كلما تحدثنا عن النساء، وطالبنا بأن يتركهن المجتمع “المتدين بطبعه” في حالهن، تنهال الاتهامات بالدعوة إلى الانحلال ومخالفة شرع الله. لا أعرف حقيقة ما الذي يخالف شرع الله أو أي شريعة دينية في أن يكف الناس أذاهم عن النساء؟

الأقل تشنجًا من بين هؤلاء الغاضبين يدعون إلى “اتقاء الشبهات”. والمؤكد أن النساء حاولن لعقود -ومازلن- أن يتقين الشبهات كيفما استطعن، ولم تنقذهن كل المحاولات من الاتهامات الأخلاقية التي تنهش سمعتهن وتسمم حياتهن. ألم يحن الوقت الآن لأن نتوجه بالنصيحة لباقي المجتمع بأن كفوا أذاكم عن النساء وتوقفوا عن تتبع عوارتهن وكفوا عن تقديم الاشتباه بهن على أي احتمال آخر؟

حين نشرت رابط المقال السابق “قتيلة السلام ضحية العنف المجتمعي الممنهج ضد النساء” مصحوبا بمقتطفات منه على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، انهال الهجوم من عشرات الرجال والنساء باتهامات الانحلال والرغبة في تدمير الأخلاق والقيم والتعدي على الشرع. في الحقيقة لا أفهم أين كانت الدعوة للانحلال في ذلك المقال أو في أي مقال آخر كتبته.

شريعتكم أنتم التي تدعو للستر على مغتصب الأطفال وتسمح بالتشهير بالنساء وقصف المحصنات لمجرد الاشتباه وليس شرع الله

ولا أجد تفسيرًا سوى أن من ينبرون بالتسرع في الهجوم لديهم أفكار مسبقة عن النساء وعمن يتحدثن عن النساء وبمجرد رؤية أي مقال يتحدث عن حقوق النساء وحمايتهن من العنف لا يزعجون أنفسهم بالقراءة والرد الموضوعي حتى وإن كان بالرفض. فالأسهل لإراحة النفس الهجوم وكيل الاتهامات بالتعدي على الشرع والدين والأخلاق لوضع كاتبة المقال في موقف دفاع عن النفس فننحرف من مناقشة القضية محل الكتابة إلى محاولة إثبات عدم التعدي على الشرع.

إنها شريعتكم يا سادة التي تمنع النساء من البحث عن حلول لمشكلاتهن الحياتية اليومية، وتسفه من رفضهن للعنف وليس شرع الله. إنها شريعتكم أنتم تلك التي توجه سهامها إلينا حين نرفض تتبع العورات واقتحام البيوت وانتهاك حرماتها وليس شرع الله أبدا. إنها شريعتكم أنتم التي تدعو للستر على مغتصب الأطفال وتسمح بالتشهير بالنساء وقصف المحصنات لمجرد الاشتباه وليس شرع الله.

شرع الله الذي أعرفه لا يفرق بين النساء والرجال فيما يتعلق بالصواب والخطأ والأخلاقي وغير الأخلاقي، حين قال “لا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا” لم يوجهها للنساء أو الرجال بل جاءت تعليمات واضحة مباشرة. أنتم تتجسسون دوما على النساء وتغتابونهن ثم تقررون عقابهن عما وقر في قلوبكم المريضة وتنفذون العقاب يأيديكم سواء بنهش سمعة النساء أو بالتعدي على بيوتهن أو بالاعتداء عليهن بالضرب أو التحرش أو السباب.

شرع الله لا يتعامل مع جريمة خطيرة كجريمة الزنا وفق شبهات لكنه يطالب لإثباتها بأربعة شهود “عدول” يقسمون يمين الله على أنهم رأوا “المرود في المكحلة”. أما أنتم بنفوسكم المريضة وتنطعكم فتتساهلون في اتهام النساء لمجرد أن واحدة خرجت في وقت متأخر، أو أن زيها لا يتوافق مع ما ترونه زيًا محتشمًا أو أنها تعمل لوقت متأخر، أو لأنها لم تتزوج أو لأنها تطلقت من زوجها.

فلنترك الحديث عن “شرع الله” كي لا يتحول إلى مضغة في أفواه المرضى والمنحرفين ومن في قلوبهم مرض، ولنتحدث معًا عن الإنسانية وعن العلاقات التي تحكم المواطنين العاديين في دولة مدنية حديثة

أنتم تنهشون نساء لا تعرفون شيئًا علم اليقين عن حياتهن وظروفهن وترمون بالاتهامات الأخلاقية ضدهن ثم تقولون إنهن عاهرات أو فاسقات انطلاقا من شبهات. هذا ليس ذلك من شرع الله في شيء، ولكنه من النفوس المريضة التي تفتئت على الشرع. ما تفعلونه في شرع الله هو مجموعة جرائم مجمعة: هو قصف للمحصنات وتجسس وتتبع للعورات وانتهاك لحرمات البيوت.

أقول لكم: فلنترك الحديث عن “شرع الله” كي لا يتحول إلى مضغة في أفواه المرضى والمنحرفين ومن في قلوبهم مرض، ولنتحدث معًا عن الإنسانية وعن العلاقات التي تحكم المواطنين العاديين في دولة مدنية حديثة.  القانون يحمي البيوت من الانتهاك ويمنع العدوان عليها ويجرم العمل بالدعارة والاتجار بالبشر. فعلى الجميع الالتزام بالقانون وعدم انتهاك حرمات البيوت والحياة الخاصة وعلى من يعلم بوجود جريمة إتجار بالبشر أو العمل بالدعارة أن يبلغ السلطات المختصة لا أن يقتحم البيوت.

أغلب من يرمون النساء بالدعارة والعهر لا يفكرون في إبلاغ الشرطة لأنهم حينها سيضطرون للإتيان ببينة توثق ادعاءاتهم

للأسف أغلب من يرمون النساء بالدعارة والعهر لا يفكرون في إبلاغ الشرطة لأنهم حينها سيضطرون للإتيان ببينة توثق ادعاءاتهم. ولأنهم لا يملكون بينات ولا أدلة فالأسهل رمي النساء بالاتهامات فالمجتمع عادة يميل للشك في المرأة ولن يطالبهم بدليل فيكفي ما يقوله الذكور بناء على اشتباهات وخيالات تخصهم وحدهم ليتم وصم المرأة مجتمعيا.

لم أؤمن أبدا بمنطق الغاية تبرر الوسيلة، ولا يمكن مواجهة الشر بارتكاب شرور مختلفة، ولا يمكن مواجهة الجريمة بارتكاب جرائم مختلفة. كما لا يمكن مواجهة “مخالفات شرعية” بارتكاب مخالفات شرعية مغايرة.

هكذا يجب أن تكون الأمور، لا يجب الاستمرار في تبرير انتهاك حرمات النساء بترديد مزاعم حول مخالفتهن “الشرع” أو “القانون” أو “الأخلاق”.  من يرغب في إقامة شرع الله فليطبق شرع الله على نفسه وعلى القاصرين من أهل بيته ليكون نموذجا يحتذى. ومن يرغب في سيادة قيم أخلاقية يراها أصيلة وواجب احترامها، عليه تطبيق تلك القيم بنفسه ليكون نموذجا للآخرين. وحين الاختلاف علينا جميعا أن نلجأ للقانون والاحتكام إليه لا العدوان على النساء.