خلال السنوات الأخيرة، شغلت موضوعات تمكين المرأة على المستوى الاقتصادي، حيزًا مهمًا على طاولة الاجتماعات الأممية. خاصة في ظل الأزمات العالمية المتعاقبة. وفضلاً عن ضرورة تحسين فرص المرأة في سبيل إرساء قيم المساواة بين الجنسين، يشير الواقع إلى أن هذا التمكين يلعب دورًا هامًا في النمو الاقتصادي العالمي.

المرأة تواجه وضعًا اقتصاديًا في شمال أفريقيا والشرق الأوسط

في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يشير تقرير نشرته مدونة البنك الدولي إلى أن النساء في المنطقة، يعانين أوضاعًا سيئة. حتى قبل انتشار جائحة كورونا. فمعدل مشاركة المرأة في القوى العاملة بالمنطقة هو الأدنى في العالم 22% عام 2020، مقابل 77% للرجال. فيما تزيد نسبة البطالة بينهن عن الرجال بكثير.

وكانت هيئة الأمم المتحدة للمرأة، كشفت أن منطقة الشرق الأوسط تحتل المرتبة الأخيرة في المؤشر العالمي للفجوة بين الجنسين لعام 2017. وعند المقارنة بعام 2006، لوحظ أن أعلى التحسّنات في المؤشر الفرعي للتحصيل التعليمي. بينما حظت المؤشرات الفرعية للمشاركة والفرص الاقتصادية والتمكين السياسي بأدنى التحسّنات. ويرجع تقرير البنك ذلك إلى عقبات تخص المنظومة القانونية في المنطقة. وهي تحول دون امتلاك المرأة الأصول أي رأس مال لازم لحمايتها اقتصاديًا. بينما يعتبر عملها في بعض القطاعات خطرًا عليها. بل أنها لا تستطيع أحيانًا السفر دون إذن من أحد الأقارب الذكور.

وبالرغم من استمرار ضعف الموقف الاقتصادي، إلا أن تقرير آخر للبنك عن المرأة وأنشطة الأعمال والقانون أظهر أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إحدى منطقتين اثنتين تتصدران قائمة التغييرات التشريعية والتنظيمية الرامية إلى تعزيز الفرص الاقتصادية للمرأة. وذلك وفق 17 تغييرًا في جميع أنحاء المنطقة. على سبيل المثال، تنفرد الإمارات العربية المتحدة بين بلدان المنطقة بمنح إجازات مدفوعة الأجر لرعاية الأسرة. كما ألغت المملكة العربية السعودية القيود على تولي المرأة أنواعًا معينة من الوظائف وعلى عملها ليلاً.

طبقًا للتقرير، فإن السنوات العشر الماضية، شهدت تسارعًا في وتيرة الإصلاحات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ومع كل هذا تظل المرأة تتمتع تقريبًا بنصف الحقوق القانونية الممنوحة للرجل في أغلب المنطقة. وبلغ تقدير مؤشر المرأة وأنشطة الأعمال والقانون لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا 51.5 مقابل المتوسط العالمي البالغ 76.1 من إجمالي 100 نقطة.

وعلاوة على هذا التفاوت، فاقمت الجائحة من الفجوات المجحفة في حق المرأة. ما يهدد صحتها وسلامتها ويتركها أقل أمنًا من الناحية الاقتصادية. ذلك فضلاً عن الفروق القانونية، تواجه المرأة قيودًا تؤثر على قراراتها، مثل التنقل، والحصول على التكنولوجيا والتمويل، ورعاية الطفل والمسنين.

ما الذي يمكن فعله؟

يذكر التقرير مجموعة من الإصلاحات والتدابير التي يمكن اللجوء إليها لفك القيود الاقتصادية على المرأة. ذلك بناءً على تقييم مدى تخلف البلدان عن الركب في هذا الصدد. ومنها تمرير البلدان مجموعة من تشريعات تخص: التأكيد على خلو القوانين من التمييز، مثل القوانين التي تحد من القطاعات التي يمكن للمرأة أن تعمل بها أو حتى من النوبات اليومية المسموح لها بالعمل فيها.

وكذلك توفير بيئات العمل والمجال العام المناسب للمرأة أسريًا. من خلال دعم إجازات رعاية الأسرة، والمرونة في مواعيد العمل، ووسائل المواصلات، ورعاية الطفل، وسياسات مكافحة التحرش الجنسي. إلى جانب زيادة حقوق المرأة لضمان حصولها على التمويل والضمانات العينية من خلال الملكية.

إجراءات البنك الدولي لإصلاح وضع المرأة في مصر

يكشف التقرير عن آليات دعم البنك لبلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. ذلك لتنفيذ مثل هذه الإصلاحات عبر تمويله مجموعة من المشروعات. ففي مصر عمل البنك على دعم مشروع توفير السكن للأسر محدودة الدخل. ذلك بتكلفة تصل إلى 500 مليون دولار. بهدف المساهمة في زيادة إدماج النساء. وهو مشروع 20% من المستفيدين منه من النساء.

بحسب دراسة التمكين الاقتصادي للمرأة عام 2019، فإن نسبة النساء اللائي يمتلكن حيازات في مصر، سواء بشكل منفرد أو مشترك، لا تتجاوز 5%، مقابل 95% من الرجال.

وبالإضافة إلى ذلك، عمل البنك في الأردن على دعم التشريعات الرامية إلى تشجيع وتنظيم العمل المرن عبر مجموعة من القروض. وكذلك يساند البرنامج جهود إزالة العقبات التنظيمية التي تعرقل مشاركة المرأة في القوى العاملة. وخاصة عقبات التنقل مثل ارتفاع أجور المواصلات، والمخاوف الأمنية، وعدم ملائمة البنية التحتية، التي تؤثر أكثر على النساء.

وبالرغم من هذه التغييرات التشريعية التي يمكن أن تحدث أثرًا كبيرًا في مساعدة النساء على المساهمة بشكل إيجابي في رفاه المجتمع. إلا أن التقرير اعتبرها غير كافية.

أهمية أجندة الرعاية

لفت التقرير إلى الحاجة لضمان التصدي لكافة القضايا التي تعوق حركة النساء. بما في ذلك الأعراف الاجتماعية مثل رعاية الطفل والمسنين والتحديات الأخرى مثل العنف ضد المرأة.

وشدد التقرير إلى أهمية أجندة الرعاية، التي كشفت عنها الجائحة. بعد أن أثبتت التجربة أن النساء هي أول من يخسر وظيفته لكي تمكث في المنزل وترعى والديها وأطفالها. وبالرغم من ذلك شهدت فترة الجائحة زيادة في حالات العنف ضد النساء في مختلف أنحاء المنطقة.

فعلى سبيل المثال، في لبنان تلقى الخط الساخن المحلي المخصص للإبلاغ عن العنف المنزلي بلاغات في الشهور الثلاثة الأولى من عام 2020 تزيد بمقدار الضعف عما تلقاه على مدار عام 2019 كله، ويمكن رصد تقارير مماثلة عن زيادة حالات العنف ضد المرأة والبلاغات في كل من الأردن وتونس.

ومع ذلك أشاد التقرير بإقرار البرلمان اللبناني قانون مناهضة التحرش الجنسي، ودعم البنك الدولي هذا الإصلاح من خلال صندوق المشرق للمساواة بين الجنسين.

ويؤكد التقرير إلى أن الجائحة فاقمت من التحديات التي تواجه المرأة. لكن لا ينبغي التواني عن سرعة التحرك، وتعزيز الفرص الاقتصادية أمام النساء، إذ لا يستطيع بلد أن ينمو إذا لم يشارك 50% من سكانه بشكل كامل في الاقتصاد.