حدث: “أهلي كانوا رايحين يدفنوا خالتي ويعزوا وراجعين مع بعض، وكأنها النداهة اللي ندهتهم، وربنا يقبلهم من الشهداء”.
يضيف: “يعني إيه أفقد 11 من أهلي لازم كل واحد يتحاسب ويتحاكم أنا فقدت أهلي كلهم، لازم يكون في حلول جذرية لمشاكل المرور ولطريق الكريمات”.
كانت النيابة العامة أمرت مساء أمس بحبس قائد السيارة النقل بحادث الكريمات الذي أودى بحياة 18 شخصا وإصابة 5 آخرين، موضحة أنها تلقت إخطارًا من قسم شرطة أطفيح يوم السادس من شهر مارس الجاري بصَدْم سيارة نقل بمقطورة حافلةً ميكروباص بالطريق الصحراوي الشرقي ناحية الكريمات -اتجاه الصعيد القاهرة-، ووفاة ثمانية عشر وإصابة خمسة جراء الحادث.
حوادث شبه يومية في الكريمات
لم تكن فاجعة رضوان هي الأولي، فحوادث شبه يومية تقع على ذلك الطريق، نظرا لأعمال الإصلاحات المستمرة منذ أكثر من عام، ففي 6 فبراير الماضي، لقي عروسان و 11 شخصا من أفراد العائلة مصرعهم في حادث تصادم أثناء سفرهم لإقامة حفل الزفاف بمنطقة العاشر من رمضان، وأثناء السير اختل عجلة القيادة مما أسفر إلى تصادم سيارة أجرة بنقل.
وعدد مرات لاحصر له قامت النيابة بالمعاينة لمسرح الحادث في تلك المنطقة، وفي الحادث الأخير قامت باستجواب اثنين من المصابين الذين أدلوا بتصريحات، فشهد أحدهما بصدم سيارة النقل الحافلة -التي كان الشاهدان يستقلانها- بعدما فقد سائقها السيطرة عليها نتيجة انفجار أحد إطاراتها، حال توقف الحافلة بمحطة تحصيل الرسوم ببوابات الكريمات بالطريق، وشهد الثاني بأنه كان نائمًا وقت الحادث فلم يُلم بمجريات وقوعه.
وفي 15 يناير من العام الماضي، شهد نفس الطريق حادث انقلاب ميكروباص يحمل 20 طبيبا من المنيا فى طريقهم للتدريب بالمعهد القومى للتدريب بالقاهرة، وتبين وفاة 3 أفراد وهم السائق وطبيبتان وإصابة 17 طبيب وطبيبة تم نقلهم على الفور لمستشفيات حلوان و15 مايو ومعهد ناصر، كما تم نقل جميع المصابين إلى معهد ناصر.
وطبقا للتقارير الدولية، تأتي مصر من بين أسوأ 10 دول في العالم من حيث ارتفاع معدلات حوادث الطرق التي تؤدي إلى الوفاة، وفقا لمنظمة الصحة العالمية.
وذكر الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن عدد حوادث الطرق في مصر بلغ 14500 حادث عام 2015، بزيادة قدرها 1% عن العام السابق.
وقدر الجهاز الخسائر المادية التي خلفها هذا العدد الهائل من حوادث السير بحوالي 30.2 مليار جنيه. وبلغ عدد ضحايا تلك الحوادث على مدار العام الماضي 25500 شخص بين قتيل ومصاب.
وتقول منظمة الصحة العالمية إن عدد حالات الوفاة بسبب إصابات حوادث الطرق أكبر من عدد الوفيات بسبب فيروس نقص المناعة المكتسب (المسبب لمرض الأيدز) أو السل أو أمراض الإسهال.
وذكرت النيابة أن المتهمَ قائد سيارة النقل قرر في التحقيقات باصطدام أحد إطارات سيارته بقاطع خرساني خلال محاولته تفادي سيارة بالطريق مما أدى لانفجاره وفقدانه السيطرة على السيارة، فعبرت إلى الاتجاه المقابل وانقلبت بمقطورتها فاصطدمتا بالحافلة.
وجه رضوان مناشدة إلى الرئيس عبد الفتاح السيسي، قائلا:” من شاب فقد 10 أشخاص من عائلته بينهم أمي، عايز أخد عزاء في أمي وقرايبي وقسم شرطة إمبابة مانع إقامة العزاء بحجة قرار مجلس الوزراء، وقام بفك السرادق.. ألا يستحق موت 10 أشخاص أن نتلقي فيهم العزاء فى الهواء الطلق متخذي كافة الإجراءات الاحترازية”.
وبمحافظة أسيوط، خيم الحزن على قرية بني محميات التابعة لمركز أبنوب، حيث انتشرت سرادقات العزاء بشوارع القرية منذ صباح اليوم السبت، عقب دفن جثث المتوفين في ساعة مبكرة، وسط حضور الآلاف من أهالي قرية بني محمديات، والقرى المجاورة وصراخات ذويهم وأهاليهم. مبدين غضبهم عن كثرة الحوادث :”زهقنا من كثرة حوادث الطرق، التي يموت فيها العشرات في ظل غياب المسؤولين ورعونة السائقين”.
طلبات إحاطة
لارتفاع عدد الحوادث، تقدم نواب بمجلس الشعب بعدد من طلبات الإحاطة، للمطالبة بسرعة الانتهاء من الإصلاحات المرورية، وتحويل أجزاء من الطريق إلى حارة واحدة لمسافة تزيد عن 300 كيلو متر.
فتقدم النائب البرلماني محمد حمدي دسوقي، عضو مجلس النواب عن مركز ومدينة أسيوط، بطلب لرئيس مجلس النواب، للسماح له بإلقاء بيان هام وعاجل، مشيرا إلى إنه جرى تحويل أجزاء من الطريق إلى حارة واحدة فقط فى أكثر من مكان لمسافات تزيد عن 30 كيلو متر للتحويلة الواحدة بسبب أعمال الصيانة، لافتا إلى طول فترة الإصلاح لأكثر من عام ونصف؛ مما أدى إلى وقوع حوادث بصفة متكررة وآخرها حادث الكريمات.
وفي طلب إحاطة تقدمت به النائبة سناء السعيد، ذكرت خلاله أن تكرار الحوادث تنتج عنه حوادث شبه يومية كانت آخرها يوم الجمعة ٥ مارس الجاري منهم والتي راح ضحيتها ٢٠ شهيداً وإصابة اثنين منهم ١٠ شهداء من قرية بني محمد بمركز أبنوب بمحافظة أسيوط.
وجاء بطلب الإحاطة أن الحوادث ارتفعت نتيجة لوجود تحويلات مرورية دون وجود إرشادات مرورية، وأن الإصلاحات التي تتم على الطريق منذ أكثر من عام وهذه الإصلاحات تتم ببطء شديد يهدد حياة المواطنين يومياً.
إطارات فاسدة
لفت الإعلامي عمرو أديب أثناء تقديم برنامجه “الحكاية” إلى أن حوالي من 60 إلى 70% من الحوادث في مصر تتعلق بإطارات فاسدة تستودرها مصر.
وطالب الإعلامي المواطنين بضرورة الكشف على الإطارات للحفاظ على أنفسهم وغيرهم، مستنكرا أن حوادث الطرق في مصر مميتة، قائلا: “الدم على الأسفلت في مصر مازال مستمرا”.
وتداول أديب عقب الحادث عددا من صور الحادث التي أوضحت عن بشاعة الاصطدام، وذكر الإعلامي أنه من الواضح أن التصادم كان “فظيعا” وسط هذا الظلام الدامس، مضيفا أن رقم الضحايا ضخم: “العربية كأنها اتضربت بصاروخ”.
وفي الدورة البرلمانية السابقة، تقدمت النائبة سولاف درويش، بطلب إحاطة إلى وزير التجارة والصناعة، تطالب بتحديث شروط استيراد إطارات السيارات سواء السيارات الملاكي أو المقطورة أو النقل الثقيل، وإصدار تعليمات بتوقيع الغرامات على من يخالف هذه الشروط، وقالت إن 70% من حوادث الطرق تحدث نتاج فساد عمليات استيراد إطارات السيارات.
وتساءلت درويش عن دور رقابة الجهات المسؤولة عن الاستيراد وتطبيق الشروط وأيضًا الرقابة على سوق الإطارات، ودور شعبة قطع غيار السيارات في الغرفة التجارية، ورئيس الهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات، وما هي الجهة المناط بها التفتيش على سلامة وصلاحية الإطارات المستوردة وقبل أن تباع إلى التجار.