تأتي ذكرى الثامن من مارس كيوم عالمي للمرأة شاهدة على إسهامات النساء في مجتمعاتهن، ودورهن البارز في تنمية أوطانهن ومقاومة الذكورية. بينما تأتي بوقع خاص في أفريقيا التي شهدت نضالات نسوية امتدت إلى دول المهجر، حيث يعيش الأفارقة في أوروبا وفي الأمريكيتين. ولعل ما يميز النساء الأفريقيات ما أسهمن به من نضال مستمر ضد السلطوية والأصولية والنزاعات المسلحة والظروف السوسيولوجية والاقتصادية الصعبة التي مرت بهن.

من المفيد تتبع مسيرات الأفريقيات تاريخيًا، ومن الضروري ذكر أن المجتمعات الأفريقية في الأصل كانت مجتمعات أمومية، تتسلم النساء فيها السلطة وتحكم قبائلهن. انتشر ذلك في القارة بأكملها، فنجد في شرق القارة الكنداكات أو الملكات القويات في الثقافة النوبية، وأشهرهن أماني ريناس التي هزمت الرومان وفقدت إحدى عينيها. وحتى إن اختلف علماء الأنثروبولوجي مع هذه المعلومة وشككوا في ريادة النساء الأفريقيات وادعوا أنهن لم يكن يحكمن بل يتسلمن السلطة من رجل وينقلوها إلى آخر، فهناك نساء أفريقيات رائدات حاربن الاستعمار ومازلن يسعين لإفشاء السلام في إرجاء القارة، بعد نزيف طويل الأمد بسبب الحروب التي شهدتها القارة.

تواجه النساء الأفريقيات حاليًا قمعًا مضاعف كإنسان أفريقي وكامرأة. وعلي الرغم من انتشار بعض القضايا بشكل عام في أفريقيا إلا أن التحديات تختلف بين أركان القارة، وتعترف النسويات بأن الختان والتسرب من التعليم والعنف الجنسي أمور منتشرة بكل أركان القارة السمراء. وهذا يجعلني أتذكر في اجتماع قمة حقوق النساء في كيجالي في رواندا في 2017 الذي حضرته، أن الوفد الرسمي المصري كان يتباهى بنسب محاربة التسرب من التعليم، بينما تناسى أن مصر عاصمة العالم في إجراء عملية تشويه الأعضاء الجنسية للإناث، بأعلى معدلات لهذه الجريمة، فضلاً عن انتشار العنف الجنسي في مصر، ومنع ناشطات نسويات من السفر واحتجازهن. بينما طرحت الوفود الأخرى مشاكل النساء في دولهن من حروب أهلية قطعت أواصل بلادهن وعنف جندري. خاصة الاغتصاب الذي اعتبرته المحكمة الجنائية الدولية أحد انتهاكات الحروب التي تصل إلى جرائم الحرب والإبادة الجماعية مثل ما حدث في دافور.

تتنوع الإشكاليات التي تواجهها النسويات الأفريقيات من نير الحروب الأهلية والسلطوية والأصولية. ما يجعل من حياتهن العادية نضالاً للبقاء أحياء، وللحصول على القدر الأدنى من الحقوق. إن النساء الأفريقيات يحاولن تغيير أوطانهن وجعلها أوطانًا تحترم حقوق الإنسان عامة وحقوق النساء خاصة.

عانت النساء الأفريقيات في المهجر من العنصرية وانتهاك حقوقهن المدنية والسياسية. وقد تطورت نضالاتهن بداية من تكوين أولى الحركات “الفهود السود” ومنهم أنجيلا دافيس، واساتا شكور، واودري لورد، وصولاً إلى حركة “Black Lives Matter” التي تدافع عن الأفارقة الأمريكيين من وطأة العنصرية التي تبدأ بالتنمر وتصل إلى القتل.

من الضروري عدم فصل ما يحدث في القارة الأم عن بلاد المجهر الأفريقي؛ لأن أسباب الاضطهاد واحدة، فالنساء الأفريقيات معرضات للاضطهاد والقمع في مختلف الأماكن.

ذكرت في بداية المقالة أن النساء الأفريقيات عانين من السلطوية التي تودي بحرياتهن وسلامتهن وتفرض نظامًا حاكمًا قاسيًا لا يهمه إلا التسلح وفرض سيطرتهم على أرجاء دولهن.

أيضًا حاربت الأفريقيات الأصولية التي تعلي من قدر تفاسير متشددة للأديان تحط من قدر النساء، وقد تتطور الأصولية إلى حرب مسلحة مثلما حدث في الجزائر في التسعينيات. فالحركات الأصولية تستهدف النساء وتمنعهن من العمل والدراسة وتتعدي عليهن جنسيًا وتفرض عليهن نمط حياة رجعي. لعل السلطوية الأصولية أصعب ما تواجهه النسويات لأنها تستخدم نصوص مقدسة وتستبعد أي مخالف لها وتفرض على الجميع تفاسير تؤيد مصالحها وتعمل على إعادة تشكيل المجتمع كما أنها تسيطر على المجتمع و تتعقب أي معارض.

عانت أفريقيا من تاريخ ملئ بالتمرد على الظلم، وشاركت النساء في مقاومة المستعمرين والعنصريين. ولعل أبرز نماذج الاحتجاج على العنصريين ما فعلته النساء في جنوب أفريقيا حينما قاومن الأبارتهيد ومنهن، وقدمنا نماذج عدة لهذه المقاومة أهمها ويني مانديلا التي قاتلت حكم الأقلية البيضاء، ذلك الحكم الذي حول السود في جنوب أفريقيا إلى مواطنين من الدرجة الثانية. وعلى الرغم من الإنهاء الرسمي لنظام الفصل العنصري، إلا أن تجول بسيط في شوارع المدن الجنوب أفريقية يشير إلى الفقر المدقع الذي جعل السود يسكنون في منازل من صفيح، بينما البيض يعيشون في بيوت محصنة ومؤمنة بها لافتات تشير إلى رد فعل مسلح لأي محاولة للسرقة.

جاهدت النسويات الأفريقيات وحاولن تكوين حركة قارية وكونّ صناديق دعم لقضايا النساء، مثل صندوق المرأة الأفريقية للتنمية، وصندوق الأمور الطارئة لأفريقيا. وهي صناديق تعمل على تقديم دعم مهني ومالي للنسويات في القارة.

كان حظي سعيدًا لأني قابلت نسويات أفريقيات تشاركت معهن أفكاري ومعتقداتي، وقد أسهمن في تسليط النظر على قضايا نمر بها وقد لا نلفت لها، ومنها عملية الدمقرطة، أي عملية التحول إلى الديموقراطية التي تسعي لها الحركات الحقوقية والأحزاب المدنية، التي تقاوم قوى الرجعية والتسلط والطغيان.

قاومت الأفريقيات قضايا عامة انتشرت في العالم، كما فعلت حركة Me too # التي تناولت التحرش الجنسي وفضحت الكثير من المعتديين جنسيًا، ودعمت النساء اللائي تعرضن لتحرش أو تعد جنسي. وانتشرت الفاعليات التي أقامتها النسويات الأفريقيات في الفضاء الافتراضي، مثل وسم #afrifem الذي يتناول اهتمامات النسويات الأفريقيات مثل محاربة الختان أو تشويه الأعضاء الجنسية للإناث الذي تعاني القارة من نسب عالية من ممارساته، التي تستهدف السلامة الجسدية والجنسية للنساء. تناول الوسم قضايا وجود المرأة في المجالس المنتخبة وفي مراكز القيادة ومعاناة الأقليات الأفريقية مثل الأورمو في إثيوبيا والنسويات المناضلات في الصحراء الغربية. وتواجه النساء الأفريقيات العنصرية وعلى رأسهن سعدية مصباح رئيسة جمعية “منامتي” أو حلمي في تونس، وقد نجحت في تبني تونس لقانون مناهضة العنصرية في عام 2018 وشجعت آخريات على تبني نفس النهج.

عملت النسويات الأفريقيات على تبني معاهدة لحقوق النساء وتعديل النصوص التي وردت في إعلان بانجول لحقوق الإنسان الأفريقي، حيث نص على احترام قيم الأسرة الأفريقية. وهذا النص يمكن أن يستخدم لدحض حقوق النساء وتبني رؤى رجعية وذكورية، لهذا لم يتم تبني هذا النص في معاهدة مابوتو لحقوق النساء الأفريقيات الذي تم تبنيه في 2003 ودخل حيز التنفيذ في 2005. بينما لم توقع مصر على هذه المعاهدة حتى الآن. وتسعي النسويات الأفريقيات إلى تبني هذه المعاهدة التي تحمي حقوق النساء الافريقيات وترسخ لفكرة المساواة وتعزيز دور النساء الأفريقيات في تنمية وتطوير مجتمعاتهن.

تقيم النسويات الأفريقيات المنتدى النسوي الأفريقي كل سنتين في دولة مختلفة. يتيح هذا المنتدى فرصة للتواصل بين النسويات وطرح قضاياهن وقضايا أوطانهن ويتبادلن الأفكار حول التحديات التي تواجهن ويعرضن لتجاربهن ويشاركن في حوارات فيما بينهن.

نهاية، تحاول النساء الأفريقيات النهوض بحياتهن ومقاومة الذكورية والرجعية والعنصرية في سبيل منهج يحترم حقوق الإنسان والديموقراطية لحل مشاكلهن. ويدعمن بعضهن البعض ويؤكدن على فكرة التضامن النسوي والاختية sisterhood. واجهت النساء الأفريقيات الديكتاتورية والعنف المسلح ولا يزلن.