تعقد لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان، اليوم الأحد، لقاءً مع وزير الخارجية سامح شكري. ذلك من أجل تنسيق الرؤية المشتركة بشان ملف حقوق الإنسان في مصر. وأيضًا استعراض جهود اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان في نقل الصورة الحقيقية بمصر لمختلف المحافل الدولية. على خلفية بيان الدول الـ 31 بشأن مصر أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة يوم الجمعة. حيث أعربت عن قلقها من وضع حقوق الإنسان في مصر، بـ”تقليص الحيز المتاح” للمجتمع المدني والمعارضة السياسية. وكذلك “تطبيق قانون مكافحة الإرهاب في حق منتقدين سلميين”.

بيان الدول الـ31: مصر تكمم أفواه المعارضين بقوانين مكافحة الإرهاب

ففي بيان مشترك صدر يوم الجمعة، دعت 31 دولة بينها الولايات المتحدة، مصر إلى رفع القيود عن الحريات والتوقف عن “اللجوء إلى قوانين مكافحة الإرهاب لتكميم أفواه المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان والصحافيين وإبقاء المنتقدين في الحبس الاحتياطي إلى أجل غير مسمى”.

وكان البيان ألقته ممثلة فنلندا كريستي كاوبي بالأمم المتحدة، أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في دورته السادسة والأربعين. وأشار إلى إدراك الدول الـ 31 لدور مصر في دعم الاستقرار الإقليمي وإدارة الهجرة ومكافحة الإرهاب. لكنه لفت أيضًا إلى ضرورة أن تحافظ مصر في مكافحتها الإرهاب على الاحترام الكامل للقانون الدولي لحقوق الإنسان.

اقرأ أيضًا: 31 دولة تطالب مصر بإنهاء استخدام تهم الإرهاب ضد الحقوقيين والصحفيين

وأضاف البيان أن الدول الـ 31 تتشاطر المخاوف بشأن “القيود المفروضة” على حرية التعبير والحق في التجمع السلمي. وأيضًا المساحة المحدودة للمجتمع المدني والمعارضة السياسية. وكذلك تطبيق تشريعات الإرهاب ضد المنتقدين السلميين. وقد دعت الدول الموقعة على البيان إلى رفع القيود المفروضة على الحريات الإعلامية والرقمية. وأيضًا إنهاء ممارسة حجب المواقع الإلكترونية لوسائل الإعلام المستقلة. فضلاً عن الإفراج عن جميع الصحفيين الذين تم اعتقالهم أثناء مزاولة مهنتهم.

لجنة حقوق الإنسان بالبرلمان: البيان تدخل في الشؤون الداخلية المصرية

من جانبها، استنكرت لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب هذا البيان. وذكرت أنه “صدر بدون مسبب حقيقي سوى الرغبة في التدخل السياسي للشؤون الداخلية المصرية”. وأضافت أنه يأتي استجابة لضغوط مجموعات ممولة تعمل بشكل عدائي ضد مصر. انطلاقًا من تواجدها في جينيف وبروكسل. كما أشار بيان للجنة أن هذه المجموعات لا يهمها سوى إحراج الدولة المصرية. 

بيان لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب استخدم النهج ذاته لوزارة الخارجية بنفس المرادافات دفاعًا عن وضع حقوق الإنسان في مصر. وقد اعتبر ما جاء في بيان الدول الـ 31 ليس إلا محض “مزاعم مكررة” لا تستند على حقائق ولا على أدلة تثبتها. بينما طالبت اللجنة، المؤسسات الدولية، بالتواصل المباشر مع المؤسسات الشرعية في مصر. سواء كانت مؤسسات تشريعية أو تنفيذية. ذلك لإدارة حوار بناء معها للعمل المشترك على تحسين أوضاع حقوق الإنسان. بدلاً عن الاتهامات والمزاعم غير المؤيدة، والتي تصدر فقط لشغل الرأي العام دون خطط حقيقية لمعالجة الفجوات الحقوقية المزعومة.

وقد أجمعت الدول الـ 31 على ضرورة أن تتوقف الحكومة المصرية عن ملاحقة المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين والسياسيين والمحامين والمثليات والمثليين ومزدوجي الميول الجنسية. وأيضًا ضمان مساحة للمجتمع المدني والصحفيين للعمل دون خوف وترهيب. ورفع الحجب عن المواقع الصحفية المستقلة. وكذلك الكف عن الاستخدام المفرط للحبس الاحتياطي. وضمان إجراء المحاكمات العادلة وتمكين المحامين من التواصل مع موكليهم. كما دعت مصر للمشاركة البناءة مع مكتب المفوض السامي. وأكدت استعدادها للعمل مع مصر لتحقيق هذه الغاية.

الخارجية المصرية: لماذا لم يذكر بيان الدول الـ31 جهود مصر

عقب ساعات من بيان الدول الـ 31 أمام مجلس حقوق الإنسان في جنيف، قررت وزارة الخارجية المصرية الدفاع عن الموقف المصري، ملتزمة بنهج الدفاع والإنكار لتلك الوقائع التي رصدها البيان الدولي. فيما أعلنت رفضها التام لما جاء في هذا البيان من “مزاعم وادعاءات وأحاديث مرسلة تستند إلى معلومات غير دقيقة”.

كما أعربت الخارجية المصرية، في بيان لها، عن “شديد الاستغراب والاستهجان لعدم الاستعانة بما يتم توضيحه لهذه الدول من حقائق ومعلومات حول أوضاع حقوق الانسان فى مصر”. وطالبت بضرورة “المراجعة المدققة لمثل هذا الكلام المرفوض”. وشددت على ضرورة توقف تلك الدول عن توجيه اتهامات تعبر فقط عن توجه سياسي “غير محمود” يتضمن “مغالطات دون أسانيد”.  

أيضًا، ذكرت الخارجية المصرية أنه كان “من المرفوض استسهال الإدلاء بمثل هذه البيانات -التي لا تراعي الجهود المصرية الشاملة- بما تم تحقيقه على هذا الصعيد خلال الأعوام الماضية”.

ومن المقرر أن تلقي مصر من خلال بعثتها في جنيف بيانًا أمام مجلس حقوق الإنسان. قالت الخارجية المصرية إنه “سيسلط الضوء على أوجه القصور داخل تلك الدول صاحبة البيان المشترك، بما في ذلك الممارسات التي تتنافى مع مبادئ حقوق الإنسان”.

وفي بيانات مشابهة، قامت بعثة مصر لدى الأمم المتحدة في نيويورك، في 2015 بممارسة حق الرد على بيان ألقاه الاتحاد الأوروبي، تضمن انتقاد لأوضاع حقوق الإنسان في مصر. ذلك باستعمال كلمات “الرفض” و”الاندهاش” نفسها. كما هددت بإظهار قصور الدول الأخرى في مجال حقوق الإنسان. وأوضحت “أنه من المفارقات أن نفس الدول التي تعمد إلى ترويج الادعاءات ضد مصر، لديها سجل سيئ لحقوق الإنسان في العديد من المجالات بما في ذلك التمييز العنصري وكراهية الأجانب وعدم احترام الأقليات والمهاجرين، بل وتقوم بانتهاك هذه الحقوق دون أية محاسبة”.

اعتراف ضمني تؤكده بيانات التهديد 

يرى المحامي ناصر أمين، مدير المركز العربي لاستقلال القضاء، أن الانتهاكات في مصر “بلغت درجة لا يمكن بأي حال أن تقبل أو تخطئها عين مراقب على كل الأصعدة”. فيقول: “هي انتهاكات غير مسبوقة لم يعد هناك ما يستدعي إنكارها”. بينما يصف الرد الرسمي من وزارة الخارجية المصرية بأنه “رد غير مناسب وغير موفق”. خاصة إن كنا نتحدث عما سيجرى تناوله من انتهاكات تشهدها الدول صاحبة البيان المشترك، على حد قوله. وهو يعتبر في ذلك إقرارًا مصريًا بصحة ما جاء في بيان الدول الـ 31. ذلك دون طرح أطر أو تعهدات أو معالجات أو وعد بمعالجات حتى لوضع حقوق الإنسان “المتهالك” في مصر. 

ويتفق المحامي الحقوقي نجاد البرعي مع القول بإن بيان وزارة الخارجية وما تضمنه من حرص على تسليط الضوء على أوجه القصور داخل الدول المشتركة في بيان الـ 31، يمثل اعترافًا بأن حقوق الإنسان ليست مسألة داخلية. وهو يصف ذلك بالشيئ الإيجابي. داعيًا الخارجية إلى تنفيذ ذلك مع إصدار توصيات دون الإخلال بالتوصيات الصادرة لمصر. 

وأوضح البرعي أن وزارة الخارجية التزمت بما متاح لها من إصدار البيانات. بينما الحلول الأخرى تأتي من جانب الحكومة المصرية نفسها. لكنه يرى أن الحكومة ليس لديها الرغبة في التغيير ولا تستطيع سوى محاكمة المواطنين بتلك الطريقة. 

نحتاج إلى حلول بديلة لتفادي الانتقادات

هنا، يشير أمين إلى ضرورة وضع حلول بديلة عن تلك البيانات، كان على مصر اتخاذها تفاديًا لتلك الانتقادات التي تلاحقها في المحافل الدولية. ويضيف أن مصر مطالبةً بدلاً من التهديد بإظهار قصور الدول الأخرى، أن تعالج الوضع الحالي لحقوق الإنسان لديها.

وفي سبيل ذلك، يستعرض أمين بعض النماذح التي يمكن أن تتخدها الحكومة ردًا على مثل هذه البيانات الدولية. فيشير إلى أن مصر لم يعد أمامها إلا أن تعلن أنها بصدد العمل وفق الدستور. وأن تلغي بعض القوانين وعلى رأسها قانون 94 لسنة 2015  الخاص بمكافحة الإرهاب. هذا لأنه تسبب في حبس آلاف المواطنين دون وجه حق بالمخالفة للحقوق والضمانات الدستورية. كذلك على مصر وقف التعديلات التي أجريت على قانون الطوارئ لعام 2020. والعودة للعمل بقواعد الإجراءات الجنائية الطبيعية للأفراد أثناء محاكمتهم. خاصة فيما يتعلق بمدد الحبس الاحتياطي، على حد قول أمين. 

وهو يرى أيضًا أن مصر مطالبة بأن تخلي سبيل المتهمين دون وجه حق وبالمخالفة للثوابت الإجرائية للقوانين المصرية قبل التعديلات التي أجريت منذ 2014 وحتى الآن. كما يطالب بضرورة وقف “مهزلة” المنع من السفر، ووضع حد زمني لها لا يمكن للسلطات تجاوزه. وكذلك مراجعة كافة كشوف الممنوعين من السفر في مصر. سواء كانوا نشطاء سياسين أو رجال أعمال أو مواطنين تم منعهم بالمخالفة لأحكام الدستور.

وفيما يتعلق بحرية التعبير، يوضح أمين أنه لابد من إلغاء القوانين المتعلقة بعمل الصحافة والإعلام. تلك القوانين التي صدرت منذ 2015 حتى الآن، وضمان عمل الصحفيين والإعلاميين في مناخ أكثر حرية دون تقييد أو تهديد بسبب قيامهم بأعمالهم.

اقرأ أيضًا: الخروج من النفق المظلم.. “دام” يقدم 15 توصية لإنهاء الأزمة بين الدولة والمجتمع المدني

البيان المصري جريئ وضروري

مرثا محروس عضو مجلس النواب عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين وعضو لجنة حقوق الإنسان، فإنها ترى في بيان الخارجية خطوة جريئة من مصر التي اعتادت دائمًا ألا تتدخل في شؤون الآخر احترامًا لخصوصية وسياسة كل الدول.

وتضيف أن هذا بات مرهونًا الآن بما نشهده من مساس بالشأن الداخلي بات مسيسًا وغير مبني على حقائق. حينها لابد أن يكون لمصر رد فعل مختلف عما سبقت الإشارة إليه. ذلك لأن ملف حقوق الإنسان أصبح من الملفات المستخدمة كذبًا للضغط على سياسات مصر، على حد قولها.

8 منظمات حقوقية: بيان الدول الـ31 رسالة واضحة 

إلى ذلك، اعتبرت 8 منظمات حقوقية، ما ورد في بيان الدول الـ 31 بمثابة “دليل إدانة” لمماسرات النظام المصري و”الانتهاكات الجسمية” التي كسرت الصمت الدولي المطبق والممتد منذ سنوات. ودعت هذه المنظمات الحكومة المصرية إلى التفاعل الجاد والإيجابي مع بنود هذا البيان. بما في ذلك إطلاق سراح كافة المعتقلين بسبب ممارستهم حقوقهم الأساسية في حرية التعبير، والتجمع السلمي، وتكوين الجمعيات. 

بيان الدول الـ 31 هو الثاني من نوعه أمام الأمم المتحدة. إذ سبق وصدر إعلان دولي مماثل في مارس 2014 استنكارًا لـ”أحداث العنف منذ 30 يونيو 2013″. وقد وقعته 27 دولة. الأمر الذي تراه أغلب منظمات المجتمع المدني بمثابة رسالة واضحة بأن الانتهاكات أضحت جسيمة ومتصاعدة.