دفعت سيدة السلام حياتها ثمنًا لوصاية فرضها المجتمع ولا يزال على حياة مواطنيه. بينما تعاني منها النساء بشكل خاص. ضمن عادات أكسبت البعض زورًا حق التدخل في حياة الفتيات. لاسيما المستقلات منهن، بمراقبتهن ومحاكمتهن أحيانًا. ذلك حتى في أبسط الأمور حينما تظهر هذه الوصايا في شكلها الأبوي على الراغبات في سكن. سواء كن مغتربات من إحدى محافظات مصر أو قررن الاستقلال عن الأهل. وهي هنا أزمة متعددة الأطراف. تبدأ محطاتها بالسمسار (الوسيط بين صاحب العقار والمستأجر) وتنتهي بمجموعة قواعد يفرضها أصحاب البنايات السكنية على هؤلاء النساء. فقط لأنهن وحدهن دون ذكر يأبى المجتمع أن يعترف بغيره. 

قواعد أصحاب البنايات لا تعترف بالفتيات

يفرض أصحاب البنايات السكنية قواعد تتنافى مع الحريات الفردية. خاصة لو كان المستأجر أنثى. هذا بالضبط ما واجهته “هدير” كثيرًا في رحلة بحثها عن سكن آمن. فبعد بحث طويل وجدت شقة مناسبة في منطقة وسط البلد. لكن صاحبها قرر أن يخضعها كساكنة جديدة لشروط خاصة. مقررًا أن يفرض عليها عدم السماح بالعودة إلى المنزل بعد الساعة 9 مساء. إلى جانب منع الزيارات حتى من صديقاتها الفتيات. مع الالتزام بنوع محدد من الملابس.

رفضت “هدير” الشروط المجحفة وقررت أن تواصل رحلتها في منطقة أخرى؛ الجيزة. لتجد نفسها أمام واصي آخر لكنه في هيئة سيدة هذه المرة. قررت المالكة فرض شروط أخرى على “هدير” للحصول على الجائزة؛ شقتها. هذه الشروط تضمنت المظهر الخارجي وضرورة ارتداء الحجاب. مع الالتزام بالملابس الفضفاضة وعدم العودة للمنزل بعد الساعة 8 مساء. “مفيش حد عندي بيسكن مش محجب يمكن ربنا بعتني ليك عشان تتحجبي”؛ هكذا أخبرت مالكة شقة الجيزة “هدير”.

العنف القائم على النوع الاجتماعي هو أي عمل من أعمال العنف البدني أو النفسي أو الاجتماعي بما في ذلك العنف الجنسي والذي تتم ممارسته أو التهديد بممارسته

تنقلت “هدير” بين أكثر من مكان، إلى أن وصلت أخيرًا لمنطقة ثالثة تبعد كثيرًا عن محل عملها. أرهقت من البحث الطويل، فرضيت بأن تدفع القيمة الإيجارية المعلنة 400 جنيه. هذا أمر حميد بعد هذا المشوار المرهق بحثًا عن المسكن. لكنها اكتشفت بعد وصولها أنه وإن لم يكن هناك أوصياء هذه المرة، فهي مضطرة لدفع قيمة أعلى من الإيجار المعلن. لأنها “بنت”. صاحبة الشقة رفعت الإيجار إلى 600 جنيه، واضطرت “هدير” لقبول هذا كي لا تعيد كرتها.

بعد السُكن، وجدت “هدير” نفسها مراقبة من قبل الجيران الذين كانوا يعاقبونها في حال التأخير في العودة بعدم منحها نسخة من مفتاح باب البناية. الباب يغلق في تمام الساعة 10 مساءً، بالاتفاق مع مالكة الشقة، فإن تأخرت لا يسمح لها بالدخول. “الجيران كانت بتشوفني من البلكونة وبطلب منهم المفتاح فيرفضوا مساعدتي لأني في نظرهم تأخرت كثيرًا رغم أن الساعة لم تكن تتجاوز الـ10”.

انتهي الحال بهذه الفتاة في سكن وفر لها الآمان. لكنه آمان بتكلفة التهمت أغلب راتبها. ليس لشيء إلا لأنها فتاة والمجتمع لا يتقبل الاستقلال إلا للذكور.

اقرأ أيضًا: قوانين عفا عليها الزمن.. مجتمع “الصعايدة” أسرار وخبايا لا تنتهي

الفتيات وولاية حارس العقار.. حامي حمى العقار

“احنا عايشين ناجيات من القتل”؛ تحكي “نورهان” عن معاناتها مع حارس العقار في البناية التي تسكنها. وقد نصب نفسه واصيًا عليها، الحد الذي وصل إلى مهاتفته والدها لإخباره برواية تشكك في أخلاقها. تطلب “نورهان” يوميًا سيارة “أوبر” لتوصيلها ذهابًا وإيابًا، وهو ما لم يعلمه حارس العقار.

أنقذ هذه الفتاة أن والدها يثق في سلوكياتها. لذا حسم أمر صاحب العقار بجملة: “خليك في حالك، عربيات ايه اللي بتستنى بنتي. هي بتركب أوبر رايح وجاي ولو حتى حد بيوصلها فده من شغلها”.

على النقيض، لم يظهر حارس العقار ذاته الحرص الأخلاقي تجاه ساكن آخر اعتاد إزعاج جيرانه مساءً بإدمانه الكحول. ولم يحرك ساكنًا حين حاول هذا الساكن اقتحام شقة “نورهان” مرتين في وقت متأخر من الليل.

تأجير مستتر.. عقد الإيجار حق ممنوع عن الفتيات

حينما سعت “أميرة” لاستئجار وحدة سكنية بمنطقة الجيزة، رد صاحب العقار عليها “ليه تكتبي العقد باسمك؟”. بينما اشترط أن يأتي والدها من محافظته التي تبعد أكثر من 500 كم ليشاركها جلسة التوقيع على عقد الإيجار، تجنبًا لردود فعل أن فتاة تسكن وحدها.

لم تكن أزمة “أميرة” مع أسرتها التي ستستقل عنها وإنما مع الوصي الجديد صاحب البناية. الذي ما كان منه إلا أن يقابل طلب حصولها على وحدة بعقاره بجملة “ما الوالد موجود!”.

أكثر من 9 سنوات قضتها أميرة في القاهرة بعيدًا عن الأهل، تنقلت بين أكثر من بناية ومنطقة، لكن جميعها كان الأهل في الصورة، كعامل مساعد. تفاديًا لرفض أصحاب العقارات. ورغم عدم اختلاطها بأحد إلا أن أحد الجيران قرر أن يولي نفسه متحريًا، ليعلم مالك البناية الأخيرة، بأنها تسكن بمفردها وليست مع العائلة كما ادعت، ليولي نفسه عليها وصيًا.

“بنتعامل مع مجتمع لا يقبل تسكين الفتيات سواء كن بمفردهن أو مع مجموعة أخرى من الفتيات”

هو مجتمع لا يقبل تسكين الفتيات

“بنتعامل مع مجتمع لا يقبل تسكين الفتيات سواء كن بمفردهن أو مع مجموعة أخرى من الفتيات”؛ تقول “إيناس”. وهي كسابقاتها من الفتيات تنقلت بين مناطق عدة أملاً في الحصول على شقة ملائمة لـ 10 سنوات كاملة.

بدأت إيناس رحلتها من منطقة وسط البلد، والسيدة زينب، ثم عابدين والجيزة، التي وجدت بها عددًا مناسب من الشقق للإيجار. لكن لم يكن أيضًا مسموحًا لها باستئجار إحداها لكونها “فتاة”.

استعانت إيناس بـ”سمسار” ليسهل عليها البحث. “كانوا بيغلوا عليا إيجار السمسرة واللي كان بيفوق تمن الشقة لمجرد إنهم هيساعدوني وأنا بنت وحيدة”.

في نهاية المطاف وجدت “إيناس” نفسها أمام شقة تفوق قدرتها المالية. كانت تعمل لدفع إيجارها فقط، الذي كانت تطبق عليه زيادة سنوية. وقد اضطررت في نهاية المطاف إلى تركها لعدم استطاعتها استكمال الإيجار.

عنف على أساس النوع الاجتماعي 

تتعرض النساء في مصر إلى إقصاء ممنهج يحول بينهن وبين حصولهن على سكن آمن، بالمقارنة بالرجال. وهو ما يعد نوعًا من أنواع العنف القائم على أساس النوع الاجتماعي. وهو في الحالات السابقة يستمد أصوله من الاختلال الاجتماعي في الأدوار بين الرجل والمرأة. إلى جانب دعم المفاهيم الاجتماعية الأبوية والسلطوية. بينما  تزداد حدته في أوقات النزاع والصراعات المسلحة وأثناء الكوارث الطبيعية، بحسب مؤسسة “ويكي جندر”.

وتعرف هيئة الأمم المتحدة للسكان العنف القائم على النوع الاجتماعي، بأنه “أي عمل من أعمال العنف البدني أو النفسي أو الاجتماعي بما في ذلك العنف الجنسي والذي تتم ممارسته أو التهديد بممارسته (مثل العنف، أو التهديد، أو القسر، أو الاستغلال، أو الخداع، أو التلاعب بالمفاهيم الثقافية، أو استخدام الأسلحة، أو استغلال الظروف الاقتصادية)”.