كيف تبدأ العلاقات خارج الزواج؟ سؤال لا نقف عنده، فالانشغال بالتصنيف والوصف يُخرجنا من الأسئلة التي قد تدفع نحو حل المشكلة، أو على الأقل التعرف أين تكمن المشكلة.

فتحت عبارات متكررة يبدأ الرجال علاقاتهم الجديدة بنساء خارج منظومة الزواج، والأسباب لا تختلف كثيرًا، وفطن البعض لوعي الكثيرات بالحجج التقليدية فخرج فئة أخرى تمتدح الزوجة ولكن لا يجد سبيلًا من الوصل معها، وبين الشكوى من الزوجة ومدحها ستبقى العلاقة الجديدة سرية.

العلاقات السرية، والكذب والعراكات باب كبير للهروب من بيت الزوجية، فهل يهرب الرجال من زوجاتهم أم تطردهم الزوجات؟

من الحكايات المتكررة وخيبات الزواج الموزعة بين الرجال والنساء، نستقرأ نتيجة أقرب للحقائق. ذلك أن منظومة الزواج في بلادنا مُنهكة، علاقة تأتي على طرفيها، وقليلًا ما تنتصر لقيمة الحب والبناء.

تبدأ من اتفاقات مالية (قايمة – مؤخر – شبكة) وتنتهي في كثير منها في محكمة الأسرة، وإن كنت لا أستطيع رفض هذه الاتفاقات المالية بشكل عام، إذ في كثير من الحالات لم تجد المرأة سوى هذه الضمانات لتخرج بأقل الأضرار، في ظل منظومة قوانين للأحوال الشخصية لا تنتصر للمرأة، وبرغم أنه نظريًا نرفض هذه الأشكال التفاوضية كونه يحوّل المرأة لسلعة، إلا أن سيناريوهات الخسارة تكون أقل في ظل تلك الضمانات.

منذ فترة انتشرت جملة “التقدير خسرنا كتير” كانت من كلمات إحدى الأغاني الشعبية، وانطلقت العبارة الحكيمة كميثاق وتدليل على غياب التقدير في مجتمع كانت سمعته الكلمة الحلوة.

تبدأ الإخفاقات من منطقة التقدير، في الغالبية كلا الطرفين لا يسعى وربما لا يقدم التقدير الواجب، الزوج يقلل من شأن ما تفعله زوجته، يُنكر جهدها، لا يجد فيما تقدمه في بناء الأسرة من عمل جلل. إذ أنه يرى أن الدور الأعظم هو ما يقوم به، غياب التقدير يحفر ألم وأسى بداخل الزوجة، التي تستمر في الحياة بعدم رضا، في كثير من الحالات، وربما كانت حلقة أحمد أمين في برنامج (البلاتوه) عن المذاكرة مع الأولاد كاشفة لمهمة صغيرة ممن المهام التي تقوم بها الزوجة وهو متابعة التعليم والمذاكرة مع الأولاد، حيث أغلب الأزواج لا يجدون في ذلك عملًا ذو أهمية.

تنعدم طرق الشكر والتقدير، وتغيب الرغبة والحماسة داخل البيت، وتنطفأ الحياة، فتُصبح مكررة ومملة، بشكل يدفع طرفيها للهروب من هذا السجن.

وإذا كان معظم الرجال لا يقدرون ما تقوم به زوجاتهم، فأيضًا الكثيرات لا تقدرن، فالأكثرية ترى النقصان، تتحدث الزوجة مع زوجها عما لم يفعله، دون أن تتحدث أو تمتدح ما فعله، تلوم عليه أي فعل أتى دون تخطيطها، وتسعى الكثيرات للمراقبة والسجن داخل مساحة ضيقة، وكلما تفننت النساء في المراقبة أبدع الرجال في الزوغان والهروب، والنتيجة الكثير من العلاقات السرية.

يهرب الناس بالكذب لإخفاء أمرًا لا يستطيعون الإفصاح عنه، أو للخوف من رد فعل الآخرين، أو لعدم القدرة على تحمل تبعات ما قام به، وأحيانًا ليكون الكذب لتفادي المناقشات التي بلا طائل.

هكذا أغلب الأزواج والزوجات يذهبون صوب الكذب تفاديًا للجدال وسعيًا لمنع المشكلات، ولأن الكذب لا يدوم وتنكشف الأمور مهما طال فإن المشكلات واقعة بنسبة كبيرة، وفى الشجار يمكن للرجل أن يترك البيت ويخرج، لكن الأم/الزوجة يكون خروجها صعبًا، فصارت كثير من بيوت الزوجية ساحات حرب وليست سكنًا وونسًا.

يهرب الرجال من بيوتهم لعدم التقدير وللمسئوليات، ولفتور العلاقة وروتينيتها، بينما يجدون التدليل والإعجاب من نساء أخريات هن بالضرورة لم يرون الرجل وهو يصرخ ويعنف، ويقلل من جهد الزوجة.

تُخطئ النساء حين يتبرعن بحمل المسئوليات أكثر من جهدهن، تُخطئن حين تتنازل طواعية عن مساحتها الشخصية، وأسفل لافتة التفاني والإخلاص تتفتت أنوثتها وتخفت.

العلاقات الناجحة تلك التي تقوم بجهد الطرفين، وفي ظل الحق المكتسب إن قيام أحد الطرفين بجهد أكبر من اللازم طيلة الوقت يعتمده الطرف الآخر حقًا مكتسبًا، وبالتراكم سوف يشعر الطرف الذي قدم أكثر مما ينبغي بالظلم، وسيتوقف صانعًا أزمة.

يمنح المجتمع الرجال حق الهجر، ففي الأزمات سيهرب رجال كثيرين، نحو علاقات أخرى تُشبع احتياجاتهم العاطفية والجسدية، في حين تظل المرأة في البيت تدور في ساقية الشكوى والاحساس بالظلم.

العلاقات تصل لنتائجها بجهد الطرفين وأعمالهم، فرجل يجد الحرية والراحة والتقدير في بيته في أغلب الأوقات لن يهرب لعلاقة أخرى، إلا هؤلاء الرجال الشغوفين نحو التعدد والتغيير.

لن تصل زوجة إلى الأسى والاحساس بثقل حضور الزوج إلا إذا كان هو قد قدم الكثير من الإهمال والتقليل والتراجع عن أي دعم حقيقي (عاطفي – انساني) لها، كما أن زوجًا يؤجل عودته إلى البيت هربًا من الزّن، والمشاكل الوهمية والطلبات التي لا تفني، وغياب الكلمة الحلوة.

حين يهرب الرجل لا يتحمل وصمًا من المجتمع بل سيجد ألف مبرر لما فعله، وسيجد دعمًا وقلوب من نساء أخريات تسعه، في حين أن امرأة تهرب من بيتها لن تجد من يتفهم معاناتها إلا قلة.

الزواج قيد ومسئولية، والانسان بطبعه يهرب من الالتزام، لكن ثمة أمور تجعلنا نستمر في أداء التزاماتنا وتقبله، أول هذه الأمور أن يجد الفرد منا تقديرًا وكلمات تطيب وتجبر الخاطر، فهل جرب المتزوجين جبر خواطر بعضهم البعض؟