يعتبر خليج غينيا اليوم أخطر بحر في العالم بسبب انتشار أعمال القرصنة؛ لاسيما بعد قُتل أحد أفراد طاقم بحري واحتُجاز 15 آخرين كرهائن بعد صراع على متن السفينة التي كانت تحمل العلم الليبيري متجهة من مدينة لاغوس النيجيرية إلى كيب تاون بجنوب أفريقيا. في وقت الذي تشير فيه تقارير إلى اختطاف ما يقرب من 130 بحارا خلال العام الماضي.

كانت سفينة الحاويات موزارت على بعد أكثر من 200 ميل بحري (370 كيلومترا / 230 ميلا) قبالة الساحل النيجيري هذا العام عندما ظهر القراصنة من العدم. حظي الحادث بتغطية إعلامية ونشرت تقارير عن مشاهد درامية على متن السفينة عندما كان طاقم السفينة مختبئًا في غرفة آمنة خوفًا على حياتهم، حتى بدأ القراصنة بهدوء في الوصول اليهم. استغرق الأمر ست ساعات ليفتحوا باب ما يسمى بالقلعة. وفي النهاية قتل أحد أفراد الطاقم واختطف 15 آخرون. أعلن عن إطلاق سراح البحارة، لكن لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت الفدية قد دفعت مقابل إطلاق سراحهم بالرغم من أنه الاحتمال الأقوى.

وبينما تشهد الحالة الأمنية تحسنا على طول القرن الأفريقي واختفت تقريبا عمليات القرصنة؛ تبدو الحياة في السواحل الغربية أكثر خطورة وتتزايد بها عمليات القرصنة على الرغم من زيادة التعاون الأقاليمي، إذ لا يزال هناك الكثير الذي يجب القيام به.

زايدت هجمات القراصنة على السفن في السنوات الأخيرة بدءا من الرأس الأخضر إلى الساحل الأنجولي، حيث توسعت أنشطة القراصنة في هذه المنطقة البحرية الشاسعة – الذين تمركزوا في البداية حول دلتا النيجر – لدرجة أنهم انتشروا وغطوا جميع السواحل النيجيرية، وانتقلوا لبنين وتوجو منذ أن أصدرت أبوجا قرارات العفو في عام 2009 عن بعض المتروطين في أعمال التهريب والقرصنة.

وفقا لتقرير أفريقيا ريبورت؛ تم تسجيل ما لا يقل عن 22 حالة قرصنة في بنين عام 2011، مما أثر على حركة المرور في ميناء كوتونو، والتي انخفضت بنسبة 60٪. من هنا انتبهت الدول الأفريقية نتيجة للتأثير الاقتصادي الكبير للجريمة البحرية – التي تشمل الصيد غير المشروع وتهريب المخدرات والأسلحة – على سواحل غرب أفريقيا مما تطلب استجابة إقليمية.

النفط 

جاء النفط كسبب أولي لانتشار معدلات الجريمة البحرية؛ غالبا ما تمتعت هذه المنطقة بالثروات الاقتصادية العديدة كونها مصدر رئيسيا للنفط والكاكاو والمعادن ومختلف الموارد الطبيعية الأخرى للأسواق العالمية، حيث يُنظر إلى خليج غينيا بشكل متزايد على أنه نقطة استراتيجية رئيسية ومصدر ثروة للجهات الفاعلة الإقليمية والأفريقية بشكل عام. وهذا كان سببا لاستقدام كوارث عديدة للمنطقة فيما يعرف عالميا بمتلازمة المرض الهولندي؛ حيث تؤتي الثروات الاقتصادية بنتائج سلبية على مجتمعاتها كان أولها الاستعمار لكنه لم يكن آخرها.

ونتيجة لغنى الإقليم بالنفط الخام والغاز الطبيعي المستخرج من البحر؛ من هنا تحول الإقليم لمركز رئيسي لسرقة وبيع وتوزيع النفط الخام، وغسيل الأموال، وتهريب الأسلحة والمخدرات، والإتجار وتهريب البشر، والجرائم البيئية، والقرصنة والسطو المسلح في البحر، وإلقاء النفايات السامة، والإرهاب البحري.

وانتشرت جريمة السرقة والاتجار في النفط المسروق من دلتا النيجر في نيجيريا  وهو ما ظهر في حجم الخسائر التي تكبدتها نيجيريا والتي وصلت لـ 9 مليار يورو في 2017-2018 عبر التهريب غير المشروع إلى موانئ الكاميرون. نيجيريا هي الأعلى في إنتاج النفط في أفريقيا، حيث تبلغ طاقتها الإنتاجية القصوى 2.5 مليون برميل يوميًا. بينما إنتاج الكاميرون من النفط الخام حوالي 81000 برميل يوميًا، مما يجعلها ثاني أكبر منتج للنفط في أفريقيا.

القرصنة بهدف الفدية

أدى تدهور أسعار النفط إلى بطء البيع مما أثار مخاطر القرصنة في خليج غينيا، وهو بالفعل أخطر مكان على كوكب الأرض فيما يخص عمليات الاختطاف البحرية. لذا انتقل القراصنة من الاستيلاء على الشحنات وسرقتها، إلى الاستيلاء على الناقلات نفسها لاستخدامها كحاويات تخزين خارجية للنفط غير المباع هذا من جهة. ومن جهة أخرى أسر الأطقم العاملة على الناقلات الذي أصبح هدفا في حد ذاته، حسبما كتب ألكسندر راي ميكرز، كبير محللي إفريقيا في شركة Verisk Maplecroft في بحث نُشر هذا الشهر.

فالأطقم وليس النفط أصبحت هي الهدف الاساسي بعدما انهارت أسعار النفط عام 2015 وهو ما يظهر عبر زيادة عمليات اختطاف الأطقم.

ويتوقع ميكرز مزيدا من الانتشار لهذا النمط الآن بعد أن انخفض أسعار النفط الخام أكثر وأكثر. كما ذكر أن أهم الشركات العاملة في المنطقة المتضررة بسبب تعطل سلاسل التوريد الخاصة بها تشمل شل وإكسون موبيل وتوتال وشيفرون وإيني.

وبما أن القراصنة في المنطقة لا يملكون موانئ أو مناطق ساحلية مؤمنة للسفن المختطفة مما يحد من قدرتهم على الاحتفاظ بالسفينة أو محتوياتها. لذا فطلب الفدية هي أسرع وأسهل طريقة لتحقيق الربح، وهو ما كان سببا في ارتفاع عدد الأطقم البحرية المختطفة في خليج غينيا بأكثر من 50٪ من عام 2019 إلى عام 2020. ومن ثم فقد رأى ميكرز أن اختطاف سبعة من أفراد الطاقم من شركة MSC Talia F قبالة ساحل الجابون في أول مارس هذا العام يظهر أن المشكلة إقليمية وليست نيجيرية بحتة.

وقال الباحث إنه من المتوقع حدوث زيادة في عمليات الاختطاف في 2020-2021 في المياه حول توجو وبنين والكاميرون والجابون وغينيا الاستوائية وبدرجة أقل غانا.

ففي بنين وحدها وهي من الدول الصغرى مساحة، أكد المكتب البحري الدولي (IMB) وقوع 11 هجومًا على السفن في عام 2020 مقارنة بثلاثة في عام 2019. وفي نيجيريا أحصى المكتب البحري الدولي 34 حادثًا العام الماضي بما في ذلك اختطاف 44 من أفراد الطاقم.

أصبح القراصنة أيضًا نشطين على طول الساحل الكاميروني، حيث تم اختطاف 31 من أفراد الطاقم في عام 2020.

وفي أحدث تقرير له عن القرصنة، نصحت IMB قادة السفن بالبقاء بعيدًا عن الشاطئ الكاميروني قدر الإمكان، على بعد أكثر من 250 ميلًا بحريًا واختيار الطريق الأكثر ازدحامًا وأمانًا للعودة إلى الميناء.

تعاون أفريقي- عالمي

وكرد فعل وقعت نيجيريا – التي تمتلك قوة بحرية قوية – مذكرة مع جيرانها الناطقين بالفرنسية، بنين وتوجو، لبدء أول دوريات مشتركة حيث تعهدت الدول الثلاث بتجميع مواردها وتبادل المعلومات.

وفي وسط أفريقيا، تم إجراء نفس النوع من التعاون بين الكاميرون وغينيا الاستوائية وجمهورية الكونجو الديمقراطية. وتم دعم المراكز الإقليمية لمكافحة القرصنة من قبل شركاء دوليين من بينهم فرنسا والولايات المتحدة وإسبانيا والدنمارك. حيث تجري القوات البحرية الأمريكية والفرنسية تدريبات منتظمة مع قوات الأمن في 19 دولة في المنطقة. كما وضعت استراتيجية أفريقية بحرية متكاملة 2050 بدعم ورعاية الاتحاد الافريقي. 

ومع ذلك، لا تزال هجمات القراصنة متكررة، إذ تدهور الوضع من سيئ لأسوأ منذ عام 2018 وحتى الآن.