بين الحين والآخر تظهر الألعاب الإلكرونية التي تغزو مواقع التواصل وتجذب إليها الصغار قبل الكبار. ولكن بعض هذه الألعاب أودت بحياة العديد من المراهقين. لعل آخرها ما يعرف بتحدي “الوشاح الأزرق” أو ما يسمى بـ”فقدان الوعي blackout”. وتقوم الوشاح الأزرق على جلوس المستخدم في غرفة مظلمة وتصوير نفسه أثناء قيامه بخنق نفسه متعمدًا في إطار اللعبة، الأمر الذي أدى لحدوث حالات وفيات.
التحدي المنتشر في صفوف مستخدمي تطبيق “تيك توك” المعروف بـ”تحدي التعتيم” أثار حالة من الجدل بالعديد من البلدان ومنها مصر. لكن كيف تعاملت دول العالم من هذا النوع من الألعاب؟ وأين الضوابط المصرية المُحددة لتلك التطبيقات داخل مصر؟. وموقف البرلمان من التصدي للعبة “تحدي التعتيم” بعد حجبها ببعض البلدان الأجنبية؟.
ما هو الوشاح الأزرق “تحدي التعتيم”؟
الوشاح الأزرق أو تحدي التعتيم واحدة من بين ألعاب إلكترونية فرضت نفسها على المجتمع خلال السنوات الأخيرة مثل الحوت الأزرق. في البداية يسجل الضحية على اللعبة من خلال حساب عبر “تيك توك” فقط، ثم يطلب من اللاعب تحدي تعتيم الغرفة. ومن هنا جاء مصطلح “تحدي التعتيم أو Blackout challenge”.
كذلك يعتمد التحدي على جلوس الطفل في غرفة مظلمة وتصوير نفسه أثناء قيامه بخنق نفسه بشكل متعمد في إطار اللعبة. بعد ذلك يسجل المشارك مشاهد للحظات كتم النفس، بحجة أنهم سيشعرون بأحاسيس مختلفة. وأنهم سيخوضون تجربة لا مثيل لها.
الأمر نجح مع بعض المشاركين في التحدي بالفعل حيث استخدموا هاتفهم لتصوير أدائهم. بينما توفى البعض الآخر. منهم حالات في مصر شاب يدعى أدهم 18 عامًا وعدد من البلدان العربية والأجنبية. فاللعبة إن لم تؤد إلى الموت، فإنها تؤثر على خلايا الدماغ، ومن ثم تؤدي إلى فقدان الوعي.
تحذير “تيك توك”
خبير تكنولوجيا المعلومات محمد الجندي يحذر من تطبيق “تيك توك” وضرورة توخي الحذر في التعامل مع الألعاب المشابهة. كذلك طالب مستخدمي “تحدي الوشاح” بالإبلاغ عن الأشخاص المشاركين دون السن على أمل أن يتم منع التطبيق من الانتشار. عن طريق الضغط على الثلاث نقاط بجوار الفيديو، ثم اختيار إبلاغ، وبعد ذلك تحديد الأسباب التي قد تدفع مستخدمي اللعبة للانتحار.
كذلك أضاف الجندي لـ”مصر 360″، أنه وفق قواعد استخدام “تيك توك”، يجب ألا يقل عمر المستخدمين عن 13 عامًا. مع وجود قيود إضافية قد يتم وضعها أمام المستخدمين، وعند معرفة وجود شخص أقل من العمر المحدد يحظره التطبيق فورًا.
كما لفت إلى أهمية الالتزام بتلك الضوابط وقواعد الاستخدام لمنع الدخول تلك التطبيقات لمن لا تنطبق عليهم شروط الفئة العمرية. بينما حذر من الدخول بحسابات مزيفة تجنبًا للتعرض لأية شيء لا يناسب الفئات العمرية الصغيرة وتجعلهم أكثر للخطر.
بدء التقاضي لغلق التطبيق
اللعبة المميتة وصلت إلى ساحات القضاء، بتقديم المحامي أيمن محفوظ، بلاغًا للنائب العام، ضد مبرمجي اللعبة والمطالبة بحجبها. كذلك إلزام وسائل الإعلام بضرورة التوعية ضد مخاطرها، واصفها بأنها لعبة “قاتلة” تشبه تعاطي المخدرات.
محفوظ صرح لـ”مصر 360″، أن لعبة التعتيم أو ما يطلق عليها الوشاح الأزرق، ليست مجرد لعبة طفولية على تيك توك. ولكنها للأسف لعبة قاتلة، والتي فيها يمتنع المشارك في التحدي عن التنفس، حتى يفقد وعيه لإيهامه بشعور بأحاسيس قوية. وهو ما يشبه تعاطي المخدرات. كذلك لإثبات الذات.
كذلك يضيف: “ليست هذه هي المرة الأولى التي تُصدر إلينا مثل تلك الألعاب القاتلة. سبق لنا المعاناة من لعبة الحوت الأزرق. التي دفعت العديد من المراهقين للانتحار، وأيضًا لعبة “جاتا المصرية”، التي دفعت الشباب لارتكاب عمليات تخريب بالمجتمع.
كما تساءل محفوظ بشأن الأحاسيس التي يمكن أن يشعر بها المراهق التي قد تدفعه للانتحار وكتم أنفاسه للشعور بها. فاللعبة تمارس تحدي للمراهق من أجل إثبات قدرته على التحمل. لكن تؤدي به في نهاية المطاف للموت.
البرلمان يتحرك لحجب الألعاب الخطرة
في أولى خطوات مجلس النواب للتصدي للألعاب الإلكترونية الخطرة تقدم النائب أحمد حتة، عضو لجنة الاتصالات بمجلس النواب. بطلب إحاطة إلى كل من رئيس الوزراء ووزير الاتصالات؛ لحجب ما يطلق عليها تحدي التعتيم أو لعبة “الوشاح الأزرق”. التي انتشرت بشكل كبير بين الشباب وأثارت جدلًا بين المصريين، بل وعدد من دول العالم خلال الفترة الماضية.
كذلك قال حتة إن خطورة هذه الألعاب تتزايد وتسببت في وفاة بعض المراهقين والأطفال الذين يشاركون فيها. ولا يجب أن تقف الدولة ووزارة الاتصالات وكل الأجهزة المعنية مكتوفة الأيدي؛ خصوصًا أنها ليست المرة الأولى. كما طالب بحجب لعبة الوشاح الأزرق وغيرها من الألعاب التي تهدد حياة الشباب المراهقين. فوصل الأمر إلى انتحار شاب؛ ما أعاد إلى الأذهان الألعاب الإلكترونية المميتة التي انتشرت على أجهزة الهاتف المحمول. وتسببت في حالات انتحار ووفاة لعدد من الشباب؛ ومنها اللعبة الشهيرة “الحوت الأزرق”.
النائب محمد عرفات عضو مجلس النواب، عن محافظة البحيرة، تقدم ببيان عاجل وطلب مناقشة أيضًا حول لعبة “الوشاح الأزرق”. كذلك أكد أنه تقدم ببيان عاجل إلى الحكومة لحجب هذه اللعبة ومراقبة محتوى مثل هذه الألعاب الخطيرة التي تؤدي إلى الوفاة.
كما أضاف أنه يجب وقف تطبيق “تيك توك” الإلكتروني وحجبه، ولن تكون مصر الدولة الأولى التي تفعل ذلك. كذلك قررت السلطات الإيطالية حجب تطبيق “تيك توك”.
ضوابط مجتمعية أم تقييد حريات
عقب وقوع حالات وفاة بين عدد من المراهقين داخل مصر، بدأت حالة من الجدال المجتمعي حول ضوابط الألعاب الإلكترونية. فيقول خالد الزهيري المحامي بالنقض، إن هناك ضوابط واضحة ومحددة تلتزم بها منصات الألعاب الإلكترونية حول العالم. كذلك يحاول مستخدمو تلك المنصات بشتى الطرق التحايل ببيانات مُزيفة للاستفادة من منتجاتها أو الألعاب الموجودة عليها. وبالتالي فالإشكالية الحقيقية تكمن في عدم توافر معايير محدده تفصل بين مستوى الحرية والتجاوز في استخدام الألعاب الخطرة والمميتة.
هنا يتعلق الأمر بالأسرة ومدى مراقبتها للأطفال وسلوكهم المجتمعي في التعامل مع منصات الألعاب الإلكترونية وغيرها. من التطبيقات المنتشرة حديثًا على الإنترنت. كذلك منع منصات الألعاب الإلكترونية بشكل مهائي يُعد أمر مخالفًا وتقييدًا لحريات البعض في الاستمتاع بها. لكن يجب زيادة ضوابط استخدام تلك التطبيقات على الأشخاص الذين يتجاوزن الـ 21 عامًا بحسب الزهيري.
كذلك فأن الأمر له شق تربوي ومجتمعي من خلال الأسرة، فالأطفال في مرحلة المراهقة يجب أن تكون الرقابة عليهم أكثر شدة. وهو ما يتسبب في وقوع ضحايا للتطبيقات الخطرة التي لا يستطيع الأطفال التفريق بينها بحسب المحامي.
كما يرى أن فرصة مصر في إلزام إحدى الشركات الدولية على تغيير أي من محتوياتها ضعيفة. كذلك يتوقف الأمر على تطبيق مزيد من الضوابط بالتعاون مع تلك الشركات لمنع طرح تلك التطبيقات الخطرة داخليًا.
هل يمكن حجب التطبيقات والألعاب الخطرة؟
وزارة الاتصالات لديها القدرة على حجب مواقع وتطبيقات الإنترنت في مصر. مثلما حدث في 2011 قبل تخلي الرئيس الأسبق مبارك عن الحكم وقيام الحكومة آنذاك بحجب الإنترنت داخليًا. بحسل محمد سالم المحامي بمجلس الدولة والدستورية.
هناك طرق عدة يمكن من خلالها حجب الألعاب والتطبيقات الخطرة داخليًا، خاصة وأن الأمر من الناحية التكنولوجية قابل للتنفيذ. كما أشار إلى أنه حال تطبيق هذا المنع فإن قدرات المستخدم العادي في الدخول إلى التطبيقات الإلكترونية لن تمكنه من هذا. حيث يتم وضع برمجيات تمنع التطبيقات والألعاب ذات أسماء معينة من أن يتم فتحها في مصر.
أشار أيضًا إلى أنه يمكن تنفيذ قرار حجب التطبيقات الإلكترونية وما يُبث عنها من ألعاب مدمرة للمراهقين. بقيام وزارة الاتصالات بمخاطبة الشركة صاحبة التطبيق لاتخاذ ما يلزم من الناحية الفنية.
على النقيض يرى مصدر بالجهاز القومي لتنظيم الاتصالات، أن خطوات منع الألعاب الإلكترونية لا تعني أن الدخول إليها سيكون مستحيلًا. فهناك طرق جانبية تمكن الأشخاص من الدخول إليها.
كما أشار لـ”مصر 360″، إلى أن استخدم الأشخاص طرقًا تقنية محترفة قد تُمكنهم من اختراق حجب الألعاب الذي تفرضه الدولة. وبالتالي لن تتم السيطرة على وضع حجب الموقع. كذلك لفت إلى أن المحاولات التي يمكن أن تبذلها الدولة في محاولة حجب الألعاب الخطرة ستكون محدودة. خاصة وأنها أجرت محاولات مشابهة لغلق بعض الألعاب وكانت مشكلتها الكبرى هي تعدد مواقع الإرسال لهذه الألعاب والتطبيقات.
كيف تتعامل دول العالم مع هذه الألعاب؟
حالات الوفاة التي وقعت بعدد من دول أوروبا جراء الألعاب الإلكترونية الخطرة أثارت ردود فعل قوية في الخارج. في الوقت الذي تتعامل فيه السلطات الأوروبية والأمريكية بحزم فيما يتعلق بتطبيقات الألعاب التي لا تهتم بحماية الأطفال الصغار. ما تسبب في خروج دعوات عدة لإجراء تنظيم أفضل للشبكات الاجتماعية المختلفة وضوابط استخدامها.
وكالة حماية البيانات الإيطالية واحدة من الوكالات الأكثر حزمًا فيما يتعلق بمتابعة كامل التطبيقات والألعاب الإلكترونية في أوروبا. ففي ديسمبر 2020، رفعت الوكالة دعوى قضائية ضد TikTok، زاعمة “عدم الاهتمام بحماية القاصرين”. كذلك انتقدت السهولة التي يمكن للأطفال الصغار من خلالها الاشتراك في تطبيق الفيديوهات الشهير.
من ناحية أخرى عقبت رئيسة اللجنة البرلمانية الإيطالية لحماية الطفل ليسيا رونزولي، على حالات الوفاة التي حدثت في بلادها. كما أكدت أنه لا يمكن للشبكات الاجتماعية أن تصبح غابة يُسمح فيها بأي شيء. ما قد يدمر أجيال من الأطفال دون وعي.
ووفق “دويتش فيلا الألمانية” فإن الإجراءات الحازمة من دول أوروبا لمواجهة تلك الألعاب الخطرة. دفعت مسئولي تطبيق “تيك توك” لمراجعة حساباتهم فيما يُبث داخل أوروبا وأمريكا. ففي 14 فبراير الماضي قال المتحدث باسم “TikTok” إن سلامة المجتمع هي أولويتنا المطلقة. ولهذا السبب لا نسمح بأي محتوى يشجع أو يروج أو يمجد السلوك الذي يمكن أن يكون خطيرًا.
إيطاليا تحجب والإمارات تحذر
عدوى “الوشاح الأزرق” انتقلت إلى الكثير من البلدان وتسببت في مقتل واختناق عدد من الأطفال. من بين الدول الأوروبية إيطاليا التي قررت حجب تطبيق “تيك توك” الصيني داخل البلاد مؤقتًا، بعد وفاة طفلة عمرها 10 سنوات.
وفقًا لصحيفة “جارديان” البريطانية، فالفتاة ربطت حزامًا حول رقبتها ونفذت التحدي، ما سبب اختناقا فوريًا بالمخ وأودى بحياتها. كذلك التحقيقات التي أجريت في الواقعة هناك دفعت السلطات لمنع التطبيق للذين لا يمكن إثبات عمرهم بشكل قاطع.
وفي الإمارات حذرّت جمعية حماية الطفل من أن ما يقع من حوادث بسبب الألعاب الإلكترونية الخطرة التي تظهر من فترة إلى أخرى. يعود إلى إهمال من جانب الأهالي، وضعف التواصل والرقابة الأبوية وبناء وعي ذاتي لدى الأطفال.
كما أكدت أن هناك مسؤولية مجتمعية مشتركة لدرء مخاطر التقنيات الحديثة، والحد من تأثير الألعاب الإلكترونية الخطرة في الأطفال. وفي مقدمتها الأسرة والمدرسة، ومؤسسات المجتمع المدني. وشركات الاتصالات الوطنية، التي يقع على عاتقها مسؤولية تطوير ممكنات رقابة الأهالي، وتوعية الجمهور بالتزامن مع بيع خدماتهم وتسويقها.
جمعية الإمارات لحماية الطفل دعت إلى دراسة إلزام مزودي خدمة الإنترنت في الدولة بتوفير ممكنات رقابية أبوية مجانية. للحد والوقاية من الجوانب السلبية الناتجة عن المحتوى الإلكتروني السلبي والخطر. كذلك دعوة الشركات المطورة إلى حجب المحتوى ذو التأثير السلبي، ووضع دليل إرشادي بالشركات المطورة للألعاب بالإبلاغ عن أي محتوى غير لائق للأطفال ويهدد سلامتهم.
كما اقترحت وضع مواصفة اتحادية تقنية بالتعاون مع الجهات المعنية تلزم الشركات مزودة الخدمة أو تبيع محتوى موجهًا للطفل. بتفعيل دليل إرشادي للرقابة الأبوية والإبلاغ عن أي محتوى يهدد سلامة الطفل.
كتب- محمود السنهوري: