في أعقاب الصراع في تيجراي والفظائع التي وثقت في أماكن أخرى من إثيوبيا، لوحت مواقع إثيوبية معارضة لسياسات رئيس الوزراء آبي أحمد، لإمكانية إحالته للمحكمة الجنائية الدولية (ICC). كطريق محتمل لتحقيق العدالة لضحايا العنف المرتكب بالبلاد. ذلك بعد أن اتخذ البعض مبادرة أكثر جرأة وذهبوا إلى حد تقديم الشكاوى إلى مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية. بخلاف ما كان متوقعًا في السنوات الأولى من حكم آبي عندما فاز بنوبل للسلام.
آبي صاحب نوبل.. عطل الديمقراطية وتحول للعنف
عندما أعلنت لجنة جائزة نوبل في 11 أكتوبر 2019 ، فوز رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد بجائزة نوبل للسلام “لجهوده في تحقيق السلام والتعاون الدولي”، كانت اللجنة تسلط الضوء على مبادرة أبي لإنهاء الصراع الحدودي الإثيوبي مع إريتريا. وهو الصراع الذي استمر لما يقارب عشرين عامًا. وقد مثل اعتراف آبي أحمد حينها بجميع أصحاب المصلحة الذين يعملون من أجل السلام والمصالحة في إثيوبيا وفي مناطق شرق وشمال شرق أفريقيا، قدرًا كبير من التفاؤل فيما يخص حالة الحريات. إلا أن تناقض هذا الواضح مع ما حدث لاحقًا وبالأخص في تيجراي طرح تساؤلاً جديًا: هل اختارت لجنة نوبل الرجل المناسب للجائزة؟
بعد أقل من عام على جائزة نوبل وفي يونيو 2020، أجل آبي الانتخابات بالمخالفة للدستور. ما تسبب في اندلاع حرب، عندما رفضت منطقة تيجراي الشمالية في إثيوبيا قراره. ووصل الأمر حد أن بادر الإقليم بإجراء انتخابات برلمانية خاصة في 9 سبتمبر 2020. وقد تميزت هذه الانتخابات بمشاركة عالية، فازت بها جبهة تحرير شعب تيجراي المعارضة.
ردًا على ذلك، قطعت إدارة آبي وسائل الاتصال والإنترنت عن الإقليم. ثم أرسلت الجيش الإثيوبي للإطاحة بالحكومة المنتخبة في ميكيلي عاصمة المقاطعة. وزاد الأمر سوء بأن تواطئ مع الجيش الإريتري واتفق مع دولة اريتريا على دخول الإقليم وحصاره. وقد وردت تقارير دولية عن هذا التعاون بين القوات الإثيوبية والإريترية، ودفع الأولى للأخيرة ملايين الدولارات لغرض مساعدته على نهب بلدات وقرى المنطقة.
وفي 13 يناير 2021، أعلنت إثيوبيا أن قواتها قتلت سيوم مسفين وزير الخارجية السابق أثناء المعارك. ومن ثم تم نشر صور تظهر رجال آبي يعدمون مسفين بإجراءات موجزة “دون إجراءات قضائية”. ذلك وفقًا لموقع إثيوبي معارض نشر مقاطع فيديو وصورًا لهذا الإعدام.
إعدام خارج القانون.. إثيوبيا آبي تعترف وتنكر
بينما أعلنت إثيوبيا مرارًا وتكرارًا أن الوضع في تيجراي هادئ، استمر ورود التقارير التي تتهم القوات الإثيوبية بالتورط في انتهاكات واسعة النطاق لحقوق الإنسان. ومع عودة وسائل الاتصال للإقليم، تأكدت صحة هذه التقارير. وانتشرت على تويتر مقاطع فيديو لعمليات إعدام بإجراءات موجزة أظهر أحدها إعدام رجلين بإجراءات موجزة في سوق تيجرايان بمدينة العدوة.
ليست هذه هي المرة الأولى لكنها الموثقة بتصوير فيديو. ذلك بعد تقارير عن ارتكاب القوات الإثيوبية جريمة حرب بقتل أكثر من ثماني مائة تيجراني في كنيسة القديسة مريم في أكسوم. بعد وقت قصير من دخول القوات الإثيوبية المنطقة. وفقًا لرواية شماس الكنيسة لوكالة أسوشيتد برس. حيث ذكر الشماس أن الجنود اقتحموا الكنيسة، وجروا المصلين وأطلقوا النار على من فر. قال: “هربت بالصدفة مع كاهن وعندما دخلنا الشارع، سمعنا إطلاق نار في كل مكان”. وقد صرح شاهد آخر، جيتو ماك وهو محاضر جامعي. قال لوكالة أسوشيتيد برس: “لقد بدأوا في قتل الأشخاص الذين كانوا يهربون من الكنيسة إلى المنازل أو من منزل إلى منزل، لمجرد أنهم كانوا في الشارع”.
كما أكد الشماس أنه أحصى جثث القتلى في المجزرة. زاعمًا أن القوات الإثيوبية تركت الجثث في الشوارع لعدة أيام لتصبح نهبًا للضباع.
ومع تزايد روايات الشهود، غردت وزارة الخارجية الإثيوبية، عبر “تويتر”، باعترافها بوجود انتهاككات لحقوق الإنسان. حيث جاءت التغريدة بأن الاغتصاب والنهب والقتل الجماعي حدث بالفعل في ميكادرا، وجاري التحقق منه. على الرغم من استمرارها في إنكار مسؤولية النظام الإثيوبي، وتجاهل روايات شهود العيان عن مشاركة القوات الإريترية.
المحكمة الجنائية الدولية وإمكانية الإحالة
رغم أن التلويح بإمكانية إحالة آبي للمحكمة الجنائية الدولية -الذي تأمله المعارضة الإثيوبية- هو أمر مفهوم. لكنه شبه مستحيل حاليًا، ولا يمكن للمحكمة الجنائية الدولية ممارسة اختصاصها على إثيوبيا. كون الأخيرة لم توقع على نظام روما الأساسي المحكمة الجنائية الدولية -المعاهدة المنشئة للمحكمة.
وبالتالي، لن تتمكن المحكمة الجنائية بالتحقيق إلا في حال تمت الإحالة من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وهو أمر يتطلب موافقة الدول أصحاب حق الفيتو، كما حدث في حالة السودان. حيث جاءت الإحالة من مجلس الأمن في يوليو 2002. أو الإحالة الذاتية من الدولة نفسها (وهو أمر مستبعد بالتأكيد) لكنه يتفق والمادة 12 (3) من نظام روما الأساسي. لذا لا توجد إمكانية قريبة أن تحقق المحكمة الجنائية الدولية في الوضع في إثيوبيا.
“الولاية القضائية الإقليمية” حالة أخرى يمكن بها نظريًا الإحالة للمحكمة الجنائية الدولية. وهي أمر طبق في حالة “ميانمار” مثلاً في أعقاب الترحيل لأفراد شعب الروهينجا إلى بنجلاديش؛ الدولة العضو في نظام روما الأساسي. لكن هذا أيضًا شرط غير متحقق في حالة إثيوبيا.
أخيرًا، فإن التلويح بإحالة رئيس دولة في الحكم فعليًا للمحكمة الجنائية الدولية كما حدث مع الرئيس السوداني السابق عمر البشير أمر محل جدل. فكيف يمكن للمحكمة استدعاء من في الحكم للتحقيق؟ ناهيك عن إمكانية تنفيذ حكم قد يصدر ضد الرئيس. هذا أمر مستحيل عمليًا. بل تعتبره بعض الدول تدخلاً في الشأن الداخلي للدول. وهو ما دفع دولة كجنوب أفريقيا سابقًا إلى التهديد بالانسحاب من نظام روما الأساسي. بعد صدور أمر الضبط الأول للبشير عام 2009 وأمر الضبط الثاني 2010. رفضت جنوب أفريقيا تنفيذ أمر الضبط وتسليم البشير بعد وصوله أراضيها لحضور المؤتمر الخامس والعشرين للاتحاد الأفريقي عام 2015.
الخوف الإثيوبي من عضوية المحكمة
ليس خفيًا على أحد أن التصديق على نظام روما الأساسي جواز مرور لعضوية المحكمة الجنائية الدولية. وهو يتطلب بالتأكيد رغبة الدولة في عدم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وبالتالي، يصبح من الناحية النظرية تفسير خوف الدول من التصديق على نظام روما الأساسي متعلق بأسباب: التكلفة المرتفعة لتعديل التصديق على المعاهدة – وجود عقبات التصديق – تفاوت المعايير المستخدمة – الخوف من المساءلة المحتملة عن انتهاك شروط المعاهدة المفتوحة للتصديق.
المتفحص للحالة الإثيوبية سيجد أن الأسباب الثلاثة الأولى ليست هي العوامل الكامنة وراء رفض إثيوبيا التصديق على قانون روما الأساسي. فأولاً، تكلفة تعديل التصديق على نظام روما الأساسي تمتثل في شروط نظام روما الأساسي. بعبارة أخرى، كون دولة طرفًا في المحكمة الجنائية الدولية يستلزم الالتزام بالامتناع عن ارتكاب جرائم دولية خطيرة وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وتقديم المسؤولين عن الجرائم الجسيمة إلى العدالة.
ثانيًا، استنادًا إلى ممارسات التصديق على المعاهدة، لا يتوقع أن تواجه الحكومة أي عقبات محتملة للتصديق. ففي حين أن التفاوض بشأن المعاهدات الدولية وتوقيعها هي من صلاحيات الحكومة الفيدرالية، فإن التصديق على المعاهدات هو من سلطة مجلس النواب. ومن الناحية العملية، من غير المرجح أن يرفض مجلس النواب المعاهدات التي تم التفاوض عليها وتوقيعها من قبل الحكومة.
ثالثًا، لا يتعارض الإطار القانوني الإثيوبي مع الإطار القانوني للمحكمة الجنائية الدولية. فالجرائم ضد الإنسانية هي جرائم لا يمكن العفو عنها بموجب الدستور الإثيوبي. ذلك على الرغم من أن القانون الجنائي لا يعرّفها.
من ثم، فبالنظر إلى سجل إثيوبيا السيئ في مجال حقوق الإنسان ليس في إقليم التيجراي وحده؛ فإن السبب الأكثر ترجيحًا لتفسير رفض إثيوبيا الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية هو الخوف من المساءلة الجنائية المحتملة فيما يخص انتهاكات حقوق الإنسان.
إن إنشاء المحكمة الجنائية الدولية تم بالتوقيع على نظام روما الأساسي المعاهدة المنشئة للمحكمة، والذي دخل حيز التنفيذ في 1 يوليو 2002، بعضوية 123 دولة، من بينها 33 دولة أفريقية. بما في ذلك دول جوار لإثيوبيا مثل كينيا وجيبوتي دخلت أطرافًا في نظام روما الأساسي. بينما تبقى إثيوبيا غير مصدقة بعد على نظام روما الأساسي.