يحتفل العالم ومصر بـ”يوم المرأة”، فيما يواجه قطاع من النساء أسوار السجن الضخمة المحاصرة بالعتاد، وفراق ذويهم، بالصبر والصمود، والأمل الذي لا ينقطع في “بكرة أحلى”.

عالميًا، يشير تقرير سابق تم تقديمه لمجلس حقوق الإنسان بالأمم المتحدة لارتفاع وتيرة احتجاز النساء نسبة إلى الرجال. حيث تقبع أكثر من 700 ألف امرأة في السجون في مختلف البلدان. في حين أغلبها يعاني الاكتظاظ، وذلك في ظل أزمة وباء كورونا.

السجن أينما كان هو السجن بالنسبة للمسجون. إلا أن معاناة النساء خلف الغرف الموصدة، تظل ذات وضع معقد. فهي المرأة الحامل التي قد تنجب أطفالها في أي وقت، والمريضة في ظل ظروف صحية غير معروفة. وأيضًا الحاضنة للأطفال في بيئة لا تسمح لضحكاتهم بالانطلاق.

وبينما تعتمد الفكرة العامة للسجن على سلب الحريات كوسيلة للعقاب، تعيش سجينات الرأي معركة مختلفة. فهن بالأساس أمهات وبنات، وحتى أحفاد، ينتمين إلى مختلف الفئات الاجتماعية، والطبقية. ولكن لقضاياهن طبيعة خاصة.

تجبر الظروف المختلفة، وموازين القوى المختلة، المسجونات على مواجهة الوجه الآخر لذواتهن. والسؤال الملح وقتها يتمثل في هل أستطيع الصمود؟ وما هي الأسباب؟ وأيضًا الموارد التي أستطيع أن ارتكن عليها لتحقيق ذلك؟

احنا مبنحبش السجن.. بس مش بنخاف منه

المحامية الحقوقية ماهينور المصري إحدى هؤلاء اللاتي يحاربن أسوار السجن بصوت عال يرفض الرضوخ. فلطالما رددت مقولتها الشهيرة “احنا مبنحبش السجون بس مش بنخاف منها”. وهي من بين أكثر النساء اللاتي تعرضن للاعتقال، خلال فترة حكم الرئيس المخلوع حسني مبارك، وما يليها.

ورغم مشاق الرحلة تستمر ماهينور، في كل مرة يتم الإفراج عنها، في دعم المحتجزات/ين، وممارسة مهنتها في الزود عنهن/هم، تدفع الكفالات من جيبها الشخصي، وتعاضد أسرهن/هم.

وكما عرفت مدافعة عن حقوق المهمشين، تعيش ماهينور أيامها داخل السجن كداعمة للجميع محتجزات رأي، أو جنائيات على حد سواء. لاتفارق الابتسامة شفتيها، حتى أنها في جلستها الأخيرة اشتكت للمحكمة، من ارتفاع الأسعار داخل السجن وبما يفوق طاقة السجينات.

ماهينور المصري
ماهينور المصري

يعبر منشور سابق لأختها ميسون عنها، عن ارهاق مزمن “زي النهاردة من 3 سنين ماهينور كانت لسه خارجة من السجن وكانت لسه بتحاول تلتقط أنفاسها وتركز في حياتها، وبعدها بسنة رجعت تاني السجن وقضت سنة وتلات شهور، النهاردة بقى 22 سبتمبر 2019 ماهينور رجعت تاني ومصيرها مجهول”.

ماهينور ألقي القبض عليها خلال خروجها من المحكمة في عام 2019. كما تم ضمها إلى القضية رقم 488 المعروفة بـ “تحالف الأمل”. وواجهت اتهامًا بمشاركة جماعة محظورة ومساعدتها على تحقيق أغراضها و نشر أخبار كاذبة.

اقرأ أيضًا: بينهم ماهينور والعليمي وباقر .. “جائزة حقوق الإنسان تذهب لمحامين جلبوا الشرف للمحاماة”

تجربة إسراء عبدالفتاح مع السجن

في 14 أكتوبر 2019، تعرضت الناشطة، والصحفية إسراء عبدالفتاح للاحتجاز على يد قوات الأمن، في القضية 488. ووجهت إليها اتهامات تتعلق بالانضمام إلى جماعة محظورة، ونشر أخبار كاذبة وإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي.

وخلال عرضها على النيابة أصرت إسراء على إثبات تعرضها للتعذيب، والضرب المبرح. ودخلت في إضراب عن الطعام لبعض الوقت، للضغط على السلطات، لاستكمال التحقيق.

وبالرغم من تدهور صحتها لبعض الوقت، وتدويرها للقضية 855، وقفت إسراء رمزًا آخر للصمود أثناء جلسة محاكمتها الأخيرة. حيث ظلت متماسكة تتحدث إلى هيئة المحكمة عن ظروف الاحتجاز. وكانت إسراء من الأصوات النسائية البارزة التي دعت وشاركت في ثورة 25 يناير عام 2011. والتي نشطت خلال الإضراب العام في المحلة عام 2008، حيث جرى اعتقالها أكثر من مرة بعد ذلك في حوادث مختلفة.

سناء سيف المشاكسة أصغر نزيلات السجن

سناء إحدى أصغر النساء سجينات الرأي، وأكثرهن مشاكسة. وفيما تعددت عدد مرات احتجازها، تحاول سناء استثمار وقتها داخل السجن، في التعرف على السجينات، ومحاولة حل مشاكلهن.

وتتواجد سناء داخل أسوار سجن القناطر للنساء، وتحديدًا في غرفة “الإيراد”. حيث الوارد الجديد من كل أقسام الجمهورية. وكالعادة تتفاعل معهن، فتحاول مساعدتهن، في تجاوز صدمة السجن الأولى، بأبوابه المصمتة.

سناء سيف

سناء ذات الـ 27 ربيعًا سبق وأن خاضت تجربة الاحتجاز لعدة مرات. كما أنها اضطرت إلى قضاء اختباراتها الدراسية خلال فترة حبس سابقة. وأيضًا تعتبر التجربة فرصة للقراءة، وتبدو دائمًا قادرة على العبور من هذا الكم اللانهائي من الفراغ. وهي نجلة العائلة الحقوقية المعروفة، ألقي القبض عليها في 23 يونيو 2020، أثناء تقديمها شكوى بالاعتداء عليها أمام سجن طرة، خلال زيارتها لأخيها علاء عبدالفتاح. فيما ذكرت النيابة في بيان أن سناء أوقفت بموجب مذكرة صادرة بتاريخ 21 يونيو بسبب دعوة نشرها “شائعات حول تردي الأوضاع الصحية بالبلاد وتفشي فيروس كورونا في السجون”.

خالد كبر ياماما؟

تعيش الصحفية سولافة مجدي، داخل أسوار السجن المنيعة، على أمل لم شمل أسرتها. وتقضي أوقات زيارتها القليلة في استطلاع أحوال خالد. فتبادر خلال الزيارة بسؤال والدتها خالد كبر ياماما؟

رغم وحشة السجن، ووجع المرض، تعد سولافة خالد بالعودة والحضن الدافئ. تقول “أشتاق إليك كثيرًا كثيرًا، وكما أرسلت لك في السابق، سوف أعود لك يا حبيبي، لا أعرف متى، ولكن أتمنى أن يكون قريبًا، سأعود وأحتضنك طوال الوقت”.

سولافة وأسرتها

حرم السجن خالد من والديه معًا. إذ ألقي القبض على سولافة، وزوجها حسام الصياد، وصديقهما محمد صلاح في 26 نوفمبر 2019.

وتواجه سولافة وزوجها اتهامات بنشر وإذاعة أخبار وبيانات كاذبة، وإساءة استخدام وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي. فضلاً عن مشاركة جماعة إرهابية مع العلم بأغراضها والترويج لها.

مروة عرفة “أم وفاء”

تركت المترجمة مروة عرفة طفلتها وفاء وعمرها 16 شهر، بعد أن ألقي القبض عليها منذ ما يقارب العام. ذلك العام الذي تغيرت فيه ملامح وفاء فكبرت، وأصبحت تزور أمها في السجن، ولكنها تعاني الانفصال عن مروة، ما تسبب في تأخرها عن باقي أقرانها سلوكيا، تحاول مروة التقرب إليها، والاهتمام بها، لكن وقت الزيارة الـ “10 دقايق” لايسعفها.

وتعيش مروة على أمل احتضان وفاء، وتضميد جراحها فيما يطالب زوجها الكاتب تامر موافي بأن تخرج مروة لبنتها. “مفيش أي مصلحة عامة بتتحقق باستمرار معاناتها هي أنا وبنتنا”.

وألقي القبض على مروة في القضية رقم 570، والمتهمة فيه بنشر أخبار وبيانات كاذبة، إساءة استخدام وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي، ومشاركة جماعة إرهابية.

وكانت مروة قد تعرضت للاعتقال يوم 20 أبريل الماضي، بعد اقتحام منزلها من قبل قوات الأمن، وتم اقتيادها لجهة غير معلومة، حتى ظهرت في نيابة أمن الدولة بعد أسبوعين من اعتقالها.

هدى عبدالمنعم

هدى عبد المنعم الأم التي لم يسمح لبناتها بزيارتها، ولو مرة واحدة، منذ احتجازها في نوفمبر 2018، على ذمة القضية 1552.

ومع ذلك وبالرغم من صعوبة التواصل معها، استطاعت خلال إحدى الجلسات أن تضم بناتها إليها، قائلة “كان نفسي ابقى وسطكو في سني ده انتو اللي تشيلوني، نفسي احضر رمضان معاكو”.

تعمل هدى في سلك المحاماة، كما أنها العضو السابق في المجلس القومي لحقوق الانسان، وتبلغ من العمر 61 عامًا، وتعد من المحتجزات الأكبر سنًا، وتعاني بعض المشاكل الصحية. وقد وجهت النيابة إليها اتهامات تتعلق بـ”الانضمام لجماعة إرهابية أسست على خلاف القانون، والتحريض على ضرب الاقتصاد القومي”. وقد وضعت رهن الاحتجاز على ذمة التحقيق.

علياء عواد

لطالما حرصت الصحفية علياء عواد على إرسال التحية، وعرض المساعدة على الواردات الجدد من سجينات الرأي، ولم يمنعها مرضها أبدًا من نشر روح المرح، والحيوية في محاولة منها لمواساة زميلاتها. وفي كل مرة يتم احتجازها في مستشفى السجن تحاول الاطمئنان على زميلاتها الموزعات على باقي العنابر، من خلال المرضى الآخرين، أو حتى فريق التمريض.

وتعاني علياء من نزيف مستمر نتيجة أورام ليفية بالرحم. الأمر الذي يتطلب معه عناية صحية خاصة، وعملية جراحية عاجلة.

 

ومع ذلك لا تأل علياء جهدًا في محاولة تجاوز معضلة الزمن داخل السجن، عبر القراءة، وسماع محطات الراديو، الأمر الذي يلعب دورًا عظيمًا في تصريف هذا الكم من “الوقت الفاضي”.

احتجزت علياء في 2014، وظهرت على ذمة القضية رقم 4459، وتم إخلاء سبيلها عام 2016، لتعيد المحكمة احتجازها في أحد جلسات نظر قضيتها في 23 أكتوبر 2017. حينها ألقت قوات الأمن القبض عليها وأودعتها سجن القناطر.