“لابد أن نضع نهاية للوصم المتعلق بالدورة الشهرية. في بيوتنا ومدارسنا وأماكن عبادتنا وكل الفضاءات التي نعيش فيها”. قالت وزيرة المرأة الجنوب أفريقية، باثابيلي دلاميني.

في عام 2016 أصدرت الحكومة المصرية قرارًا بزيادة التعريفة الجمركية على 364 سلعة مستوردة وصفتها بـ”السلع الاستفزازية”. بنسب تتراوح بين 10 و60%، ومن بين تلك السلع مستحضرات العناية بالجسم ومزيلات العرق. دون الإشارة بوضوح إلى الفوط الصحية النسائية.

لكن ما حدث على أرض الواقع من ارتفاع كبير لأسعار الفوط الصحية بعد ذلك القرار. تحملت النساء نتيجته وحدهن. ففي بلد يصل تعداد سكانه 100 مليون نسمة تشكل النساء فيه 49.4% بحسب الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء. فضلًا عن تصنيف النساء المصريات من أكثر الفئات معاناة من الفقر وتدهور الوضع الاقتصادي وفقًا للمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية.

الغلاء يطول الفوط الصحية

فوجئت سلمى الشيمي، أن سعر عبوة الفوط الصحية هذا العام أصبح 35 جنيهًا بعد أن كان 27 جنيهًا. ما أضطرها إلى شراء علبة واحدة بدلًا من أثنين كما تعتاد وتحتاج إلية.

تقول لـ مصر 360: ” منذ التعويم وأنا اشتري شهريًا عبوتين من الفوط الصحية بسعر مختلف عن ما سبق. كنت اتغاضى عن الزيادة من صيدلية لأخرى نظرًا أنه أمر مُلح لا يمكنني التفاوض في الاستغناء عنه. ولكن أصبح الأمر جنوني فرغم اختياري لنوع متوسط الجودة يتلائم مع قدرتي الشرائية إلا أن السعر يتزايد شهريًا. كذلك أصبحت أقلل من عدد الفوط التي استخدمها. ما قد يسبب مشكلة في جهازي التناسلي”.

رغم أن سعر العبوة يتراوح ما بين 15 لـ70 جنيهًا وفقًا لنوعية والماركة المستخدمة. تتكلف النساء شهريًا ما يقرب من عبوتين إلى ثلاث عبوات من الفوط الصحية للدورة الشهرية. كأحد السلع الأساسية في حياة النساء. كذلك لا يزال التعامل مع الفوط الصحية على أنها رفاهية يمكن للنساء الاستغناء عنها. وتبني أساليب غير صحية لتدبير الأمر وتوفير المال.

كذلك تضيف سلمى: “بعد الجائحة فقدت عملي كحال عدد كبير من النساء. وأصبحت اتدبر المال لشراء احتياجاتي بصعوبة. وبدات استبدل مشترياتي وفقًا للأولوية. لكن الأزمة أن الدولة تتعامل مع الفوط الصحية كأنها غير مهمة. لذلك يُصبح سعرها متروك لكل صيدلية أو محال تجارية تسعرها كما تشاء”.

ورغم إلغاء الهند ضريبة بقيمة 12% على منتجات النظافة الصحية. كما قررت أستراليا إلغاء ضريبة مثيرة للجدل على منتجات النساء الصحية. بعد سنوات من حملات قادتها منظمات وجماعات حقوق المرأة منذ ما يقارب 18 عامًا. إلا أن الأمر مازال صعبًا في مصر.

الفوط الصحية.. جانب صحي مهم وليس رفاهية

بل على العكس تعتبر الفوط الصحية، مثل الدورة الشهرية وجميع المواضيع المتعلقة بـ”الجنسانية” موضوعًا محظورًا وتابوهًا.  حيث تصبح الفوط الصحية موضوعًا “مخجلا” للمرأة، ما يجعلها تشعر بالعار وهي تشتريها.

كذلك تُعلق “منى عزت” الباحثة في قضايا النوع الاجتماعي على القضية: “لابد أن يتم التعامل مع الفوط الصحية. على اعتبارها جانب صحي مهم للنساء والفتيات. وبالتالي لابد أن يُراعى في تحديد الأسعار وصولها إلى أكبر عدد ممكن من السيدات. حسب القدرات الشرائية المختلفة ما يمنع حدوث مغالاة في سعرها ويصبح الشراء مقتصر على من يقدر فقط”.

كما أن الإعلانات -بحسب منى- تستهدف شرائح معينة فقط وأغلبها تتوجه إلى المدن لكننا بحاجة إلى الانتقال للريف. والتوعية بأهمية استخدام الفوط الصحية وعلاقتها بصحة النساء. كذلك طريقة عرض السلعة نفسها يجب أن تختلف بحيث تصبح أبسط وأكثر أمنًا على النساء ما يقلل من التكلفة. ويصبح الجميع قادر على الشراء مع الأخذ في الاعتبار الثقافة المختلفة في الريف.

كذلك تشير إلى أنه من الصعب أن يتم الدعم الكامل للفوط الصحية. لكن يمكن أن تكون مطروحة بأسعار مخفضة عن طريق التأمين الصحي الشامل. كما كان يحدث مع حبوب منع الحمل.

في لبنان.. لا توجد موارد

في العام الماضي مع اشتداد الأزمة الاقتصادية في لبنان، ظهرت حملة واسعة على السوشيال ميديا عبر مجموعات نسائية.  قاموا من خلالها بنشر صور لمستلزمات الدورة الشهرية وأسعارها في المحال التجارية. مقارنين الفرق بين أسعارها الخيالية والباهظة وبين أسعار القهوة المدعومة ضمن لائحة وزارة الاقتصاد. بينما نشرت منظمة “بلان إنترناشونال” دراسة بعد انتشار فيروس كورونا لتقييم الاحتياجات المتعددة للقطاعات. استطلعت آراء حوالي 600 فرد من النساء والرجال ونحو 490 شابًا وفتاة.

أظهرت الأرقام أن 66% من الفتيات اليوم اللواتي يعشن في لبنان لا يملكن الموارد المالية لتأمين مستلزمات الدورة الشهرية. بينما أظهرت الدراسة أن نسبة الفتيات السوريات 55% من هذه الشريحة. وأتت نسبة الفتيات اللبنانيات لتشكّل 45%.

مناطق الحروب والنزاعات

في حين تعاني الأماكن الخاصة بالنزاعات إلى صعوبة بالغة في وصول الفوط الصحية لها. ولا يجدن حل إلا استخدام الملابس القديمة كبديل عن الفوط. وبحسب منظمة “كير إنترناشونال”، فالعادات الاجتماعية المتبعة في بعض المناطق. وعدم توفر منتجات تتعلق بالدورة الشهرية، وصعوبة الوصول إلى موارد المياه. تؤثر بالنهاية على “كرامة” الفتيات والنساء الأكبر سنًا، فضلًا عن انتشار مفاهيم مغلوطة.

كذلك قالت يونيسيف (منظمة الأمم المتحدة للطفولة) إنها أوصلت ما يقرب من 84 ألف حزمة فوط صحية. تحتوي كل حزمة على 10 فوط للمناطق المحاصرة التي يصعب الوصول إليها في سوريا في عام 2016. مقارنة بـ17 ألف رزمة في 2015.

ما يتعلق بأفريقيا

أما في عدد من المناطق من بينها أثيوبيا ظهرت مبادرة “دورتي” بجمع التبرعات ومستلزمات الدورة الشهرية. وإرسالها إلى المنازل مباشرة والجمعيات لمساعدة الإثيوبيات اللواتي افترشن الطريق أمام سفارة بلادهن.

وكثرت الاحتجاجات النسوية ضد فرض الضرائب على الفوط الصحية في كثير من دول العالم. حصدت ثمارها في رواندا. إذ أعلنت الحكومة إلغاء 18% من ضريبة القيمة المضافة على الفوط الصحية. خاصة بعد صدور دراسة عن وزارة التعليم تؤكد أن الفتيات اللاتي يتعرضن لفترات الحيض أكثر عرُضة للتسرب من المدارس بنسبة 8%.

ووفق جمعية “Dining for Women” فإن العبوات التي تحتوي على القليل من الفوط الصحية تتكلف نحو 800 فراند رواندي. ما يعادل 87 سنتًا أمريكيًا. كذلك تعادل أجر يوم كامل لكثير من النساء، أو يستخدمن البدائل الأخرى الأكثر خطورة.

في حين بادر كاموجيلو مامباتلا سائق سيارة أجرة، من جنوب أفريقيا، بمساعدة الفتيات في الحصول على الفوط الصحية. بعد أن لاحظ تغيب الفتيات عن المدرسة لأيام طويلة لعدم قدرتهن على شراء الفوط الصحية. لأنه وبحسب اليونسيف تمتنع واحدة من كل 10 فتيات في جنوب إفريقيا عن الذهاب للدراسة خلال تلك الفترة. كما أظهرت الأبحاث أن ما يصل إلى 7 ملايين تلميذة في جنوب أفريقيا لا يقدرن على تكلفة الفوط الصحية.

إجازة الحيض

تطبق بعض الدول مثل أندونيسيا وتايوان وكوريا الجنوبية سياسة “إجازة الحيض”. التي تمنح المرأة إجازة من العمل يومًا على الأقل. ولكن تقابل مثل هذه السياسة بانتقادات كثيرة تجاه النساء تمنعهن من تولي مناصب قيادية ورواتب عالية.

وفي عام 2019 طبقت شركة دعاية وإعلان مصرية منح موظفاتها إجازة حيض مدفوعة الأجر لمدة يوم واحد. أسمتها “إجازة الفترة المرهقة” مراعاة لطبيعة المرأة النفسية والجسدية أثناء الدورة الشهرية. ورغم ذلك تعرضت الشركة لانتقادات واسعة. بينما تشير الدراسات إلى أن تشنجات الحيض يمكن أن تساوي فحدوثها النوبات القلبية.

ترى “عزت” أن هذا النوع من الحملات لكي ينجح لابد أن يتم توسيعه على كل نطاق الجمهورية. ويكون للإعلام دور في التوعية وأن يكون شكل التغليف الخاصة بالعبوات مراعي للخصوصية والثقافة الريفية. لأن لا يزال هذا المنتج يتخذ الطابع السري في مصر، بمعنى أشمل مراعاة البعد الجغرافي.

وتؤكد أنه بالطبع تحتاج النساء إلى قدر من الراحة نتيجة الألم الشديد وزيادة معدلات نزول الدم على الأقل في اليوم الأول. فهي تعد إجازة مرضية مثل أي مرض آخر يحدده الطبيب.

الدورة الشهرية في السجون

ونظرًا لما في الأمر من أهمية أطلقت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية العام الماضي حملة “الدورة الشهرية في السجون”. كمحاولة ضغط حتى يعترف القانون بالاحتياجات الجسدية للنساء. دعت فيها قطاع مصلحة السجون إلى توفير الفوط الصحية القطنية للسجينات. إلى جانب تهيئة الظروف الهيكلية للصحة داخل مرافق السجون.

وذكرت المبادرة أنه من خلال اللقاء مع 5 سجينات سابقات في سجني القناطر ودمنهور. سلطت الضوء على تأثير غياب اعتراف القانون بحاجاتهن الجسدية في حياتهن اليومية. من المنظورين الاقتصادي والصحي، أي أن هناك 11 سجنًا عموميًا مخصصًا للنساء في مصر لا تراعى فيها حاجاتهن الخاصة.

المبادرة أشارت إلى أن القانون لم يعترف بالاحتياجات الخاصة بأجساد النساء حتى الشهر الثالث من الحمل. لناحية توزيع وجبات خاصة بالسيدات الحوامل. وفقًا لقرار وزير الداخلية رقم 468 لسنة 2017 المعدل على قرار رقم 361 لسنة 1998.

ولكن المادة 83 من قانون تنظيم السجون رقم 396 لسنة 1956 والمُعدل في 24 يناير 2015 برقم 106 لسنة 2015. تؤكد ضرورة استيفاء شروط النظافة والصحة والأمن داخل السجن ويتحقق من ذلك مفتشون يرفعون تقاريرهم لمساعد وزير الداخلية.

بدائل الفوط الصحية

وفي بعض الدول الأفريقية يتم استخدام “كأس الحيض”. الأرخص سعرًا لكنه غير معمم بشكل كبير نتيجة الثقافة السائدة المتعلقة بالعذرية. وبالتالي لا يعرفه الكثيرون، لذلك تغيب فكرة بدائل الفوط الصحية. وهو لفافة مصنوعة من القطن والحرير، و(السراويل المبطنة).

البديل عبارة عن سروال مبطن من الداخل، فعال قابل لإعادة الاستخدام أكثر من مرة. كذلك لاقى انتشارًا كبيرًا في بريطانيا، حيث قامت بأختراعه فتاة عمرها 28 عامًا.

تعود الباحثة في قضايا النوع لتتحدث عن البدائل. وتقول إنه مثلما يتم الحديث عن الأمراض المختلفة لابد من التوعية بالطمث لخلق رأي عام واعي. وكل شيء طبي يتطور لكن كل جديد يخشاها الناس وبالتالي سيخشون البدائل المتعلقة بالفوط الصحية. خاصة أن هذه المنطقة في جسد المرأة لها خصوصية معينة تتعامل معها الأسر بتحفظ شديد. وبعض البدائل يخشوا “غشاء البكارة بالتعبير الشعبي” رغم أن البدائل قد تكون رخيصة وآمنة. وهنا يأتي مرة أخرى دور الإعلام والجمعيات الأهلية التي تعمل مع النساء بشكل مباشر فهو ليس موضوعًا سريًا وإنما موضوعًا صحيًا.

وتنصح الدكتورة منى محمد أخصائية أمراض النساء، ألا تلجأ النساء إلى الأقمشة القديمة كبديل عن الفوط الصحية. وفي حال اضطرت المرأة لاستعمالها لابد من تطهيرها جيدًا. مرجحة أن أغلب نساء القرى يلجأن لهذا التقليد، لأن أغلبهن لا يعرف شيء عن الثقافية الصحية. ولا تصل إليهن حملات توعية. فضلًا عن المعاناة من الفقر الشديد الذي يجعل النساء توفر حاجة المنزل عن حاجتها الصحية.

وتضيف: “استعمال الطرق البدائية أثناء فترة الحيض يمكن أن يسبب التهابات شديدة وبيئة خصبة للبكتيريا والأمراض.

الجائحة وتأثيرها على الفوط الصحية

أما فيما يتعلق بالجائحة، أصدر صندوق الأمم المتحدة للسكان بالتعاون مع اليونيسف، تقريرًا مشتركًا في مايو من العام الماضي. عن ضرورة حصول العاملات في الفرق الصحية على الإمدادات الصحية للدورة الشهرية. كذلك الوسائل اللازمة للحفاظ على النظافة الشخصية بشكل منتظم.

وأشارت توجيهات اليونيسف الأخيرة إلى أن “وضع معدات الوقاية الشخصية وإزالتها. يشكل عائقًا كبيرًا أمام استخدام مستلزمات التعامل مع الحيض. والذي قد يؤدي إلى نزف النساء داخل بدلات الوقاية، أو يستوجب وقف الحيض من خلال استخدام حبوب منع الحمل، أو فقدان أيام عمل.

كما أشار التقرير إلى أن التقاليد الضارة الخاصة بالحيض تؤدي إلى الإقصاء والضعف حتى في الظروف العادية. وفي وقت الجائحة، يمكن أن يتفاقم هذا الوضع.