تواجه عمالقة التكنولوجيا الأربعة “فيسبوك و جوجل وأمازون وآبل”، معركة محتدمة بسبب استفادة هذه الشركات من المحتوي الإعلامي بشكل مجاني. في حين تحركت مجموعات إعلامية ومشرعون ومؤسسات حكومية غربية، لإلزام شركات التكنولوجيا بتعويض منتجي المحتوى الإخباري عن المواد المعروضة لديها.

وتكافح صناعة الإعلام، وسط أزمات مادية مع انخفاض التوظيف في الصحف الأمريكية بمقدار النصف منذ عام 2008، وسط تراجع عائدات الإعلانات، وفقًا بيانات مركز “بيو” للأبحاث (واشنطن).

أحدث حلقات هذه المواجهة كانت في أروقة الكونجرس الأمريكي، عندما ناقشت لجنة مكافحة الاحتكار هذه الاقتراحات، يوم الجمعة الماضي. وأيّدت المطالبة الإعلامية للحصول على جزء من أرباح الشركات التكنولوجية التي تستخدم المواد الخبرية ضمن منصاتها.

موقف مايكروسوفت

المفاجأة أن براد سميث رئيس شركة مايكروسوفت الذي شارك في الجلسة، أعرب عن دعمه لقانون حماية المنافسة والصحافة (JCPA)، وطالب بمنح المؤسسات الإخبارية القدرة على التفاوض بشكل جماعي مع شركات التكنولوجيا.

القانون المقترح لتعويض وسائل الإعلام يحظى بدعم من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، في وقت تواجه صناعة الإعلام حول العالم أزمات مادية جراء تغوّل شركات التكنولوجيا في الاستحواذ على السوق، إذ تبلغ إيرادات الإعلانات في الصحف بالولايات المتحدة الأمريكية 14 مليار دولار بينما تصل إلى 116 مليار دولار لدى محرك البحث جوجل فقط.

ونشرت شركة مايكروسوفت شهادة رئيسها براد سميث المكتوبة التي أشارت إلى تراجع صناعة الأخبار وكيف أن “المشاكل التي تعصف بالصحافة اليوم ناجمة جزئيًا عن الافتقار الأساسي للمنافسة في أسواق تكنولوجيا البحث والإعلان التي تسيطر عليها Google”، مشيرًا إلى أن تحقيق المؤسسات الإخبارية أرباحًا من خلال “الإحالة” التي توفرها جوجل “أصبح صعبًا بشكل متزايد، لأن معظم الأرباح تم تقليصها بواسطة جوجل”.

وطالبت الشركة، العاملة في مجال تقنيات الحاسوب، من الكونجرس النظر في قواعد جديدة لزيادة المنافسة في أسواق تكنولوجيا البحث والإعلان، ودمج عناصر من قانون وسائل الإعلام الإخبارية الأسترالي الذي تم إقراره مؤخرًا، والذي أدى إلى التراجع الأولي بين Microsoft و Google.

جوجل ترد

جوجل من جانبها، ردت على تصريحات رئيس مايكروسوفت، عندما قالت إنها ملتزمة بشكل مستمر بدعم الصحافة، وأن “مايكروسوفت تقدم ادعاءات تخدم مصالحها الذاتية، بل إنها على استعداد لكسر الطريقة التي تعمل بها شبكة الويب المفتوحة في محاولة لتقويض منافس”، على حد قول كينت ووكر، نائب الرئيس الأول للشؤون العالمية بشركة جوجل.

وأضاف أن مايكروسوفت تحاول تشتيت الانتباه عن المعضلات الأمنية المستمرة للشركة، وقال إن Microsoft دفعت “مبلغًا أقل بكثير لصناعة الأخبار مما لدينا”، متابعا: “نحترم نجاح مايكروسوفت ونتنافس بقوة معهم في الحوسبة السحابية والبحث وتطبيقات الإنتاجية ومؤتمرات الفيديو والبريد الإلكتروني والعديد من المجالات الأخرى.. لسوء الحظ، مع اشتداد المنافسة في هذه المجالات، فإنهم يعودون إلى قواعد اللعب المألوفة الخاصة بهم في مهاجمة المنافسين والضغط من أجل اللوائح التي تفيد مصالحهم الخاصة”.

الملاحظ أن جوجل اختصرت تعليقها في الرد على منافستها مايكروسوفت، ولم تطرق إلى تفاصيل المناقشة أو المطالبة بقانون يضاهي التشريع الأسترالي في هذا الصدد.

القانون الاسترالي

في الخامس والعشرين من فبراير الماضي، أقر البرلمان الأسترالي قانونا يلزم شركات التكنولوجية العملاقة بدفع أموال لوسائل الإعلام مقابل نشر محتوياتها.

مراقبون رأوا في القانون الأسترالي نموذجا لحل النزاعات بين سائل الإعلام التي تواجه صعوبات مالية كبيرة وعمالقة التكنولوجيا التي تهيمن على الإنترنت وتحصل على جزء كبير من عائدات الإعلانات.

وبموجب القانون الجديد ستدفع غوغل مقابل المحتوى الإخباري الذي يظهر في أداتها الجديدة المسماة “غوغل نيوز شوكيز”، بينما أصبح على فيسبوك الدفع للمزودين الذين يظهرون في منتجها الإخباري “نيوز”.

فيسبوك متهمة باستغلال المحتوي الصحفي بشكل مجاني
فيسبوك متهمة باستغلال المحتوي الصحفي بشكل مجاني

في أعقاب ذلك، حجب فيسبوك روابط لمقالات إخبارية صادرة عن وسائل إعلام محلية أو دولية ردا على مشروع القانون، لكن مالك الشركة مارك زاكربرغ تراجع وأبرم اتفاقا في اللحظة الأخيرة مع الحكومة وقال إن مجموعته التي تضم انستجرام وواتساب أيضا ستستثمر مليار دولار “على الأقل” في المحتوى الإخباري خلال السنوات الثلاث المقبلة.

الخطوة الإسترالية جاءت بعد أكثر من ثلاث سنوات من مطالبات صحفية أوروبية في هذا الاتجاه، ففي منتصف 2018، وقع أكثر من 100 صحفي من 27 دولة أوروبية بيانًا، دعوا فيه نواب الاتحاد الأوروبي إلى إقرار تشريع يلزم شركات غوغل وأبل وفيسبوك وأمازون بالمساهمة في تمويل الصحافة.

خلفيات المواجهات

بالعودة إلى المواجهة الأمريكية وعمالقة التكنولوجية والتي ستكون الأكثر تأثيرًا، فإنها ليست الأولى بين الطرفين، فقد واجهت لجنة مكافحة الاحتكار بالكونجر س، قادة شركات أمازون وآبل وفيسبوك وغوغل، بسيل من الهجوم إزاء اتهامات باستغلال النفوذ وسحق المنافسين في المجتمع الرقمي، بغية تحقيق أرباح عالية بوسائل غير تنافسية.

الاستجواب الذي جرى في منتصف العام الماضي 2020، في أعقاب عام من التحقيقات، كشف عن فقدان شركات التكنولوجيا العملاقة الدعم السياسي الذي نالته خلال السنوات الماضية من الحزبين الديمقراطي والجمهوري في الولايات المتحدة، تطور إلى القول إن هذه الشركات تمثل خطرًا على الديمقراطية نفسها.

حينها اتهم مشرعون في الكونجرس الأمريكي، شركة “غوغل” على وجه التحديد، باستخدام محركها البحثي؛ بهدف تحجيم منافسيها، من بينها على سبيل المثال اختيار معلومات بعينها وعرضها في الجزء العلوي من نتائج البحث.

الرئيس التنفيذي لشركة غوغل ساندر بيتشاي مشتركا في جلسة استماع استمرت أكثر من ثلاث ساعات من قبل عضو الكونجرس الأمريكي
الرئيس التنفيذي لشركة غوغل ساندر بيتشاي مشتركا في جلسة استماع استمرت أكثر من ثلاث ساعات من قبل عضو الكونجرس الأمريكي

في أكتوبر من العام نفسه صدر عن اللجنة تقرير جاء في 449 صفحة، خلص إلى أن هذه الشركات تسيء استغلال هيمنتها على السوق، مقدما توصيات لإصلاح قانون المنافسة من شأنها حال إقراره إلى “تفكيك عمالقة التكنولوجيا“، وفق خبراء.

سواء كان الأمر سياسيًا أو اقتصاديًا، فإن النتيجة باتت واحدة، وهي أنّ شركات التكنولوجيا العملاقة تواجه حصارًا قويًا يتحرك سياسيا بدعم إعلامي غربي، في محاولة مشروعة -كما تراها المؤسسة الإعلامية الرقمية- لانتزاع حق في الأرباح، وتحقيق عدالة وتحجيم نفوذ، كما يتمتم السياسيون الغربيون.

لا يمكن فصل ما يجري خلال العامين الأخيريين عن إقحام شركات التكنولوجيا في تحقيقات تتعلق بتزييف إرادة الناخبين الغربين، رغم دفاع هذه الشركات عن نفسها في كونها تجارب ناجحة بشكل تنافسي مشروع، وهو ما يمكن أن يُفسر طرح تطبيقات ومنصات رقمية بشكل مفاجئ أمام المستخدمين سرعان ما تجد صدى واسع وانتشارًا، في محاولة لسحب التأثير عن الشركات العملاقة التقليدية.

الإنذار الفرنسي

في أوائل العام الماضي أيضًا، كان لفرنسا موقف حازم في هذا الصدد عندما اصطفت بجانب وسائل الإعلام باعتبار أن ممارسات جوجل تسبب ضررا فوريا لقطاع الصحافة، حينها مارست السلطات ضغوطا على الشركة الأمريكية لدفع ثمن المحتوى الصحافي الذي يستثمره على محرك البحث.

وقتها استشعرت “جوجل” أن الخطوة الفرنسية ستجر وراءها استحقاقات أخرى حول العالم، فسارعت إلى القول إنّها لن تعرض المقالات والصور ومقاطع الفيديو في نتائج البحث إلا إذا وافقت وسائل الإعلام على السماح باستخدامها مجانًا.

لدى تلك النقطة الصدامية، تدخلت هيئة تنظيم المنافسة الفرنسية لمطالبة جوجل والمجموعات الإعلامية بالتفاوض.

شكوى قضائية ضد جوجل

في أكتوبر الماضي، قدمت وزارة العدل الأمريكية شكوى احتكار ضد جوجل، التي قالت إن الشركة “حارس احتكار الإنترنت”، وهي الشكوى المشابهة لقضية مكافحة الاحتكار التي تم رفعها ضد مايكروسوفت قبل أكثر من عقدين.

المنطقة العربية وأفريقيا.. الحلقة الأضعف

على الصعيد العربي والأفريقي، فإن هذه الأفكار تبدو بعيدة من حيث التطبيق، كما لم تنل حظًا من المناقشة على أقل تقدير. فلا تزال المنطقة تعاني من غياب التشريعات التي تحمي المحتوي الإعلامي والصحفي من الاستغلال عبر المنصات الرقمية وشركات التكنولوجيا.

بالإضافة إلى ذلك، فإن أغلب دول المنطقة، تفرض ضرائب تحت مسميات مختلفة على حسابات الأفراد على مواقع التواصل، لكن الشركات العملاقة تبقى في منأى عن هذه النفقات، ولا يدفع أي أموال للدول التي يحقق فيها أرباح من وراء الإعلانات والاستغلال الإعلامي العربي.

تفيد عمليات البحث، بأن الدول العربية- باستثناء مصر- لم تقدم حتى الآن أي تصور بقانون يلزم شركات التكنولوجيا بدفع جزء من الأرباح التي يحققها في المنطقة العربية، سواء ما يتعلق بظهور الإعلانات أو استغلال المحتوى الخبري العربي.

40% من سكان شمال أفريقيا يمتلكون حسابات على مواقع التواصل، مقابل 52% من سكان شبه الجزيرة العربية والخليج
40% من سكان شمال أفريقيا يمتلكون حسابات على مواقع التواصل، مقابل 52% من سكان شبه الجزيرة العربية والخليج

المراقبون فسروا ذلك بأن الحكومات العربية ليست لديها سلطة على الشركات العالمية، خاصة أن خطوة كهذه تحمل مخاطرة على صورة الدولة في حال رفضت تلك الشركات الاستجابة لقوانين محلية، فضلاً عن إمكانية فرض إجراءات عقابية كالحجب على سبيل المثال، والتي تكون دول العالم الثالث ضعيفة في التعاطي مع مثل هذه الصدامات، فالشركات العملاقة لا تعترف سوى بالأقوى.

إحصائيًا، فإن 40% من سكان شمال أفريقيا يمتلكون حسابات على مواقع التواصل، مقابل 52% من سكان شبه الجزيرة العربية والخليج، بينما يأتي فيسبوك ومنصات المراسلة في المرتبة الأولى من حيث الاستخدام، هذا بخلاف محرك البحث “جوجل” الذي لا يجد منافسا على مستوى العالم.

مطالبة مصرية

في مصر جرى الحديث عن توجه لفرض ضرائب على إعلانات مواقع التواصل والمنصات الرقمية في محاولة للاستفادة من أرباح تلك الشركات التي تظهر إعلاناتها لدى مستخدمين في النطاق المصري.

بينما لم تطرق الجهات الحكومية المصرية لأي محاولة لتعويض صانعي المحتوى الإعلامي، خاصة ما تزايد مستخدمي المنصات والمواقع التكنولوجية. وتشير الإحصاءات إلى أن المستخدمين المصريين لموقع “فيسبوك” يصل إلى 39 مليون مستخدم، و11 مليون مستخدم لـ”انستجرام”، و3 مليون مستخدم لـ”سناب شات”، و3 مليون مستخدم لـ”لينكد إن”.

هذه الأرقام دفعت مراقبين وخبراء مصريين إلى مطالبة المشرعين بوضع قانون لإنقاذ المؤسسات الإعلامية المنتجة للمحتوى الذي يتداوله الجمهور على المنصات الرقمية، بالإضافة ضمان حقوق الملكية الفكرية، لكن أحدًا لم يتحرك في هذا الاتجاه.

بقلم: محمود غريب