خطوة جديدة قربت مصر من هدفها أكثر بأن تصبح مركزًا إقليميًا للطاقة. ذلك بعد أن أعلنت عودة محطة إسالة الغاز بدمياط للعمل. وهو المشروع الذي يدعم توجه الدولة لاستئناف التصدير الخارجي، ويساعدها في تغيير خريطة مراكز القوى بالشرق الأوسط لصالحها. بينما يطرح استفسارات عدة حول سبب توقف المصنع لقرابة 8 سنوات.

لماذا توقفت محطة إسالة دمياط؟

مع بداية الألفية الحالية، كانت شركة يونيون فينوسا -المملوكة لشركة إيني الإيطالية وشركة ناتورجي الإسبانية- تدير مصنع تسييل الغاز الطبيعي في دمياط. لكن في عام 2012 أوقفت مصر تدفق الغاز للمصنع، وحولت الإنتاج للسوق المحلي. نظرًا لنقص الإمدادات وقتها.

يقول المهندس عمرو مصطفى، نائب رئيس هيئة البترول سابقًا، إن النقص الحاد في الغاز الطبيعي داخل السوق المصرية في 2012 كان الدافع الرئيس لإيقاف شحنات الغاز الموجهة إلى محطة دمياط. إذ كان الهدف في 2012 تلبية احتياجات الدولة من الغاز. بينما لم تكن الدولة مستعدة لاستيراد مزيدًا من شحنات الغاز من الخارج. وبالتالي لم يكن أمام القطاع سوى إيقاف ضخ الغاز لمحطات الإسالة، لحين تحقيق الاكتفاء الذاتي ووجود فائض في الإنتاج يسمح بالتصدير.

التحكيم الدولي ومفاوضات إعادة التشغيل لتجنب غرامة الـ 2 مليار

بعد توقف مصنع دمياط، لجأت “فينوسا” للتحكيم الدولي ضد قرار مصر. وصدر بالفعل قرارًا لصالحها بتغريم مصر 2.013 مليار دولار في سبتمبر 2018.

مصادر مطلعة بوزارة البترول، أكدت لـ “مصر 360″، أن مصر -حينها- دخلت في مفاوضات مع شركة فينوسا لحل هذه الأزمة وإلغاء الغرامة. وفي فبراير 2019 توصلت بالفعل لاتفاق تسوية مع الشركة. لكن هذا الاتفاق لم يُكتب له النجاح.

عادت المفاوضات مرة ثانية حتى أبرمت شركة إيني الإيطالية في ديسمبر الماضي اتفاقًا مع ناتوريجي الإسبانية للتخارج من يونيون فينوسا. ذلك مقابل 600 مليون دولار ومعظم أصول فينوسا خارج مصر، كما تشير المصادر.

وفقًا لهذا الاتفاق، أصبح المصنع مملوكًا بنسبة 50% لإيني و40% للشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية “إيجاس” و10% للهيئة العامة للبترول. وهو ما مهد لإعادة تشغيل المصنع بعد إغلاقه منذ نحو 8 سنوات. الأمر الذي تسعى له الإدارة المصرية الحالية في إطار خططها للاستفادة من المخزون الكبير من الغاز المكتشف والاستيراد لتسييله عبر مصنعيها في دمياط وإدكو. ثم إعادة التصدير لأوروبا.

محطة دمياط إسالة ليست الوحيدة

تضم مصر مصنعين لإسالة الغاز الطبيعي؛ الأول في مدينة إدكو بمحافظة البحيرة. وقد تم افتتاحه في أبريل عام 2006. وهو مملوك للشركة المصرية للغاز الطبيعي المسال. ويضم وحدتين للإسالة. وتساهم فيه الهيئة المصرية العامة للبترول بنحو 12%، والشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية “إيجاس” بنسبة 12 %، وشركة “شل” بـنسبة تصل إلى حوالي 35.5 %، وشركة بتروناس الماليزية بنسبة تصل إلى حوالي 35.5% أيضًا. فيما لا تتجاوز نسبة شركة جاز دي فرانس الفرنسية “إنجى” حاليًا حوالي الـ 5 %.

وتعمل هذه المحطة بطاقة استيعابية تصل لـ 1.35 مليار قدم مكعب يوميًا من الغاز الطبيعي، و4.1 مليون طن سنويًا من الغاز. ويشتمل المصنع على ميناء لتصدير الغاز المسال لاستقبال ناقلات بسعة 165 ألف متر مكعب. كما يضم المصنع 2 مستودع لتخزين الغاز المسال بطاقة تخزينية تصل إلى 140 ألف متر مكعب لكل مستودع.

المصنع الثاني يقع في سواحل مدينة دمياط، وقد تم تأسيسه عام 2000، وبدأ العمل به في سبتمبر 2003، واستخرجت أول شحنة منه في 20 يناير 2005.

ويضم هذا المصنع وحدة إسالة، وتديره شركة “يونيون فينوسا” الإسبانية بالشراكة من إينى الإيطالية. فيما تصل حصة مصر إلى نحو 20% مقسمة بين الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية إيجاس التي تملك نسبة تقدر بـ 10%، والهيئة المصرية العامة للبترول التي تملك هي الأخرى نحو 10%. وتعمل المحطة بطاقة استيعابية تصل لنحو 750 مليون قدم مكعب يوميًا من الغاز الطبيعي.

كيف تصنع محطة إسالة دمياط الفارق لمصر؟

يقول الرئيس السابق لشركة ميدور للتكرير المهندس مدحت يوسف، لـ “مصر 360″، إن محطتي الإسالة بإدكو ودمياط على الساحل المصري نجحتا في جذب أنظار دول عدة بحوض شرق المتوسط إلى أهميتهما. خاصة مع تعذر مد خط أنابيب بحري بين قبرص أو إسرائيل إلى أوروبا، بسبب طول الوقت المستغرق لتنفيذه. بالإضافة إلى التكلفة العالية.

يضيف يوسف أن وزارة البترول تمكنت من تسويق المحطتين لجيران مصر الراغبين في إسالة غازهم وبيعه. مشيرًا إلى ارتباط القاهرة باتفاق حكومي مع قبرص لنقل الغاز من حقل أفردويت القبرصي إلى المحطات المصرية. ما يدعم جهود الحكومة المصرية في تحقيق عائد دولاري جيد للموزانة العامة للدولة ويصنع الفارق لمصر خلال السنوات المقبلة.

مصادر بالشركة القابضة للغاز الطبيعي “إيجاس” صرحت، لـ “مصر 360″، بأن محطات الإسالة تزيد من ثقل مصر كلاعب رئيسي في صناعة الغاز بالمنطقة. التي تفتقد إلى محطات مشابهة لتلك التي تملكها مصر، التي نجحت قبل حوالي عقدين في إنشاء مصنعين كاملين بإدكو ودمياط باستثمارات أقل بكثير من تكلفة الإنشاء الحالي.

في مقابلة مع شركة الاستشارات “جلف إنتليجنس”، قال وزير البترول المهندس طارق الملا، إن مصنع دمياط للغاز الطبيعي المسال لديه قدرة معالجة لنحو 4.5 مليون طن من الغاز المسال سنويًا. ما يرفع قدرة الدولة إلى 12.5 مليون طن.

طارق الملا أشار -حينها- إلى أن عودة محطة دمياط -ومصنع إدكو أيضًا- تمثل دافعًا لقطاع الغاز الطبيعي المسال في مصر.

من 1% إلى إحدى أكبر 10 مصدرين للغاز

مثلت مساهمة مصر في سوق الغاز الطبيعي فقط حوالي 1% من الإمدادات العالمية في عام 2019. لكنها بالخطة الجديدة ستصبح واحدة من أكبر 10 مصدرين، إذا وصلت محطتي الإسالة إلى طاقتهما الكاملة.

محطات إسالة الغاز الطبيعي تحول الغاز من حالته الغازية إلى السائلة، حتى يمكن تحميله على سفن وتصديره، ما يزيد من جدواه الاقتصادية وتحقيق عائد دولاري جيد للدولة، يُعوض مليارات الدولارات التي أنفقت خلال السنوات الماضية على استيراد الغاز من الخارج، وفق ما أوضح المهندس عبدالله غراب وزير البترول الأسبق لـ “مصر 360”.

أشار غراب إلى أن مصر تسعى لاستخدام موقعها المقابل لأوروبا لتصبح موردًا رئيسيًا للغاز إلى القارة الراغبة في التخلي عن الوقود الإحفوري. وأن هذه المساعي المصرية تُعجل بخُطى الحكومة لإنهاء عقود التشغيل وتنفيذ المشروعات الداعمة لاستغلال الثروات الغازية والنفطية.

وفق وزير البترول الأسبق المهندس أسامة كمال، فإن أوروبا تستهلك أكثر من 600 مليار متر مكعب سنويًا من الغاز. بينما ثلث هذا الاستهلاك تستورده من روسيا. وبالتالي فإن ثلثي الاستخدام الأوروبي متاح لمصدرين آخرين من كل دول العالم. ومن ثم فإن وجود منفذ قريب من الدول الأوروبية مثل وحدات الإسالة المصرية يمكن القاهرة من تأمين هذه الاحتياجات، ويجعل لمصر دور محوري ويمنحها أيضًا ثقل سياسي كبير في المنطقة.

الاكتفاء الذاتي وطفرة إنتاج الغاز

في الأعوام القليلة الماضية، رسمت مصر حدودها البحرية مع بعض الدول في شرق المتوسط. بغرض تدعيم أنشطة البحث والتنقيب عن موارد الطاقة دون منازاعات. الأمر الذي دعم قدرة الدولة على تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز المنتج محليًا بنهاية سبتمبر 2018. ومع زيادة الإنتاج المحلي نتيجة الانتهاء من تنمية ووضع مراحل جديدة من العديد من مشروعات تنمية حقول الغاز، توقف مصر عن استيراد الغاز المسال لأول مرة منذ أكثر من 3 سنوات.

طفرة إنتاج الغاز التي شهدتها مصر جاءت بفضل إنتاج حقل ظُهر العملاق في البحر المتوسط واكتشافات في شمال الإسكندرية ودلتا النيل. ونتيجة لذلك تبنت الشركة القابضة للغاز الطبيعي “إيجاس” مخططًا يهدف لزيادة إنتاج البلاد من الغاز بنحو 15% خلال العام المالي 2020-2021. وقالت الشركة -في تقرير لها- إنها تستهدف زيادة إنتاج الغاز لـ 7.540 مليار قدم مكعب يوميًا بنهاية العام المالي الجاري. ذلك مقارنة بنحو 6.550 مليار قدم مكعب يوميًا في 2019-2020.

تكنولوجيا إسالة الغاز

تعمل محطتا إدكو ودمياط بتكنولوجيات متطورة سواء على مستوى التصنيع أو التخزين والنقل للدول المستهكلة. حيث يتم الاعتماد على صهاريج مُعدة خصيصًا لتخزين الغاز المسال ومزودة بمواد عزل تضمن تحمل ضغط الغاز، وفق ما صرح به رئيس شركة إيجاس السابق، المهندس أسامة البقلي. وهي تكنولوجيا تعمل على تحويل الغاز إلى صورته القابلة للاستهلاك بأفضل طريقة ممكنة.

ولا يشكل الغاز المسال خطرًا كبيرًا إلا عند التعامل معه بنوع من الإهمال. فهناك احتمالية حدوث انفجار الإناء الحاوي إذا ارتفعت درجة حرارته عن درجة الإسالة -161.5 درجة مئوية. وبالتالي قد يصاحب ذلك احتراقًا إذا وجد مصدر إشعال في الهواء الجوي. وهنا يصبح من الصعب السيطرة عليه.

هنا، تشير مصادر بوزارة البترول إلى إجراءات السلامة والأمان التي تتبعها الوزارة بالتعاون مع الشركات المشغلة لمصنعي الإسالة. بما يمنع حدوث أي خسائر أو أضرار بيئية بمحيط المنشأتين. إذ التزمت الحكومة وقت إنشاء المحطتين باشتراطات السلامة المُتبعة عالميًا. بالإضافة إلى استشارة وزارة البيئة في بعض المراحل. في سبيل ضمان تجنب أي مخطار مستقبلية بالمشروع المهم لمستقبل مصر الاقتصادي.

كتب – محمود السنهوري: