حمل فيديو واقعة اعتداء شاب على طفلة، والذي عرف بواقعة “متحرش المعادي” الكثير من الألم غير المباشر لمن شاهده. وربما أيقظ ذكريات دفنت بفعل الخوف من ذكرى التحرش. لكنها باقية كشف عنها الستار عند مشاهدة آلام الآخرين.

آلاف الفتيات مررن بتجارب مشابهة لواقعة الطفلة من جناة مختلفين، أقارب وغرباء. حفرت في ذاكرتهن آلامًا متشابهة ربما تكون واحدة وبنفس التأثير. فهن لم يتكلمن من حينها ولم يذكرن ما مرون به.

بعد 25 عامًا، عادت سارة لتبوح بما دفنته داخلها: “في عمر الـ4 سنوات تقريبًا وقبل دخول المدرسة. كانت والدتي تتركني مع خالتي باعتبار أنه مكان آمن. لكني كنت أتعرض للتحرش من زوجها الذي كان لا يكتفي بالتحرش فقط. ولكنه كان يلامس جسدي ومواضع العفة. في مشهد أقرب بالزواج”.

التحرش بالأطفال

تشير دراسة عن تحرش الأطفال في مصر، إلى أن نسبة 35% من الحوادث يكون الجاني فيها على صلة قرابة بالضحية. كذلك تؤكد “سارة” التي لم تدر ماذا يفعل هذا الشخص بها؟ وأن ما كانت تمر به هو ممارسة للجنس. “كانت حاجة مش مريحة كنت بعيط جدًا”. وبعد فترة وجدت سارة نفسها لا ترغب في الذهاب إلى خالتها خشية الوقوع في تكرار الأمر الذي لم تشعر معه بالراحة.

وفي دراسة أجرتها الدكتورة فضيلة محروس أستاذ طب الأطفال عام 2001 تبين أن 90% من الاعتداءات الجسدية و82% من الاعتداءات جنسية، حصلت في أماكن يفترض أن تكون آمنة للطفل. وحصلت من أناس يثق فيهم الطفل. كذلك بينت الدراسة أن 77% من المعتدين أشخاص يفترض أن يكونوا في موضع الثقة من الطفل.

الاعتقاد بفقد غشاء البكارة

بداية من عمر الـ4 سنوات، حفر الزمن في ذاكرة سارة واقعة أليمة، جعلتها تظن عند الكبر بأنها فقدت غشاء بكارتها. نظرًا لتكرار الأمر لعدة سنوات، بسبب أنها لم تستطع البوح إلى الأهل حينها، ولم تجد سوى تبادل الأسرار مع بنات الخالة والتي اكتشفت أنه أيضًا تم التحرش بها. وهو الأمر الذي جعلها ترفض الموافقة على الارتباط لفترة من الزمن.

أحيا فيديو طفلة المعادي شعور اضطراب ما بعد الصدمة لـ”سارة” التي اكتشفت أنها لم تنس ماجرى لها. قبل أن تقرر أن تخبر والدتها بعد 25 عامًا: “قررت أقول لماما، انهارت. لماذا لم تكن تعرف ما جرى وبإنها لم تستطع حمياتي”. لتكتشف بعد إخبارها أن زوج شقيقة والدتها كان سبق له التحرش بفتاة في المنطقة التي كان يسكن بها. لكن أهل الفتاة اهتموا بالحادث وقرروا طرد الأسرة من المنطقة.

تحرش مستتر

وفي عمر الـ8 سنوات تعرضت سمر، لواقعة تحرش من جارها والذي كان يمتلك لمكتبة في المنطقة التي كانت تسكن فيها. لتروي: “كنا دائمًا نلعب في الشارع حتى قام بمناداتي لداخل المكتبة. وأخبرني بأنه أحضر كراسة للرسم والتلوين. كان يجلس على مقعد وجعلني أمامه في محاولة منه للتمكن من إلصاق جسده بظهري ليلامس أعضائه بشكل مستتر. وكأنه يساعدني في الرسم”.

كما رصدت الدراسة، التي أعدتها الدكتورة فاتن عبدالرحمن الطنباري، أستاذة الإعلام المساعد في معهد الدراسات العليا للطفولة. أن الاعتداء الجنسي على الأطفال مثل فيه الجاني نسبة 65% من الحالات لا توجد بينهما صلة قرابة.

وفي محاولة لفرض ذلك الغريب الإحكام على جسد سمر لم تشعر بالراحة حتى قررت التملص منه. “جريت من المكتبة وأنا أشعر بالخوف وعدم الراحة. ولا أدري ماذا حدث سوى أني لا أريد الذهاب لذلك المكان مرة أخرى. كما أني لم استطع التعامل مع ذلك الشخص مرة أخرى. لكن عندما أراه أشعر بالمرارة، وأريد دائمًا إخبار زوجته بأن زوجها تحرش بي”.

سيطر عليا بسذاجة طفلة إني ممكن أبقى حامل

لم تكن تلك الواقعة الأولى لسمر، ولكنها مرت بتجربة أخرى في العاشرة من العمر في المواصلات العامة. تروي: “أول مرة في حياتي أحكي عن الموقف ده. وكل مرة بفتكره باسترجع إحساسي وقتها واكتشف طاقة عداء لأي فرد يقول فقط كلمة في الشارع. وطوال الوقت في الشارع أو المواصلات وخصوصًا المترو لو مش سيدات بكون متأهبة جدًا. وعيني على حركة ومشية وإيد وملامح وجه من يمر بجانبي”.

“كنت طفلة في 3/4 ابتدائي تقريبًا، راجعة من مشوار مع أهلي في المترو. وقفنا إحنا العيال في الركن جنب الباب. وسندت على ضهر كرسي المترو، على اعتبار إن ذلك مكان أمان إلى حد ما. فكنت واقفة ضهري للناس، بس ماما وبابا جنبنا وعينيا عليهم وعينهم علينا. أنا مش فاكرة أي حاجة غير إني حسيت في حد بيلزق فيا من ورا، أنا كنت فاكرة إن ده من الزحمة عادي وأنا عيلة مش فاهمة حاجة”.

“ذكري غير مريحة”

شيئًا فشيئًا وجدت سمر نفسها في وضع غير مريح ومن شدة الخوف لم تستطع التحرك: “كان في حركة مريبة. وحد تقريبًا نصه التحتاني بيقربه من جسمي جدًا. وحسيت بحاجة مكلكعة وطبعًا وقتها مكنتش أعرف أيه ده. اللزقة الغريبة فيا خلتني حسيت بخوف وعدم أمان أنا مش فاهماه بس حساه جدًا. لدرجة أني فضلت أتحرك عشان أحاول أعمل مسافة لأني واقفة مش مرتاحة. في مشاعر خوف سيطرت عليا وقتها أنا مش قادرة أنساها لحد إنهاردة”.

كذلك قالت: “كل تفكيري وقتها إن في حاجة وحشة الراجل ده بيعملهالي. وأنا مش عارفة أتحرك ولا أقول لبابا وماما أيه. وكل اللي سيطر عليا بسذاجة طفلة إني ممكن أبقى حامل وابني ميعرفش مين أبوه. طب هقولهم أيه؟ طب هيصدقوني إن ده حصل في المترو”.

ظلت سمر في حالة خوف فترة من الوقت مع رفض التعامل مع آخرين: ” كنت خايفة أحكيلهم في البيت يلاقوني حامل ويجوزوني. الراجل اللي محدش يعرفه ده بالعافية. وكنت رايحة أحكي للميس بتاعتي اللي بحبها خوفت وتراجعت برده لتقولهم في البيت ويجوزوني البني آدم المقرف ده. فضلت كذا شهر بعدها أفتكر الموقف وأبص على بطني وأتأكد إنها مبتكبرش”.

غضب عارم انتاب سمر، بعد فيديو المعادي، وللتفاصيل التي مرت بها في مرحلة الطفولة: “حين رأيت الرجل. يجذب الطفلة إلى الحائط، تذكرت المواقف التي مررت بها. وعدم علمي بما حدث لي بإنه تحرش، سوى إنه كان غير مريح. ولكن الجيد الآن هو وجود الكاميرات التي رصدت الواقعة. والتي ستساعد على رجوع حق الطفلة على عكس ما حدث لنا”.

حريتي اتسلبت مني في البعد والرفض والمقاومة

“اتسلبت مني طفولتي، من الوقت ده لم أكن مثل أي طفلة عادية لا بقيت طفلة كبيرة شايلة حمل أكبر من سنها”. بهذه الكلمات بدأت أميرة في طرح قصتها التي ترويها لأول مرة، بعد 20 عامًا من حملها داخل نفسها.

لوقع مرارة القصة على نفس أميرة والتي منعتها من سرد الأحداث بالتفصيل. إلا أنها لا تنس ما مرت به والذي فسرته لها الطبيبة النفسية منذ عامين. بأن ما مرت هو “اغتصاب شرجي”.

وتحكي عن الواقعة التي بدأت بعد عودتها من اليوم الدراسي: “الموضوع ابتدا لما رجعت من المدرسة كان عندي 6 سنين. ولما رجعت البيت ملقتش حد ولكن رحت عند ناس قرايبنا ومن هناك بدأت القصة”.

ذكريات آليمة عاشتها أميرة طيلة 20 عامًا لكنها لا تغفل تأثيرها النفسي: “مامررت به أثر بشكل كبير في حياتي. طفلة في أولى ابتدائي تصاب بقولون عصبي، بالإضافة إلى قلة التركيز وهو ما أثر بالتبعية على مستوايا الدراسي. وهو ما جعل المدرسين يقومون بضربي كثيرًا”.

تذكر أميرة أنها تلقت كالعديد من الأطفال تعليمات مباشرة بعدم السماح لأي فرد من الاقتراب منها أو ملامسة جسدها. لكنها تظل تفكر فيما سيفعل الطفل المسلوب الإرادة حين التعرض لموقف مع شخص أقوى. وقياسًا على نفسها تقول: “حريتي اتسلبت مني في البعد والرفض والمقاومة. نظرًا لأن الذي أمامك يفوقك قدرة جسدية. بالإضافة إلى الألم الجسدي والنفسي المسيطر على الطفل الذي يكون مدرك بأن ذلك لا يفترض أن يحدث ولكن لا يعلم كيف يمنعه”.