ثورة عارمة صاحبت خبر مقتل الطبيبة أو السيدة بمدينة السلام؟ هل بحق نحن مفاجئين بتلك الواقعة؟ وماذا عن واقعة المتحرش بطفلة والتي وجدت لها من يبرر؟ وماذا عن التحرش بالنساء وانتهاكهن طيلة الوقت؟
ما هذا الزيف الذي نعيشه والتمثيلية السخيفة التي نمررها، نغضب ونثور عند انتشار واقعة بعينها وكأنها حادث فريد وغير مسبوق، نشجب وندين، وندون المنشورات على مواقع التواصل، ثم ننصرف إلى شئون حياتنا وقد أرحنا ضمائرنا وعبرنا عن ضيقنا، نمثل بشكل فج وكلنا نعلم أنه أمر متجذر في المجتمع بدئًا من عملية الختان ظنًا أنها تقضي على شهوة المرأة فلا ينفلت عيارها، مرورًا بالكثير من الجرائم التي نعرفها ولا نعرفها بينما يعرفها آخرون.
هونوا على أنفسكم أيها السادة فنحن النساء لسنا سوى جواري في هذا المجتمع، ينقصنا صك العبودية فقط، والذي أحيانًا يأتي متمثلًا في عقد الزواج.
هل أوجعكم الكشف والمواجهة؟؟
هل أقول لكم أن مبدأ التدخل في شئون أي امرأة تعيش وحيدة مبدأ متجذر في المجتمع طيلة الوقت، ويتم تمريره تحت لافتات عِدة.
تاريخ الوصاية
ربما يعتقد البعض أن الضغوط والفقر هما ما يدفعان الناس إلى التلصص والتدخل في حياة النساء العازبات تحديدًا، لكنه تاريخ أطول مما نظن ولعل بعض مشاهد في أفلام متفرقة سنجد المحتوى واحد أحدهم يسأل عن السيدة الموجودة ومن يدخل إليها ويخرج من عندها ثم يتربص الجيران لها أو له وتقوم العركة، التي في بعض الأحيان تنهيها المرأة بحسم وصوت عال
ويمكن مراجعة المشهد الذي يختلف أبطاله ومنطقته باختلاف قصة الفيلم فهناك فيلم “أيامنا الحلوة – 1955 ” فيلم (طريق الشيطان – 1963) فيلم (الزوج العازب- 1966) فيلم (الحناكيش – 1986) فيلم (توبة – 1958)، ويمكن أن نجد أفلامًا أخرى عديدة يتكرر فيها ذات الحدث، فهناك دومًا الجيران أو أصحاب البيت الذين سيسألون عن هوية الرجل الذي يدخل إلى امرأة تعيش وحدها، أما في حالات النساء اللواتي يدخلن عند رجال، فإن الأمر يتم تمريره ويكون بمثابة شطارة أو فهلوة، ذلك هو المجتمع الذي نعيش فيه ونحن مندهشين والبعض يُفاجأ بمثل هذه الحوادث وكأنه لا يلحظ ما نحن فيه.
هناك مئات وربما آلاف الجرائم التي ارتكبها آخرون واضعين لافتات الشرف والكرامة كمبرر استباقي، وبين الحمية ومآخذ الرجولة التي لا تخرج إلا في مناطق بعينها، وفي مستويات اجتماعية معروفة سلفًا، ستكون كل منا نحن النساء هي مشروع امرأة سيئة السُمعة بانتظار اعتماده وتحمل التبعات الاجتماعية.
ونعم نحن النساء نخاف الوصم بسوء السُمعة لأن ذلك عار لا يتوقف عند شخوصنا بل يمتد لأولادنا، يصنع علامة لا تُغادرنا، فتلاحقنا في أماكن العمل والسكن، ويُنتقص منا في كل شيء ذلك لأن أحدهم قرر أن امرأة سيئة السُمعة حتى ولو كان غير صفة.
منذ عِدة سنوات شاركت في دراسة عن المرأة والسياسة في المجتمعات العربية، وكانت أهم النتائج أنه أول محاولات النيل من امرأة تضطلع بالعمل السياسي هو وصمها أخلاقيًا، فتلك الطريقة تضمن للخصوم إزاحتها، ولم تكن تلك الطريقة في الحرب على المرأة فقط في مصر بل تم ممارساتها في أغلب الدول العربية، فهو سلاح مضمون فقط شكك بأخلاق المرأة وسيهرب من حولها داعميها.
الغجرية ست جيرانها
هذا المثل الشعبي الذي يعكس سلطة ونفوذ للسيدة الشرسة صاحبة الصوت العالي، لم تكن لي دراية بمدى مصداقية هذا المثل، حتي كان اليوم الذي أقوم فيه بالتصوير مع سيدة تسكن غرفة وسط غرف كل منها تسكنها عائلة، ولأن المناطق الشعبية وعت العلاقة بين الكاميرا والمال، باتت الجارات تتحدث وترفع صوتها رغبة منهن في اقتسام ما ستحصل عليه السيدة التي ضمت غرفتها كاميرا وطاقم تصوير، وظل أحد فريق العمل يطلب من الجيران خفض أصواتهم دون جدوى، وفى لحظة تحولت ضيفتنا إلى وحش كاسر، وخرجت للجيران ثم سبتهم جميعًا وتوعدت من يتحدث، وصمت الجميع، فهل قدر النساء أن يحاربن طيلة الوقت؟
عندما جئت للقاهرة بعد تخرجي من الجامعة، وبعد أن أقنعت عائلتي أن أسكن وحدي، بمساعدة خالتي وجدت شقة في حي شعبي، ولوعيّ المبكر بفكرة السُمعة وضعت قواعد كان أهمها ألا أختلط بالجيران ولا يعرف أحد عني شيئًا، كنت أتذكر تلك البدايات وكيف عانيت في كثير من التفاصيل حتى أحافظ على ذلك الوهم المسمى السُمعة الحسنة، أفكر في ألاف النساء اللواتي يقيمن وحيدات لظروف عديدة وكيف يقعن فريسة الترقب، فلا قوانين صارمة تحفظ حقوق النساء، ولا شيء يردع الآخرين عن التدخل في حياة امرأة تعيش وحدها أيا كان عمرها.
لا حامى للمرأة سوى نفوذها وطبقتها الاجتماعية العليا وما دون ذلك فهي تتعرض لصنوف الإذلال المختلفة، نعم امرأة بلا مال أو نفوذ هي فريسة مؤكدة ينالها الجميع، ففي المدرسة لا يعترفون بالأم رغم كونها التي ترعى، وتذاكر وتوصل للمدرسة لكنها لا تستطيع أن تنقل ابنها أو بنتها من مدرسة إلى أخرى.
لم ينته عصر الجواري فنحن النساء نعاني قمعًا مجتمعيًا مترامي الأطراف، مدخله الأول الوصم بسوء السُمعة، فأحد رجال العائلة يمكنه أن يقتل بنته/اخته/ زوجته تحت لافتة الشرف ويكون الحكم عليه مخففًا وأحيانًا مع إيقاف التنفيذ.
قرأت منشورًا على موقع التواصل الاجتماعي الفيس بوك للصديقة الكاتبة والمترجمة أميمة صبحي وهي تنصح الفتاة أو السيدة التي تضطرها الظروف أن تعيش وحدها بألا تتوجه بالسكن في الأحياء الشعبية أو المتوسطة، وعليها أن تتعامل بتعالي وتجاهل مع المتعاملين معها، إنني أتفق تمامًا مع رأي الصديقة أميمة فالتباسط والتواضع مدخل للانتهاك والتدخل، تبقي المشكلة الكبرى أن هذه السلوكيات تعتمد على سمات شخصية وليست كل امرأة قادرة على فعل ذلك، فماذا تفعل النساء؟
يعتمد المجتمع جملة وتفصيلًا على جهد النساء، وبالرغم من ذلك يسعى الكثيرون لدفنها حية لو استطاعوا لذلك سبيلًا، يتحدثون عن الدين الذي كرّم المرأة والقوانين التي تمنحها حقوقها فأي تكريم هذا؟ وأي قوانين تلك التي يتحدثون عنها، كلها محض بروباجندا وزيف ينكشف مع كل واقعة تُعرينا وتكشف كما نحن النسوة سبايا في بيوتنا وبلادنا.
يضم مجلس النواب في دورته الحالية عددًا كبيرًا من النساء فهل هؤلاء ستسعين لاستصدار قوانين تحمي المرأة؟ قوانين تقف ضد ادعاءات سوء السُمعة والوصم الأخلاقي؟ قوانين تُعطي للمرأة حق مساو للولاية التعليمية والمالية على أبنائها مثل الزوج؟
أم أننا جميعًا سنظل واقفات في طابور سوء السُمعة كل تأخذ نصيبها حين يسعى البعض للنيل منها بطريقة أو بأخرى والاتهام جاهز ومعروف “سيئة السُمعة”.