تلقف الإعلام المصري التحركات الحثيثة من الجانب التركي لاستئناف العلاقات مع مصر بعد فترة من القطيعة والحروب الكلامية، ليفرد لها مساحة في التناول والشرح والتفنيد. رغم حالة الرفض التي اعترت الجانب المصري لسنوات القطيعة مع تركيا إلا أن الحديث أصبح أقل حدة وأكثر انفتاحًا أمام المحاولات المتتالية من تركيا سواء من خلال وزير الدفاع التركي أو الرئيس رجب طيب أردوغان.

وخلال الأيام القليلة الماضي، بدأ الحديث يتصاعد من الجانب التركي في تصريحات وصفت بالناعمة لتذليل العقبات أمام مصالحة مصرية -تركية.

وقال أردوغان في حديث له خلال الساعات القليلة الماضية إن الاتصالات الجارية بين الدبلوماسيين الأتراك ونظرائهم في مصر ليست على المستوى الأعلى ولكنها قريبة منه، معربا عن أمله في أن تتواصل هذه المساعي مع الطرف المصري بشكل أكبر.

كيف استقبل الإعلام المصري المصالحة؟

ومع ازدياد التحركات التركية ونعومة اللغة الصادرة من رأس الدولة والوزراء المهمين في حكومته، انتبه الإعلام المصري لهذه المغازلات البادية للجميع. ليبدأ فلي طرح شروط الإدارة الرسمية للجلوس مع أنقرة على طاولة المفاوضات من جديد، بعد قطيعة دامت 8 سنوات منذ عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي.

ولم يعترف أردوغان بهذا العزل وظل يعتير مرسي هو الرئيس الشرعي للبلاد، واحتضنت بلاده قيادات الإخوان الهاربة من مصر، ومن هناك أيضا بثبت قنوات نشأت خصيصا للهجوم على إدارة الرئيس عبدالفتاح السيسي، لذا بدأ الإعلام المصري في مراقبة التغيير الطارئ على هذه اللغة.

الإعلامي أحمد موسى، والمعروف عنه قربه من صناع القرار أحد الإعلاميين الذين تناولوا التحرك التركي أبدى الاستجابة للجلوس والاستماع إلى الجانب التركي. لكن طلب في البداية من الأتراك التحرك من أجل موافقة الجانب المصري. وهمس في أذن صناع القرار بالتأكد من جدية التحرك التركي.

كما قال موسى خلال برنامجه “على مسؤوليتي” المذاع على “صدى البلد”: “عودة العلاقات مع تركيا لها شروط”، لافتًا إلى أن تركيا مطالبة بتنفيذ بعض الأمور لإظهار حسن النية.

وتساءل موسى قائلًا: “هل ستتخلى تركيا عن العناصر الإرهابية الهاربة فيها؟. وهل سيتم إغلاق القنوات المعادية التي تبث على أراضيها؟

الصلح خير

من جانبه، أعرب الإعلامي نشأت الديهي، عن سعادته جراء تلويح الحكومة التركية برغبتها المصالحة مع مصر. كذلك أكد أن الخطوة التركية في اتجاه المصالحة أمرًا محمودًا رافعًا شعار الصلح خير.

لم يترك “الديهي”، مقدم برنامج “بالورقة والقلم” المذاع عبر قناة “TeN” الأمر دون تأكيد رجاحة النظام المصري في التعامل مع تركيا. كذلك لفت إلى أن الرئيس التركي أردوغان أدرك الخسائر التي تكبدها في ظل معادة الدولة المصرية.

في الوقت نفسه لوح الديهي إلى أن المصالحة بين مصر وتركيا يجب أن تضم تسليم الإرهابيين المقيمين في تركيا. ووقف القنوات التي تهاجم مصر وتستغل كل صغيرة وكبيرة لتقليب الرأي العام المحلي والدولي ضد الحكومة المصرية. كذلك أوضح أن سعادته بسعي تركيا لإجراء مصالحة ينبع في الأساس من إمكانية تسليم قيادات وعناصر الإخوان.

الأخوان أديب.. مطالبة بالاعتذار

يعد عمرو أديب أحد أهم مقدمي البرامج الحرارية خلال السنوات القليلة الماضية بل يصفه البعض أنه على تواصل دائم مع صناع القرار وهو لسان حال السلطة في بعض القضايا. لذا يؤخذ كلامه في المضمون على أنه رسالة من صناع القرار إلى أطراف بعينها.

خرج أديب في برنامج الحكاية عبر قناة “MBC مصر” مبديًا ترحيبًا ضمنيًا بالتحركات والعلاقات التركية. في الوقت ذاته قال إن هناك شروطًا واضحة للجلوس على طاولة واحدة.

كذلك أضاف خلال برنامج “الحكاية” على MBC مصر، أن الذين يستخدمون تركيا منصة للهجوم على مصر لن يلحقوا أي ضرر بها. كما قال: “الموجودين عندك في تركيا ولا عشرة قدهم يعرفوا يهزوا شعرة في مصر”.

وقال أديب: “مصر لا تسعى إلى اختلاق المشكلات. لكنها لن تقبل الإهانة، ونرفض الدخول في الشؤون الداخلية ولا تهديد لأمننا القومي. فضلًا عن وجود قنوات إخوانية تبث من تركيا مهمتها الأولى والأخيرة التحريض على مصر. ببساطة أننا نطلب الشيئ البديهي قبل العلاقات. مصر بلد مش غاوية مشاكل”.

جدية الجانب التركي

لم يختلف الأمر كثيرًا بالنسبة إلى شقيقه الكاتب عماد الدين أديب، إذ أكد أن السبيل الوحيد للمصالحة بين تركيا ومصر هو  الجدية من الجانب التركي. كذلك تقديم كرامات تدفع المسؤولين في مصر إلى اتخاذ الخطوة التالية.

كما قال في مداخلة مع شقيقه عمرو: “نحن مواطني مصر نطالب باعتذار رسمي عن ما بدر منهم خلال السنوات الماضية. ولا يمكن لنا أن ننسى ما فعلوه بنا خلال 9 سنوات”.

وتابع: “تركيا تطرق باب المصالحة مع مصر بكلام رومانسي. لترميم حماقات أرودغان خلال السنوات الماضية”. لافتًا إلي أن الأيام القادمة ستكون كاشفة لمدي جديتهم التصالح أم لا.

تحليل أمريكي يكشف انتهاء دور الإخوان

في محاولة لفهم الدوافع وراء سعي أنقرة لإجراء مصالحة مع الجانب المصري، يعتقد تقرير أمريكي أن الرئيس التركي أدرك مؤخرًا أن عودة جماعة الإخوان إلى السلطة انتهت. لاسيما في ظل حالة الرضى الدولي وعمق العلاقات المصرية مع أطراف دولية لتأكيد شرعيتها.

وحسب تقرير تحليلي لوكالة VOA الأمريكية، فإن مصر وتركيا حليفين تقليديين. إلا أن ما أعقب ثورة 30 يونيو من سقوط لجماعة الإخوان الإرهابية وإنهاء الشعب المصري وضع التيار الإسلامي وإسقاط الرئيس الأسبق محمد مرسي. دفع تركيا إلى دعم الجماعة لأهداف أيديولوجية إلى حد كبير، على رأسها إبراز نفوذها في الشرق الأوسط.

وبحسب التقرير الأمريكي، تكبدت تركيا خسائر باهظة لمساندتها جماعة الإخوان. إذ عمدت القاهرة إلى عقد اتفاقيات مع اليونان لمنافسة تركيا في البحر المتوسط.

إغلاق قنوات الإخوان

جدد التقرير الحديث التي خرجت في الإعلام التركي عن عرض مسؤول كبير في الاستخبارات التركية على مصر إغلاق قنوات الإخوان. التي تبث من إسطنبول، وإغلاق القنوات المعادية لمصر التي تنطلق من تركيا. وعرضه أيضًا تسليم عدد من أعضاء وقادة الإخوان المتهمين بجرائم إرهاب إلى مصر لمحاكمتهم أمام القضاء المصري.

حينها كشف المصدر أن ما قدمته تركيا حتى الآن لتحقيق مصالحة بين البلدين غير كاف. كما أن على أنقرة الاستجابة للشروط المصرية بتغيير كامل في السياسة التركية. وأن مصر اعتبرت العرض التركي ليس كافيًا لطي صفحة الخلاف بين الدولتين والدخول في حوار سياسي بينهما.

ربما تغيرت الأمور الآن، بسبب التغيير المستمر في خريطة الشرق الأوسط منذ وصول بايدن إلى البيت الأبيض. وما ترتب عليه من إعادة ترتيب الأولويات، لذا ليس بعيدًا أن تواصل تركيا نغمتها الناعمة تجاه القاهرة.