يواصل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، حملاته الأمنية المتعسفة والقمعية، والمستمرة بوتيرة متصاعدة، منذ الانقلاب الفاشل، عام 2016. وتتراوح الملاحقات بين استهداف عسكريين، وقضاة، وصحفيين، بالإضافة إلى خصومه السياسيين في أحزاب المعارضة، وتحديداً حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة في تركيا. وكذا حزب الشعوب الديمقراطي، والأخير يصر “التحالف الجمهوري” الذي يضم حزبي (العدالة والتنمية) و(الحركة القومية)، على حظره ونبذه من المجال العام. وتتعرض قياداته ونوابه في البرلمان للتوقيف والاعتقال.
حملات اعتقال وقمع
منتصف الشهر الحالي، تم اعتقال 36 شخصاً، من بينهم 24 عسكرياً. ومن بين العسكرين شخص يعمل بالجيش، وثلاثة متقاعدين، وتسعة مفصولين من وظائفهم. والتهم الصادرة بحقهم، بحسب المذكرات القضائية الرسمية، التواصل مع حركة عبد الله جولن. وهي التهمة التقليدية والمتكررة التي يتم ملاحقة المعارضين بها. إذ نفذت قوات مكافحة الإرهاب، بناء على قانون الطوارئ، المستمر منذ نحو ستة أعوام، حملات أمنية في 32 مدينة للقبض على هؤلاء.
اعتقال نحو 80 ألف شخص منذ عام 2016 من قطاعات مختلفة، وعزل أو وقف عن العمل حوالي 150 ألفاً من موظفي الحكومة وأفراد الجيش والشرطة وغيرهم
وبحسب البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة الداخية، وتتفق والتقارير الحقوقية، المحلية والأجنبية، فقد تم اعتقال نحو 80 ألف شخص، منذ عام 2016، من قطاعات مختلفة. كما تم “عزل أو وقف عن العمل حوالي 150 ألفاً من موظفي الحكومة وأفراد الجيش والشرطة وغيرهم”.
وفصلت وزارة الدفاع التركية “15 ألف و583 عسكرياً، بينما لا تزال تتواصل التحقيقات الإدارية والجنائية بحق 4 آلاف و156 جندياً”. وذلك على خلفية التهم السابقة، وفقاً لبيان رسمي صدر في يونيو العام الماضي، خاصة أن أردوغان أعلن أن زعيم حركة الخدمة (فتح الله جولن) هو المسؤول عن تدبير انقلاب عام 2016، دون أي تفاصيل أو أدلة.
ومن جانبه، يشير الباحث المتخصص في الشأن التركي والأقليات بالشرق الأوسط، جوان سوز، إلى أنه فيما يخص قمع العسكريين واعتقال السلطات التركية للضباط، بين الحين والآخر. وذلك بذريعة المشاركة في الانقلاب المزعوم قبل أكثر من ٤ سنوات على حكم أردوغان، فالهدف منه جعل المؤسسة العسكرية بأكملها موالية لأردوغان.
تجريد الجيش من أسلحته الثقيلة
ويضيف في حديثه لـ”مصر 360″ أن “الرئيس التركي جرد الجيش من أسلحته الثقيلة، ففي مطلع العام الجاري أصدر مرسوم رئاسي حصل بموجبه نقل ملكية الأسلحة الثقيلة للجيش للشرطة والاستخبارات، وكان يهدف من هذه الخطوة منع الجيش من محاولة الانقلاب عليه مستقبلاً”.
ولا تعد الحملة الأمنية الأخيرة، حدثاً مباغتاً أو جديداً. فخلال الشهر الماضي، جرى اعتقال 130 عسكرياً، بتهمة الانتماء إلى حركة عبد الله جولن. وقالت التحقيقات الرسمية إن “المشتبه بهم استخدموا هواتف عمومية للتواصل مع حركة الخدمة. وصدر قرار اعتقال بحق 148 في قطاعات مختلفة بالجيش. وتم اعتقال 130 منهم: 47 من المعتقلين ينتمون إلى القوات الجوية، و18 في قيادة القوات البحرية، و12 من القوات البرية، و38 من قوت الدرك، و19 من خفر السواحل. وهناك 14 من المشتبه بهم من طلاب مدرسة عسكرية تم فصلهم بعد محاولة الانقلاب”.
السجل الحقوقي لأردوغان والذي يحفل بانتهاكات جمة يمثل أحد التعقيدات المباشرة في علاقته بالإدارة الأمريكية الجديدة خاصة أن جو بايدن يتجاهل الاتصال بأردوغان
ويمثل السجل الحقوقي لأردوغان والذي يحفل بانتهاكات جمة أحد التعقيدات المباشرة في علاقته بالإدارة الأمريكية الجديدة، خاصة أن جو بايدن يتجاهل الاتصال بأردوغان. غير أن وزارة الخارجية الأمريكية، مطلع العام الحالي، صرحت شددت على ضرورة إطلاق سراح المرشح الرئاسي السابق، صلاح الدين دميرطاش، والناشط المدني، عثمان كافالا.
وقال الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية, إن الولايات المتحدة تتابع عن كثب قضايا “دميرطاش وكافالا”. وأضاف أنهم “يشعرون ببالغ القلق إزاء استمرار اعتقالهما، وإزاء عدد من لوائح الاتهام الأخرى ضدّ المجتمع المدني والإعلام والسياسة ورجال الأعمال”.
بيان أوروبي
وقبل أيام، دان مقرر الشؤون التركية في البرلمان الأوروبي، ناتشو سانتشيز، ورئيس اللجنة البرلمانية المشتركة بين تركيا والاتحاد الأوروبي في البرلمان الأوروبي، وسيرجي لاجودينسكي، قرار البرلمان التركي بإسقاط عضوية النائب عمر فاروق جرجرلي أوغلو، المنتمي لحزب الشعوب الديمقراطي.
وفي بيان رسمي، أوضح أن “ما حدث لجرجرلي أوغلو مثال جديد واضح على الوضع المزري لحرية التعبير في تركيا. وإساءة استخدام قوانين مكافحة الإرهاب لإسكات أي أصوات منتقدة. والضغط على حزب الشعوب الديمقراطي للحد من التعددية والسياسة”. واعتبر البيان الأوروبي أن إسقاط عضوية جرجرلي أوغلو ورفع الحصانة عنه والاستعداد لسجنه، هو بمثابة “انتهاك خطير لحقوق الإنسان. وخطوة جديدة تضعف الثقة في الديمقراطية البرلمانية التركية”.
ولفت البيان إلى تصريحات الرئيس التركي، مطلع الشهر الحالي، والتي كشف فيها عن اعتزامه تدشين إجراءات جديدة لتعزيز حقوق الإنسان، من خلال بنود يشرع في تطبيقها في الدستور الجديد الذي يتطلع لصياغته، ما حدا بالبيان إلى وصف تناقضاته بأنها “أبلغ تعبير عن رؤية أردوغان لحقوق الإنسان”.
نشاط المعارضة التركية
وتأتي تحركات أردوغان الأخيرة بالتزامن مع نشاط المعارضة التركية، بغية الاصطفاف السياسي للضغط من أجل استعادة النظام البرلماني، وكذا الدفع بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية مبكرة، ثم الانخراط في منافسة ضد الرئيس التركي. وعقّب نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري، محرم أركيك، على إعلان أردوغان المباغت بخصوص الدستور الجديد بأنه تعبير عن “الإفلاس”.
وأضاف نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري: “لقد أفلس النظام في عامين ونصف العام بعد تطبيق النظام الرئاسي. كل من الأمة والدولة أفلستا معه أيضاً. لكننا سنصلح النظام المعطل باسم “تحالف الأمة” الذي يتكون من الشعب الجمهوري وحزب الجيد”. وقد أوضح أن “المعارضة ستعمل على إسقاط أردوغان في الانتخابات المقبلة، وستدعو إلى تعديل الدستور أيضاً للعودة إلى نظام الحكم البرلماني بعد التغييرات التي أجراها أردوغان على مواد الدستور، في عام 2017، وسواء كانت الانتخابات مبكرة، أو في موعدها، فسوف نقدم نظاماً برلمانياً معززاً، وبالتالي دستوراً جديداً”.
حالة الطوارئ
وإلى ذلك، توضح منظمة العفو الدولية، أن حملة القمع ضد المعارضين الحقيقيين والمفترضين، مستمرة على الرغم من أن حالة الطوارئ في البلاد التي استمرت سنتين انتهت في يوليو عام 2018. وقد احتجز “آلاف الأشخاص رهن الاعتقال المطول والعقابي السابق للمحاكمة غالباً بدون أي أدلة موثوق بها، على ارتكابهم أي جرائم معترف بها بموجب القانون الدولي. وقد فرضت قيود شديدة على حقي حرية التعبير والتجمع السلمي. وتعرض الأشخاص الذين صنفوا منتقدين للحكومة الحالية – لاسيما الصحفيون والنشطاء السياسيون والمدافعون عن حقوق الإنسان– للاعتقال أو واجهوا تهماً جنائية ملفقة”.
وبحسب المنظمة الأممية، المعنية بحقوق الإنسان، فقد واصلت السلطات حظر التظاهرات بصورة تعسفية. واستخدام القوة غير الضرورية والمفرطة لتفريق الاحتجاجات السلمية. وتضيف: “وردت أنباء تتسم بالمصداقية حول التعذيب والاختفاء القسري”.
ثمة دلائل عديدة تكشف عن أن تركيا تبدو اليوم في حالة تخبط سياسي كبير
واليوم، تبدو تركيا في حالة تخبط سياسي كبير، بحسب الباحث المتخصص في الشأن التركي والأقليات بالشرق الأوسط، جوان سوز. مضيفاً لـ”مصر 360″: “هذا ليس مجرد رأي أو تحليل، لكن ثمة دلائل عديدة تكشف عن واقعه. فأردوغان، أعلن مثلاً عن إصلاحات قضائية واقتصادية، مؤخراً. ثم بعد ذلك احتجزت السلطات معارضي الرئيس التركي، بينما تنهار الليرة التركية، وذلك في تناقض واضح بين التصريحات والممارسات”.
وتابع: “الرئيس التركي يحاول من الآن ضمان الفوز بولاية رئاسية جديدة قبل حلول موعد الانتخابات. ولذلك تحدث عن إجراء تعديلات في قانوني الانتخابات والأحزاب. ومع ذلك هذا الأمر قد لا يضمن فوزه مجدداً خاصة مع الضغوطات الكبيرة التي يمارسها على كل من يعارضه وفي مقدمتهم الأكراد وحلفائهم المحليين الذين ينحدرون من مختلف أقليات البلاد كالأرمن والسريان الآشوريين والعرب العلويين”.