بينما يمارس الصحفي محمد هاني علي جريشة، مهام عمله لجريدة اليوم السابع من المنزل، نظرا لظروف الوباء، تفاجأ باقتحام قوات الأمن شقته الكائنة في التجمع، لتنقلب حياته رأسا على عقب.

قد تنتهي القصة عند ذلك، أو لا تلفت الأنظار بعد أن تكررت كثيرا، فخلقت شعورا من اللا اكتراث، لتتحول الوقائع إلى أحداث يومية، فيما يصبح أبطالها مجرد أرقام.

ولكن بالرجوع إلى الحقائق فمحمد هاني جريشة المعروف بـ هاني جريشة لم يكن أبدا مجرد رقم، فهو رب الأسرة، وعضو نقابة الصحفيين، ومدير تحرير موقع سوبر كرة، أحد إصدارات اليوم السابع، فكيف بدأ كل هذا؟

الكابوس مستمر

“خايفة نكمل على حس الحبس الاحتياطي سنتين ونطلع من قضية على قضية” جملة بادرت بها زوجة محمد هاني علي جريشة سمر جلال، التي أبدت أسفها على احتجاز زوجها للشهر السابع من دون محاكمة، أو كما قالت بدعوى الحبس الاحتياطي.

تفصح الأوراق عن أن جريشة محبوس احتياطي من 2 سبتمبر من العام الماضي، على ذمة القضية ٨٦٤ لسنة ٢٠٢٠ حصر أمن دولة، كما وجهت إليه اتهامات بمشاركة جماعة إرهابية في تحقيق أغراضها، وإساءة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي، ونشر أخبار وبيانات كاذبة وقررت حبسه احتياطيا.

كما أن احتجاز هاني تزامن مع إلقاء القبض على زميليه بنفس الجريدة عصام عابدين، وسيد شحتة، والأخير كان مصابا بكورونا فتم تحويله والتحفظ عليه في مستشفى العزل ببلبيس.

تروي زوجة جريشة لحظات القبض عليه، والذعر الذي عم المكان، في حضور أطفاله، في ليلة 26 أغسطس، أثناء تأديته لمهام عمله الصحفية، من خلال المنزل، والاستيلاء على الأجهزة الخاصة به، بما فيها حاسوب العمل، بينما تم تقييده بواسطة أربعة أفراد .

تابعت سمر: “حاولت أن استفهم عن أسباب القبض عليه، فلم أجد ردا، حتى بادرني أحد أفراد القوة الأمنية بالقول “قضية شيكات”، و”اسألي عليه في مديرية الأمن” .

اختفى هاني لأكثر من 5 أيام، حاولت سمر بمساعدة الأسرة والأصدقاء البحث عنه والسؤال في مديرية الأمن والأقسام دون رد، حتى ظهر في نيابة أمن الدولة بالتجمع، بقائمة اتهامات اعتيادية لمن يعملون في العمل وهي الانضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة.

عبرت سمر عن بالغ استغرابها لحقيقة القبض على زوجها التي لا يكف طفله في السؤال عنه، فمرور الوقت لم يسهم في استيعاب الصدمة، التي جاءت بحسب سمر من دون مقدمات، من منطلق أن هاني لم يساهم في العمل السياسي أبدا، وطالما اهتم بعمله الذي يقتصر على الإشراف على صحفيى الرياضة. كما أن صفحته على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” لاتتضمن أي ميول سياسية، وتقتصر على العمل والعلاقات العائلية.

وحول الاتهامات الموجهة للصحفي تقول سمر: “لا أعلم عن أي جماعة يتحدثون فزوجي يعمل كصحفي في جريدة معروفة التوجهات، وأين هذه المنشورات المعنية، اتهامات بلا دليل واحد، أصبح الأمر أشبه بنكتة “بس مبتضحكش خالص”.

“اليوم السابع” تهدد هاني بالفصل

هاني جريشة هو نجل المفكر الإسلامي الراحل علي جريشة، الذي توفى في عام 2011، كما لم يرصد له أي نشاط سياسي على الإطلاق، واستمر في عمله بجريدة اليوم السابع، ولم تشمله الجريدة بمحاولاتها للتخلص من الصحفيين من ذوي الاتجاهات السياسية، واستمر عمله ضمن فريقها حتى ليلة القبض عليه من قبل قوات الأمن.

أما عن موقف “اليوم السابع” من حبس هاني، فتمثل في رفض رئيس تحريرها خالد صلاح الدين، أو أيا من زملائه مقابلة زوجته، أو صرف ولو جزء من راتبه لأسرته، في غياب عائلها الوحيد، على حد قول سمر.

تقول سمر “رفض مسؤولو الجريدة مقابلتي، وعاملني الجميع بجفاء، أما مسؤول الموارد البشرية فبادرني بالقول “هاني بالنسبالي متغيب عن العمل، إن استمر الأمر على هذا المنوال سوف نقوم بفصله نهائيا من العمل”.كما أنكروا تماما علمهم بسجنه رسميا، في غياب المستندات الدالة على ذلك.

وبالرجوع إلى وضع الصحفي القانوني اعتبر محاميه الموكل من قبل نقابة الصحفيين مختار أبو بكر أنه لا يعد تغيب، بل موقوف إذ إن تغيبه جاء على غير إرادته، لافتا إلى محاولات إحضار مستندات سجنه، لكن المشكلة كانت في عدم وجود توكيل، كما أن الجلسة الأولى له في النيابة لم يحضرها أيا من أفراد هيئة الدفاع عنه.

الموقف النقابي

أوضحت سمر محاولات اتصالها بأعضاء مجلس النقابة، ونقيبها ضياء رشوان بشكل خاص، إلا أن لم تستطع الوصول إليه، لانشغاله الدائم، وأن الأمر توقف عند توكيل محامي من النقابة، كما أنها لم تجد أدنى مساعدة في تعسف جريدة “اليوم السابع” ضد زوجها، وإيقاف راتبه بالكامل، في ظل حاجتها للأموال لعدم عملها.

وكان هشام جريشة، الأستاذ في كلية الهندسة وشقيق الصحفي، تقدم بطلب إلى نقيب الصحافيين ضياء رشوان، أشار فيه إلى أن قوات الأمن ألقت القبض على شقيقه، دون أسباب واضحة، وأن أسرة جريشة تطالب النقابة بالتضامن معه، وتكليف محام من الشؤون القانونية بحضور التحقيقات معه.

وقالت سمر “لم تبد النقابة اهتماما بحالة هاني، ولم أتمكن من مقابلة أي مسؤول فيها، فيما عدا المستشار القانوني سيد أبوزيد الذي يبادرني كل مرة بالقول “فكريني بالقضية”. وتستطرد: “لا أعلم إن نسوا هاني أم أنهم يفضلون تناسي حالته، أشعر بالارتباك لا أعلم مالذي يجب فعله، وإلى من يجب أن أتوجه ليرجع  زوجي”.

وفقا لتقرير لجنة حماية الصحفيين الدولية عام 2019، تعد مصر من ضمن البلدان التي تسجن أكبر عدد من الصحفيين في العالم. ويتجاوز عدد الصحفيين المحبوسين الـ20 صحفيا يصل عدد هم إلى 34 وفقا لتقديرات حقوقيين، كما أن جزءا منهم غير مقيد بالنقابة، ولا يتمتع بأي حماية نقابية على الإطلاق.

كانت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان أطلقت قبل أيام حملة لتذكير المرشحين لعضوية مجلس نقابة الصحفيين المزمع انتخابه يوم 19 مارس الجاري بـ34 صحفي وصحفية وإعلاميين أغلبهم محبوس احتياطي في قضايا رأي، وسجناء تجاوز بعضهم ثمانية سنوات مثل الصحفي محسن راضي، و7سنوات مثل الصحفي مجدي أحمد حسين، وعبدالرحمن شاهين، وبعضهم 6سنوات مثل الصحفي والباحث اسماعيل الإسكندراني.

وقبل أيام أفرجت النيابة العامة عن 3 من الصحفيين المحبوسين بتدابير احترازية بعدم مبارحة المنزل، بعد وساطة من النقيب ضياء رشوان، وهو ما اعتبره جزءا من نشاطه في الإفراج عن الصحفيين وليس كما ربطه البعض بالنشاط الانتخابي قبل موعد انتخابات مجلس نقابة الصحفيين.