مؤخرًا أحرزت مصر بشكل ملحوظ تصعيدًا لعدد كبير من النساء في دوائر صناعة القرار، فشهدنا تمثيل النساء في البرلمان بنسب غير مسبوقة، فالنساء في الوزارات بنسب لافتة، بينما النساء في الجهاز الإداري موجودات في بعض وكالات الوزارة، وبعض الإدارات المركزية، وفي الأجهزة المحلية، وبل هناك تدابير من حين لآخر تضمن وجود نسبة من النساء في سلك القضاء، أملاً في سد الفجوة بين الجنسين في الوصول للمناصب القضائية.

حسب قراءات تاريخية في العشرة الأخيرة من الألفية السابقة، عادة ما تتعامل الدولة المصرية مع ملف المرأة عمومًا باعتباره فرصة لتحسين صورتها على المستوى الدولي، وأيضًا مجالاً يسيرًا نسبيًا أو تحت السيطرة لتحسين أوضاع التنمية المجتمعية بشكل عام على المستوى الوطني، فمثلاً تشجيع تعليم الفتيات أو عمل المرأة خارج المنزل من شأنه أن يحجم من معدلات الزيادة السكانية، وبالتالي يحفظ موارد الأسرة والدولة على المدى المتوسط والبعيد، ويسهم في تقليل مؤشرات الفقر.

إلا أن تحسين الصورة أو بصيص النفع البرجماتي المباشر جراء تحسن أوضاع النساء شكلاً لا يعد مؤشرًا على تحسين أوضاع النساء بشكل عميق قادر على إحداث تغيير يتناسب مع الاهداف الكبرى من ورائه كخلق علاقات قوة متزنة بين الجنسين في المجتمع، أو إتاحة فرصة أكبر لمجتمع صحي منتج ومتكافئ في الفرص، متساو في الحقوق والواجبات.

في الوضع الراهن، مصر تحصد نسب مرتفعة في تمثيل النساء في عدد من دوائر صناعة القرار، ولكن السؤال هل تعكس نسب تمثيل النساء في بعض مواقع صناعة القرار تحسن فعلي لأوضاع النساء على الأرض، وفقًا للمؤشرات الكمية والكيفية أيضًا عن معدلات الفقر وتأنيثه، فنصيب النساء هو الأعلى ويتزايد مع الكوفيد، والنساء الأكثر عرضة للبطالة والخروج من سوق العمل، بل الكارثة الكبرى أن معدلات العنف البدني والنفسي والجنسي ضد النساء مرصودة وبشكل ملحوظ سواء داخل الأسرة أو في المجال العام.

وهو ما يفيد أن تحسن أوضاع النساء ليس بالكم وحده، وإنما هناك اجتهاد ضروري يجب أن يربط بين التمثيل الكمي والتغيير الكيفي أيضًا في تحسن وضعية النساء. وربما يعد الإصلاح التشريعي مؤثر مرصود لجدية السياسات العامة العاملة على تحسن أوضاع النساء، ومؤشر كاشف على مدى عمق التغيير في ثقافة وتفكير واضعي السياسات العامة المعنية بتحسين أوضاع النساء وتمكينهن من المشاركة الفعالة في التنمية.

إلا أنه غالبًا ما تأتي الدولة بأفق من الإصلاح التشريعي المحدود، وفي كثير من الأحوال يأتي كعامل يكرس مزيد من التمييز والتراجع حول مكانة النساء، فلا مساواة في الإرث وإنما اجتهاد بعقوبة نادرًا ما سيتم وقوعها إذا تعثرت النساء في الحصول على حقهن الشرعي، ولا قانون موحد للحماية من العنف، وإنما هناك تعديلات على قانون الجنايات بحماية مشروطة لخصوصية بيانات المبلغين والشهود من الجنسين، ولا قانون رادع متكامل للحماية من ختان الإناث، وإنما تعديلات متراكمة ترصد تحسن ولكن غير جذري.

ومؤخرًا قانون أحوال شخصية يعيد النساء إلى المربع صفر، ويعيد ذاكرة “حكايات ورا كل باب” تم تسريبها سرًا لأحد المواقع الصحفية وحذف فور هجمة منظمة على شبكات التواصل الاجتماعي.

أداء تشريعي في مجملة مغيب عنه المشاركة المجتمعية، ومناخ عام طارد للمشاركة الفعالة والحيوية للنساء والشابات، وأولويات تشريعية مفقودة، في حين تتزين بعض مواقع صناعة القرار بتمثيل ملحوظ للنساء، تمثيل لا يزيد في دلالته عن وجود لبعض ثمرات الطماطم على سطح القفص.

خسارة وآلم كبير أن تبقى أوضاع النساء على هذه الفجوة ما بين الشكل والمضمون، والمصاب الأفدح أن نشهد هذا التعثر في أحداث تغيير عميق ملحوظ عقب ما شهدنا طاقات النور متاحة في الزمن القريب، عندما استطاعت نساء هذا البلد يومًا ما في ماضيها أن تنظم مسيرات واضحة بمطالب واضحة من أجل المساواة بين الجنسين، حينها لم تكن مصر فقط بحاجة لتمثيل نسبي للنساء، وإنما كن يفرضن نفسهن شكلاً ومضمونًا، وعزائنا الوحيد أن من ذاق العسل يومًا لا ينسى حلو مزاقه.

نيفين عبيد: باحثة في قضايا التنمية والنوع الاجتماعي