بعثت العملية النوعية التي نفذها الجيش الليبى، قبل أيام، بالقبض على القيادى بتنظيم داعش الإرهابي محمد ميلود المكنى بـ “أبو عمر”، بدلالات مهمة ولافتة في ما يتصل بأثرها السياسي والأمني المباشر، ومآلات ذلك، محلياً وإقليمياً.

ويبرز سقوط القيادي بالتنظيم الإرهابي أثناء تواجده في مدينة أوبارى بحى الشارب، الواقع فى جنوب ليبيا، تحولاً مغايراً في ظل المسار السياسي الجديد الذي جرى تدشينة، بينما تبدو القوى الأمنية والعسكرية كتلة صلبة وحيوية، تتحرك باتجاه غلق الساحات الخلفية للمجموعات المسلحة التي تنشط في جنوب وغرب ليبيا. وهو الأمر الذي سوف تنعكس تداعياته على امتداداتهم في أفريقيا.

أبو عمر والبنيان المرصوص

ظهر “أبو عمر” أثناء الاقتتال الدموي في عملية البنيان المرصوص، عام 2016، حيث أضحى الرجل الثاني في تنظيم داعش الإرهابي، إثر مقتل أمير التنظيم أبو عامر الليبي. وفي عام 2015، أثناء سيطرة التنظيم على سرت، وقعت حادثة ذبح المصريين الأقباط. وقد كشفت مكتب النائب العام الليبي في النصف الثاني من عام ٢٠١٧، العثور على 21 جثة للأقباط المصريين الذين ذبحوا على يد داعش. وذلك بعدما أعلن رئيس التحقيقات بمكتب النائب العام الليبي القبض على منفذ ومصور والواقعة الدموية.

وتتابعت العمليات التي قام بها الجيش الوطني الليبي لتحرير سرت من العناصر المنتمية للتنظيمات الإرهابية، والتي توافرت لها ملاذات آمنة أثناء حكومة فايز السراج. وفي مطلع عام 2019، قال العميد أحمد المسماري، الناطق الرسمي باسم الجيش الليبي، إن القوات المسلحة “مشطت جنوب ليبيا بالكامل وحددت مواقع الإرهابيين قبل الإعلان عن تطهير الجنوب”، وتم تحديد كل ما يلزم لنجاح العملية العسكرية”.

أبو طلحة وعبدالله الدسوقي

وأضاف المسماري أن “أولى العمليات كانت، استهداف الإرهابي عبدالمنعم الحسناوي أو “أبوطلحة”، وهو مجرم خطير وتم قتله. ويضاف إلى ذلك مقتل الإرهابي “دنقو” والذي شارك في عملية ذبح الأقباط، وكذلك عبدالله الدسوقي وهو إرهابي مصري ينتمي لتنظيم القاعدة”.

وأردف المسماري أن الإرهابي دنقو انضم لـ”داعش” عام 2014 وشارك في عدة عمليات أهمها ذبح الأقباط وغيرها، و”أبو طلحة” كان من أخطر الإرهابيين الموجودين في ليبيا”.

ويؤكد الباحث المتخصص في شؤون الحركات الإسلامية، ماهر فرغلي، أن العملية التي نفذتها القوات المسلحة الليبية، تبرز دلالتها من ناحية فرض القبضة الأمنية على الجيوب الجديدة التي شكلها التنظيم الإرهابي المسلح في الصحراء الليبية الجنوبية، وأهم مدنها الكفرة في الجنوب الشرقي، وكذا مدينة سبها، وقد تحولت لمناطق نفوذ محتملة وقائمة.

المهدي سالم دنقو

ويوضح لـ”مصر 360″: “أعاد تنظيم داعش ترتيب مواقعه، والتجمع في خلايا أصغر، وأكثر انتشاراً جغرافياً، عبر بعض الدول الإفريقية المجاورة، فهو، الآن، متواجد وبقوة في بوركينا فاسو ومالي، وكان قد أسس التنظيم عقب مقتل أبو بكر البغدادي جيشاً له في الصحراء بقيادة الليبي المهدي سالم دنقو المكنى بـ “أبو بركات”. ويضم ذلك الجيش 3 كتائب على الأقل تحت قيادة “دنقو” ولكل منها قائد. وعقب مقتل الأخير أشرف على منطقة جنوب ليبيا والساحل زعيم التنظيم الإرهابي في منطقة الساحل أبو الوليد الصحراوي، الذي أدلى بحوار قريب في صحيفة النبأ التابعة لداعش، أكد فيه قرب عودتهم للشمال. ومن هنا، تأتي أهمية العملية العسكرية التي تتحرى مواجهة امتدادات التنظيم المحلية والخارجية”.

ويردف فرغلي بأن “التنظيم الإرهابي يعمل الآن وفق هيكلة جديدة؛ تعتمد على حروب الاستنزاف بواسطة الخلايا والذئاب المنفردة، وكذلك الخلافة السيبرانية، التي تتولى النشاط على الفضاء الإلكتروني ومواقع الانترنت لتدشين عمليات الاستقطاب والقرصنة والتجنيد والتمويل. وهذا كله يشير لاستمراره لفترة ليست بالقصيرة، بيد أن جهود الاستقرار السياسي في ليبيا وتوحيد ودعم المؤسسات الأمنية والقوى العسكري سوف تثمر عن تقدم يساهم في تقليل الخطر”.

وثمن القيادي الليبي، الدكتور عبد المنعم اليسير رئيس لجنة الأمن القومي في المؤتمر الوطني السابق، الدور اللافت الذي قامت به القوات المسلحة الليبية في سد بؤر الإرهاب والانفلات الأمني.

نشاط الجيش الليبي

ويوضح لـ”مصر 360″ أن ما يقوم به الجيش الوطني الليبي من محاربة للارهاب، أمر ضروري وجاد لمنع توطين الجماعات الإرهابية في ليبيا، وعدم إيجاد بيئة مواتية لنشاط المسلحة، وتصفية وجودها كحالة أمنية وسياسية.

ليست المرة الأولى التي تحقق القوات المسلحة تقدما في هذا الشأن، إنما ثمة سوابق عديدة في إطار مكافحة تلك العناصر والتنظيمات من قبل القوات المسلحة، حيث قامت بالقبض على 50 فرداً شكلوا خلية في سرت بقيادة الصديق بن سعود الذي تولى مدير أمن المدينة الساحلية أثناء حكومة الوفاق، منتصف العام الماضي. وكانت تخطط لعمليات ضد الجيش ومحاولة محاصرته. ثم القبض على مصطفى الزوبيك المصراتي، أحد القيادات الإعلامية في تنظيم “داعش، وفقا لرئيس لجنة الأمن القومي في المؤتمر الوطني السابق.

ويضيف اليسير أن سيطرة المجموعات المسلحة في ليبيا، لم تأت مصادفة بل كانت نتيحة لسيطرة بعض الجماعات الإرهابية على موسسات مهمة في الدولة الليبية، لافتاً إلى أن “هذه المجموعات الإرهابية التي تمكنت من الفرار من سرت وبنغازي ودرنة وانتشرت في الغرب والجنوب انضم الكثير منها للمليشيات التي يتم تمويلها من حكومة الوفاق”.

محمد ميلود (أبو عمر)

ويتابع: “أي برنامج فعال للقضاء على هذه المجموعات الارهابية المنتشرة في ليبيا يبدأ بتنفيذ جميع بنود اتفاق  5+5. ولن ينجح إلا بدعم قوي للقوات المسلحة العربية الليبية من مجلس الأمن”.

ووفقا لبيان للقوات المسلحة العربية الليبية، الذي نشره اللواء أحمد المسمارى المتحدث باسم الجيش الليبى: “قامت مجموعة عمليات المهام الخاصة التابعة للقيادة العامة للقوات المسلحة العربية الليبية بعمليه نوعية فى مدينة أوبارى حى الشارب، حيث استهدفت القيادى بتنظيم داعش الإرهابى المدعو محمد ميلود محمد “المكنى أبوعمر”.

وقاد “أبو عمر” عمليات إرهابية. من أبرزها مشاركته فى الهجوم على الهلال النفطى، بينما أصيب بطلق نارى فى البطن ونقل على إثره للعلاج إلى مدينة الجفرة وتلقى العلاج هناك.

وبحسب بيان الجيش الليبي، فإنه “عاد إلى مدينه سرت بعد شفائه من الإصابة، وتلقى دورات شرعية وإرهابية على يد أكبر قادة التنظيم بسرت. كما تربطه علاقة قوية مع أمير تنظيم داعش فى ليبيا أبومعاذ العراقى الذى قتل فى مدينة سبها، إثر عملية عسكرية قام بها الجيش الوطنى الليبى فى شهر سبتمبر العام الماضى. وقتل معه قادة من تنظيم داعش بعد ما أصبح والى تنظيم داعش فى شمال أفريقيا”.

التنظيم يهزم في سرت

كما عاد القيادي بالتنظيم الإرهابي إلى مدينة أوبارى إثر هزيمة التنظيم فى مدينة سرت. ومن ثم، قام بتشكيل خلية إرهابية بمدينة أوبارى وقام بعمليات إرهابية منها؛ خطف أربع مهندسين ايطاليين فى سنة 2016 وطالب بفدية تقدر أربعة مليون يورو، مقابل إطلاق سراحهم وقد تمت الصفقة واستلم محمد ميلود أبو عمر التارقى القيمة المتفق عليها.

وفى عام 2019 اجتمع مع مهدى دنقو أبو البركات فى مدينة أوبارى. ثم ذهب إلى مدينة مرزق للقاء أبو معاذ العراقى، وفقاً لبيان القوات المسلحة في ليبيا، بهدف “التنسيق لعمليات عسكرية فى الجنوب الغربى، كما أن لديه علاقة مع أبو الوليد الصحراوى آمر تنظيم داعش فى مالى والنيجر”.

وإلى ذلك، يشير مفوض عام مجلس التعاون الدولي والعلاقات الدبلوماسية في ليبيا، عادل ياسين، إلى أن القبض على هذا العنصر الإرهابي الخطير الذي تورط في حوادث إرهابية في ليبيا، يعكس أهمية العملية النوعية التي نفذتها فرق متخصصة من القوات المسلحة العربية الليبية، والتي قامت على معلومات استخباراتية دقيقة وتعكس حجم الكفاءة والثقة”.

دور الجيش الوطني الليبي

ويرجح مفوض عام مجلس التعاون الدولي والعلاقات الدبلوماسية في ليبيا حدوث عمليات نوعية أخرى لملاحقة الارهابيين في ملاذاتهم الآمنة، ويتابع: “محمد ميلود يعتبر من العناصر الخطيرة والمراوغة وقد تمركز في المنطقة الغربية والجنوبية، بينما كانت المخابرات الليبية والقوات العسكرية تترصد له ومن معه، وتتابع خطواته حتى نجح الجيش الليبي في القبض عليه وتسليمه للقيادة العسكرية، ونعلم أن الارهابيين يأتيهم الدعم الخاريجي واللوجيستي من دول باتت معروفة، ولذلك، لا أحد يستهين بهذه العناصر الإرهابية والمسلحة التي توافرت لهم التدريب والمعلومات والسلاح”.

تعتبر القوات المسلحة الليبية قوة إقليمية وازنة، في الوقت الحالي، إذ إنها تقوم بالتعاون مع الدول الداعمة لليبيا واستقرارها السياسي بالكشف عن مخابئ الارهابيين في ليبيا وامتداداتهم في إفريقيا، ومن ثم، فالقوات المسلحة والقيادة العسكرية الليبية تبعث برسائل قوية بأنها ماضية نحو تحقيق الاستقرار السياسي بحزم وتجميد نشاط وحركة المجموعات الإرهابية، ولن تترك أي مساحة للانفلات الأمني، يختم ياسين.