جددت واقعة متحرش المعادي الحديث حول الكاميرا، كاشفًا أول للجرائم التي شهدها الشارع المصري -وربما كان يشهدها منذ زمن- لكن اللقطات المصورة فضحتها وكشفت الستار عن مدى بشاعتها. فالكاميرا البطل الأول والسطر التمهيدي في وجه مثل هذه الانتهاكات.
متحرش المعادي الذي أسقطته الكاميرا
في الساعات الأخيرة الماضية، انتشر مقطع فيديو عبر مواقع التواصل في مصر. رصد واقعة تحرش بطفلة على يد أحد الأشخاص داخل أحد العقارات بمنطقة المعادي جنوب القاهرة.
تم تصوير الواقعة بكاميرات المراقبة في العقار. حيث ظهر المتحرش وهو يستدرج الطفلة الصغيرة. ثم بدأ بملامسة أجزاء من جسدها. ذلك قبل أن تقتحم المشهد شابة شاهدت الواقعة على كاميرات المراقبة على ما يبدو. وقد واجهت الشابة المتحرش وعنفته. وفي حين أنكر القيام بالجريمة، دلته على كاميرات المراقبة التي صورته ليفاجأ بالأمر. قبل أن يفر هاربًا من المكان.
في أعقاب ذلك ومع انتشار مقطع الفيديو، أعلن المجلس القومي للطفولة والأمومة، اتخاذ كافة الإجراءات القانونية حيال الواقعة. وأن نيابة حوادث جنوب القاهرة تباشر تحقيقاتها في هذا الأمر. ذلك قبل أن يعلن إلقاء القبض على مرتكب الواقعة، الذي ألقي القبض عليه في وقت لاحق مساء أمس.
الكاميرا إلزامية وفق قانون المحال العامة
في أكتوبر من العام 2019، صدّق الرئيس عبدالفتاح السيسي على القانون رقم 154 لسنة 2019 الخاص بالمحال العامة. وهو القانون الذي نصت المادة 23 منه على إلزام المحلات بتركيب كاميرات مراقبة داخلية وخارجية. مع وضع لجنة خاصة تحدد الأنشطة والاشتراطات الواجب توافرها لتركيب الكاميرات. فضلاً عن تحديد الأماكن والأنشطة التي يحظر فيها تركيب هذه الكاميرات. وذلك شرطًا أساسيًا للحصول على ترخيص مزاولة العمل.
الاستدلال بالكاميرا لا يتعدى كونه قرينة
حول قانونية الاستدلال بالكاميرات في جرائم التحرش وهتك العرض، يشير المحامي الحقوقي محسن بهنسي، إلى أن فيديوهات كاميرات المراقبة لا ترقى لأن تكون دليلاً ماديًا في غياب شروط بعينها.
ويوضح بهنسي أن الاستعانة بتلك الفيديوهات يعد قرينة تعضدها أو تنفيها تحريات المباحث. فضلاً عن شهادة الشهود حول الواقعة، وإلا لا يتم الاعتداد بها، مشيدًا بدور مواقع التواصل ولعبها دور رئيس في الكشف عن مثل هذه الجرائم. وكذلك الضغط في اتجاه محاسبة المتسبب فيها.
الكاميرا وحق الخصوصية
بينما اللجوء لنظم كاميرات المراقبة يعد أمرًا حتميًا لكشف وردع التجاوزات والجرائم وحماية المنشآت والمواطنين. وينظر إلى وجودها بالشوارع والطرقات على أمر لا ينتهك حريات المواطنين، يبقى السؤال حول شروطها وضوابطها لعدم اختراق حق المواطنين في الخصوصية. فالحق فى الخصوصية وحرمة الحياة الشخصية أحد أهم الحقوق الإنسانية التي تحميها المواثيق والاتفاقات الدولية، وجميع دساتير العالم، ومنها الدستور المصري.
وقد نصت المادة 57 من الدستور المصري على “للحياة الخاصة حرمة، وهي مصونة لا تمس. وللمراسلات البريدية، والبرقية، والإلكترونية، والمحادثات الهاتفية، وغيرها من وسائل الاتصال حرمة، وسريتها مكفولة، ولا تجوز مصادرتها، أو الاطلاع عليها، أو رقابتها إلا بأمر قضائي مسبب، ولمدة محددة وفي الأحوال التي يبينها القانون”. كما نصت المادة 58 على “للمنازل حرمة، وفيما عدا حالات الخطر، أو الاستغاثة، لا يجوز دخولها ولا تفتيشها ولا مراقبتها أو التنصت عليها إلا بأمر قضائي مسبب، يحدد المكان والتوقيت والغرض منه، وذلك كله فى الأحوال المبينة فى القانون، وبالكيفية التي ينص عليها، ويجب تنبيه من فى المنازل عند دخولها أو تفتيشها، وإطلاعهم على الأمر الصادر فى هذا الشأن”، كما نصت المادة رقم 59 على أن: “الحياة الآمنة حق لكل إنسان، وتلتزم الدولة بتوفير الأمن والطمأنينة لمواطنيها ولكل مقيم على أرضها”.
في العام 2017، تقدمت النائبة أنيسة حسونة، عضو مجلس النواب، بمشروع قانون لـ”كاميرات المراقبة الأمنية”. وقد تضمن مشروع القانون عقوبات لعدم تركيب الكاميرات، وإساءة استخدامها سجن وغرامات. بينما أشار إلى أهمية وضع لافتات توضح أن المحل مراقب.
مشروع القانون -حينها- نص على إلزام أصحاب المنشآت بالاحتفاظ بتسجيلات الكاميرات وأجهزة المراقبة الأمنية لمدة 3 سنوات على الأقل. وعدم إجراء أي تعديلات عليها. كما يجب إتلاف التسجيلات مباشرةً بعد انتهاء تلك المدة. وحظر تسليم أو نقل أو تخزين أو إرسال أو نشر أي من التسجيلات المشار إليها، إلا بموافقة. كتابيةٍ من جهة التحقيق المختصة أو المحكمة المختصة.
وحظر القانون تركيب كاميرات وأجهزة المراقبة الأمنية في الأماكن المعدة للسكنى أو للنوم أو غرف العلاج أو غرف تبديل ملابس ودورات المياه أو أي مواقع يتعارض وضع الكاميرات فيها مع الخصوصية الشخصية. وقد رفضت الحكومة هذا المشروع وتقدمت بآخر أقر في 2019، وفق ما صرحت به النائبة سابقًا في أحد البرامج التلفزيونية.
وقائع سبقت “متحرش المعادي”
في عام 2015 تعرضت سمية طارق الفتاة التي عُرفت إعلاميًا بـ “فتاة المول” لواقعة اعتداء على يد شاب داخل أحد المولات الشهيرة بمنطقة مصر الجديدة. وقد ألقي القبض على الشاب المعتدي بعد تحديد هويته من خلال كاميرات المراقبة. وبعيدًا عن تطورات القضية فقد ساهمت كاميرات المراقبة إلى جانب التحقيقات في كشف أن المتهم كان يتعقب الفتاة الضحية وخطط للاعتداء عليها بآلة حادة انتقامًا منها.
في حادث مقتل مريم الفتاة العشرينية، المعروفة بـ”فتاة المعادي”، كانت الكاميرا البطل الأول في الحكاية في كشف تفاصيل الحادث بإظهارها كيف تعقب الجناة الضحية حتى لقت حتفها دهسًا أسفل عجلات سيارة نقل جماعي “ميكروباص”. ذلك بعد محاولة سرقتها بالقوة في حي المعادي جنوب العاصمة القاهرة.
وفرت كاميرا الموبايل وازدياد استعمالها مع تطور الهواتف تكنولوجيا نوعًا من حماية الأفراد لأنفسهم. وهو ما أظهرته عدة حوادث لولا الكاميرا لما وثقت. ومنها الحادثة الشهيرة بمحافظة الشرقية. حينما تعرضت طالبة تبلغ من العمر 19 عامًا للتحرش على يد أحد الأطباء أثناء استقلال الميكروباص.
أيضًا كان لفيديو مدته دقيقة و14 ثانية سجلته كاميرا مثبتة على واجهة فيلا في حي الياسمين بالتجمع الأول دور كبير في كشف مشاهد كارثية لاعتداء جنسي وحشي على طفل داخل سيارة من قبل رجل خمسيني.
وقد اعتمدت النيابة العامة على هذا الفيديو في تحقيقاتها. وقررت حبس المتهم لمدة 4 أيام على بتهمة هتك عرض الطفل المجني عليه. ذلك بعد أن تعاملت وحدة الرصد والتحليل بإدارة البيان بمكتب النائب العام مع المقطع المتداول.
بشكل آخر ساهمت كاميرا الموبايل في كشف جريمة اغتصاب مُدبرة وقعت قبل أعوام. ذلك في أكثر الوقائع إثارة للرأي العام مؤخرًا، فيما عُرف بقضية “فتاة الفيرمونت”. وهي القضية التي مع تطوراتها ناشدت النيابة العامة كل من يملك مقطعًا مصورًا يوثق الحادثة التي وقعت في العام 2014 إرساله. ملزمة نفسها بضمان سرية مقدمي الأدلة وحمايتهم.
كل هذه الوقائع السابقة التي كان آخرها “متحرش المعادي” وغيرها كثير كان للكاميرا دورًا هامًا في كشفها وإظهار ما تعرض له ضحاياها من فظائع. خاصة الأطفال منهم، الذين سجل المجلس القومي للأمومة والطفولة بشأنهم عدد 11671 بلاغًا بتعريض حياتهم للخطر أو إساءة معاملتهم. وذلك خلال عام 2020 فقط. بينما ما لم تكشفه الكاميرات بعد يبدو كثير.