تسبب إعلان المغرب تقنين زراعة القنب الهندي لأغراض طبية في ردود أفعال متابينة داخل المجتمع المغربي، بين مؤيد ومعارض لهذا التوجه، وصل الأمر إلى استقالة الأمين العام السابق لحزب “العدالة والتنمية”، قائد الائتلاف الحكومي الحالي في المغرب، عبد الإله بن كيران، من الحزب.

خرج بن كيران الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية الإسلامي، ليعلن استقالته وتجميد عضويته بشكل قاطع من الحزب. ونشر عبر صفحته الرسمية على موقع فيسبوك بيانا مكتوبا بخط اليد جاء فيه: “أنا الموقع أسفله عبد الإله ابن كيران بصفتي عضواً في المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية وإذا ما وافقت الأمانة العامة للحزب على تبني القانون المتعلق بالقنب الهندي (الكيف) المعروض على الحكومة، فإنني أجمّد عضويتي في الحزب المذكور. وفي حالة إذا ما صادق ممثلو الحزب في البرلمان على القانون المذكور فسأنسحب من هذا الحزب نهائياً”.

وأشار الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية إلى أنه قرر كذلك قطع علاقته مع عدد من قيادات الحزب على رأسهم الأمين العام الحالي للحزب ورئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، بجانب المصطفى الرميد وزير الدولة لحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، وعزيز رباح وزير الطاقة، ومحمد أمكراز وزير الشغل والاندماج المهني، والوزير السابق، لحسن الداودي.

اقرأ أيضا:

الماريجوانا” تحقق مكاسب خيالية من وراء كورونا.. ومخاوف من “عصر المدمنين”

تشريع زراعة القنب

قبل أيام، شرعت الحكومة المغربية، في دراسة مشروع قانون لتقنين استخدام القنب الهندي في الأغراض الطبية والصناعية، على أن يتم استكمال بنية المشروع ومواده بشكل كامل ومن ثم التصديق عليه من المجلس الحكومي يوم 4 مارس.

وحسب دورة مشروع القانون في النظام المغربي، يتم عقب تصديق الحكومة الإحالة إلى البرلمان بغرفتيه للتصديق عليه، ومن ثم يُنشر القانون كاملا في الجريدة الرسمية ليدخل حيز التنفيذ.

وساقت الحكومة المغربية مبررات تشريع زراعة القنب الهندي لرغبتها في النهوض بمجال الزراعة من حالة الركود، فضلا عن غلق الباب أمام محاولات التهريب المستمرة عبر الحدود.

وحسب المذكرة التقديمية للمشروع، ينتظر المغرب من وراء القانون إلى جذب استثمارات عالمية، وذلك من خلال العمل على استقطاب الشركات المتخصصة في الاستعمالات المشروعة للقنب الهندي في الأغراض الطبية والصناعية، مثلما يحدث في عدد من البلدان التي حولت أزمة زراعة نبات القنب إلى فرصة للاستثمار والنهوض بالزراعة وتحسين مستوى معيشة العاملين بمجال الزراعة.

تاريخ القنب في المغرب

تُعد زراعة القنب الهندي، مصدر الرزق الرئيسي لنحو 90 ألف أسرة في ريف شمال المملكة المغربية، فضلا عن تصدر المغرب قائمة الدول الأكثر تصديرا للحشيش المستخرج من نبتة القنب لدول أوروبا.

لا يُعرف تحديداً متى بدأت زراعة القنب الهندي في المغرب، وانقسمت المصادر التاريخية حول بداية زراعة القنب في المغرب، إذ أرجع بعض المؤرخين بدء القصة لقبيلتي كتامة وبني خالد المتواجدتين وسط جبال الريف شمال المغرب، والتي عرفت تاريخيا باسم بلاد الكيف.

فيما ذهب الباحث الفرنسي الكولونيالي أوجست مولييراس، صاحب كتاب “المغرب المجهول” إلى أن زراعة القنب في المغرب بدأ في عهد الملوك السعديين أي في القرن السادس عشر الميلادي. على الرغم القدم التاريخية لبدء زراعة نبتة القنب إلا أن القانون المغربي جرم أية محاولات لزراعتها أو الاتجار فيها عن طريق سن القوانين التي تبدأ بالغرامة وتصل إلى السجن عشر سنوات في عددة جرامات من نبتة القنب.

ويصنف المغرب كثالث أكبر سوق لتجارة القنب على المستوى الأفريقي، حيث تبلغ عائداتها 3,5 مليار دولار سنوياً، بعد إثيوبيا ونيجيريا، فيما حددت عدد مستهلكيها بالمغرب بـ 1,7 مليون مستهلك، من أصل 58 مليوناً على المستوى الأفريقي.

وتكشف تقارير أن المغرب يجني من تجارة القنب الهندي ما يناهز 23 مليار دولار، وأن تلك التجارة تُوجه أساساً إلى بعض الدول الأوروبية، حيث تجتهد المافيات العالمية للمخدرات لإيجاد أسهل السبل لإيصال سلعتهم إلى القارة العجوز.

تهديد سبق التنفيذ

منذ أن أعلنت الحكومة المغربية عزمها تقديم مشروع قانون لتقنين زراعة القنب الهندي – مخدر الحشيش – بادر بن كيران بإعلان رفضه التام للقانون مهددا بالانسحاب نهائياً من الحزب في حال المصادقة البرلمانية من قبل الحزب.

يبدو أن احدا لم يأخذ تهديد بن كيران على محمل الجد، إذ جرت مشاورات داخل الحزب خلال الأسبوعين الماضيين، فضلا عن تأخر عرض مشروع القانون للتصديق عليه في البرلمان، إلا أن الكلمة الأخيرة حسمت الأمر بالموافقة على تمرير القانون في ظل موافقة نواب البرلمان على القانون ومن ضمنهم ممثلي حزب العدالة والتنمية الإسلامي.

رفض من مفهوم ديني

لم يكن اقتراح تقنين زراعة القنب الهندي حديث العهد إذ سبقه محاولات لتشريعه قانونيا والاستفادة منه من الناحية الاستثمارية خاصة أن دولا أخرى سبق وأن خاضت نفس المسار وحققت نجاحا ملحوظا.

موقف بن كيران لم يتغير، إذ سبق وأن أبدى رفضه لأي محاولات لتشريع زراعة القنب الهندي، فأعلنها صريحة في عام 2013 تصديه لأية رغبة في السير في طريق تقنين نخدر الحشيش مستخدما خلفيته الدينية.

وظهر عبدالإله بن كيران في مقطع فيديو خلال تجمع حزبي، أثناء انتقاده بشكل لاذع المقترح الذي أطلق في 2013 من خلال حزبي الأصالة والمعاصرة والاستقلال بشأن تقنين زراعة القنب الهندي.

بنكيران

خلال مقطع الفيديو الذي أعاد بنكيران نشره استخدامه لآيات قرآنية وأحاديث نبوية تحرم القانون وتمنع بشكل قاطع اللجوء إلى تقنين مخدر الحشيش تحت ذريعة زيادة الاستثمار الزراعي.

العدالة والتنمية يلتزم الصمت

على الرغم من تسارع الأحداث في الداخل المغاربي، ووضع بن كيران حزب العدالة والتنمية في المواجهة مع الرافضين لتقنين زراعة مخدر الحشيش في الأراضي المغربية ووصول الأمر إلى تجميد العضوية والاستقالة من الحزب، إلا أن أحدا لم يحرك ساكنا.

فضل حزب العدالة والتنمية الصمت عن الدخول في مناوشات سياسة، لذا استقبل الحزب قرار تجميد عضوية بن كيران دون أن يصدر رد فعل واحد، ملتزما الصمت دون إصدار بيان يوضح فيه الاسباب والدوافع وراء موافقة الحزب وتمريره لقانون تقنين زراعة الحشيش.