وافق مجلس الدولة أخيرًا على تعيين عدد من عضوات النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة، بطريق النقل لشغل وظيفة (مندوب) أو وظيفة (نائب) بالمجلس. وهو ما وصف بأنه جاء استجابة سريعة لتوجيهات رئيس الجمهورية في اليوم العالمي للمرأة في الثامن من مارس الحالي، بتعيين عناصر نسائية في مجلس الدولة والنيابة العامة. ورغم الانتصار الكبير للنساء لم يسلم القرار من التحفظات بسبب اقتصاره على النقل فقط دون أن يشمل خريجات الحقوق.

التاء المربوطة داخل مجلس الدولة

وفي بيان صدر اليوم الأحد، أُمهر بـ “ينشر ويعمم”، أعلن مجلس الدولة عن 5 ضوابط لقبول المعينات الجدد. حددها بـ: أن تكون العضوة حاصلة على تقدير ممتاز أو جيد جدًا في درجة الليسانس – الحصول على دبلومين للدراسات العليا، أحدهما في القانون العام أو القانون الإداري – خلو ملف خدمة العضوة من أي جزاءات أو ملاحظات – اجتياز المقابلة الشخصية أمام اللجنة المختصة بمجلس الدولة – استيفاء جميع الشروط الواردة في قانون مجلس الدولة.

ورحب رئيس المجلس الدولة المستشار محمد محمود حسام الدين بعضوات النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة للعمل كقاضيات في المجلس. وقرر أنه فور صدور قرار رئيس الجمهورية بالتعيين سيبدأ العمل بتحضير القضايا في هيئة مفوضي الدولة بالقسم القضائي بالمجلس. وأضاف أنه على يقين أن العضوات الجدد سيتعاونن مع زملائهن من شباب قضاة المجلس للاستمرار في الإنجاز المتميز والمساهمة في عدم تأخير الفصل في قضايا المواطنين.

كما صرح نائب رئيس المجلس المستشار طه محمد عبده بأنه يرحب بانضمام العنصر النسائي لقضاة مجلس الدولة. وأكد على إجراء أفضل التيسيرات لعضوات النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة اللاتي ترغبن في سحب ملفات التعيين في مجلس الدولة، وتقديم هذه الملفات مستوفاة خلال المواعيد المقررة.

مجلس الدولة.. المعركة النسائية التي حسمها تاريخ 14 مارس

مجلس الدولة هو الكيان المعني بنظام المحاكم الإدارية في البلاد. ويختص بالأمور القضائية المتعلقة بالحكومة. كما أن له سلطة إبداء الرأي القانوني بشأن التشريعات. فضلاً عن العقود التي تكون الدولة أو أي جهة حكومية طرفًا فيها.

فوق كل هذا ظل هذا الكيان القضائي الفاعل في الدولة المصرية خاليًا من التمثيل النسائي لعشرات السنوات. لأسباب لم تكن تستند إلى دستور أو القانون. وهما يكفلان المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات. كما أنهما لا يشترطان أن يكون القاضي ذكرًا.

وسابقًا، شهدت السنوات الماضية محاولات عدة لتمكين المرأة من حقها في التعيين بالنيابة العامة ومجلس الدولة. وقد باءت جميع هذه المحاولات بالفشل. ومن بينها المواجهة التي وقعت مع الرئيس الأسبق مبارك. حينما رفض المجلس توجيهاته بضرورة تعيين المرأة وصدر قرار من الجمعية العمومية في عهد المستشار محمد الحسيني، رئيس مجلس الدولة الأسبق. يتضمن رفض تعيين الإناث داخل المجلس. ذلك في إشارة إلى أن الموقف لن يتغير ولن تدخل المرأة المجلس حتى وإن عُينت بالجهات القضائية الأخرى.

وفي فبراير 2010، وخلال رئاسة مبارك، عقد مجلس الدولة اجتماعًا استثنائيًا للجمعية العمومية للمجلس. وأعلن فيه مستشارو المجلس رفضهم تعيين المرأة قاضية. كذلك صوّت 334 قاضيًا من أصل 380 ضد التعيين وكان 42 قاضيًا فقط مع التعيين وامتنع 4 عن التصويت. إلا أن هذا الوضع يبدو أنه يشهد الآن تغيرًا حقيقيًا وترحيبًا رسميًا ستمنح المرأة بموجبه حقًا حُرمت إياه لسنوات طوال.

اقرأ أيضًا: سيدات فوق المنصة.. تعيين المرأة بمجلس الدولة والنيابة العامة استحقاق دستوري تأخر تنفيذه

تعيين النساء بمجلس الدولة.. تفعيل للدستور تدعمه النجاحات السابقة

القرار الجديد يأتي تفعيلاً لنص المادة 11 من الدستور المصري تفعيلاً كاملاً. وهي المادة التي تكفل للمرأة حقها في تولي الوظائف العامة ووظائف الإدارة العليا في الدولة والتعيين في الجهات والهيئات القضائية، دون تمييز ضدها.

وقد ثمن مجلس إدارة نادي قضاة مصر، برئاسة المستشار محمد عبد المحسن هذا التوجيه الرئاسي. وقال إنه يؤكد اتساق الدولة المصرية مع كافة المواثيق الدولية في تمكين المرأة وتعزيز حقوقها إعلاءً لمبادئ المساواة وعدم التمييز.

بينما اعترف نادي القضاة بما أثبتته التجارب السابقة من نجاح القاضيات المصريات في تولي منصة القضاء في الكثير من فروع القانون. وكذلك قدرتهن على إظهار المعدن النفيس للمرأة المصرية منذ عام 2007. حينما جرى تعيين أول 30 قاضية بالقضاء المصري وحتى تعيين آخر دفعة عام 2015.

المنصة حقها: القرار لا ينهي التمييز

رغم هذا الاختراق الكبير الذي حدث، فإن القرار الجديد لم يكن مرضيًا لكافة المطالبات بحق النساء في المناصب القضائية، ومن بينهن أمنية جاد الله، الأستاذ المساعد بكلية الشريعة والقانون جامعة الأزهر، منسقة مبادرة “المنصة حقها”، صاحبة الرصيد الثري في حملة المطالبة بتعيين المرأة في مجلس الدولة، معتبرة أن هذا القرار لا يحقق المطلوب ولا يُشبع ما تصبو إليه النساء المصريات. ذلك لأسباب عديدة، منها:

1- أن اعتلاء المرأة المنصة لن يكون أسوة بالطريق الطبيعي لاعتلاء المنصة كأقرانها من الخريجين من ذات دفعتها. وإنما هو “طريقًا قيصريًا مبتسرًا” لا يحقق ما تطمح إليه خريجات الحقوق المتفوقات من إعطائهن الفرصة للمفاضلة الحقيقة وشغل أولي درجات السلم القضائي. اعتمادًا على قدراتهن وخبراتهن. بل والمرور بنفس الخبرات التراكمية التي مر بها أقرانهن من الخريجين. وإنما هو طريق معوج لعدم تطبيق نصوص الدستور بشكل مباشر ومنهجي.

2- تمثل تلك الطريقة في انتقاء القاضيات من القائمين على اتخاذ قرار “تعيين دفعة جديدة من القاضيات” تفضلاً على مواطنات مصريات كاملي الأهلية، مستوفيات شروط التقديم والتعيين أسوة بزملائهن. في حين أنه حق مقرر لهن دستوريًا للتمتع به كل وقت وحين لمن ترى في نفسها القدرة على تولي القضاء وتثبت كفاءتها واستحقاقها له بعد إجراء تقييم موضوعي.
3- القرار لا ينهي أبدًا صور من التمييز ستظل تتعرض لها خريجات القانون كل عام أثناء التقديم لشغل المنصب القضائي. وستظل مخالفة النصوص الدستورية تتكرر عامًا بعد عام، وسيظل حرمانهن من التقديم قائمًا على الرغم من تولي قاضيات مصريات المنصة.
واختتمت المبادرة بأن ما سبق يؤكد أنه سواء كان التعطيل لنصوص الدستور كليًا أو جزئيًا، فالخريجات لا يزلن يواجهن معضلة التقديم كل عام. وهو ما يعد إنكارًا للعدالة بشكل مباشر وصريح من السلطة القضائية التي هي منوط بها تطبيق الدستور والقانون وإعلائه على ما سواهما.
قطعت جاد الله مشوارا طويلا للدفاع عن حقوق النساء، وسبق أن تقدمت بطعون أمام محكمة القضاء الإداري لوقف تنفيذ وإلغاء الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بعدم قبول دعوى تعيين الإناث قاضيات بمجلس الدولة، لرفعها من غير ذى صفة، استناداً إلى أن إعلان تعيين المندوبين موجه للخريجين فقط دون الخريجات.
ونالت جاد الله دعما كبيرا من المجتمع المدني في مصر، إذ سبق وأن أعلن ١٢٢ حزبا ومنظمة حقوقية ونسائية وشخصيات عامة، في العام 2017، تضامنها مع المحامية من أجل تعيينها بالمجلس، مؤكدين حق النساء في تولى منصب القضاء باعتباره حقا دستوريا.