جددت واقعة مقتل فتاة السلام مطالب الأصوات النسوية بتعديل القوانين التي تُميز الرجال عن النساء. خاصة بعد أن تم  الاعتداء على حرمة منزلها وضربها ومن ثم قتلها سواء بالقذف من البلكونة أو سقوطها نتيجة ممارسة العنف عليها من قبل صاحب العقار وزوجته وأحد الجيران، بحجة أن الضحية كانت تستضيف صديقها في منزلها.

رغم أن القانون المصري يقرر حماية جنائية للمرأة في مجالات كثيرة، إلا أنه توجد نصوص جنائية تميز بين الرجل والمرأة في التجريم والعقاب بالمخالفة للاتفاقية الدولية لمكافحة التمييز ضد المرأة والشريعة الإسلامية ذاتها، هذا ما خلص إليه تقرير صادر عن المجلس القومي للمرأة.

وفي دراسة صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عام 2019، فإن 34% من النساء اللاتي سبق لهن الزواج تعرضن لعنف بدني أو جنسي من قبل الأزواج، بجانب تعرض نحو 90% من السيدات للختان، وزواج أكثر من ربع النساء المصريات (27.4%) قبل بلوغهن 18 سنة.

كما أشار  تقرير صادر عن مؤسسة نظرة للدراسات النسوية، بالتعاون مع مؤسسة قضايا المرأة المصرية، تحت عنوان “قانون نشاز” إلى أن بعض القوانين كرست التفاوت وسياسة التمييز بين الرجل والمرأة في كثير من القضايا والحقوق، من تلك القوانين موضوع الحماية الجنائية وقضايا الأحوال الشخصية والشهادة في المحاكم، والقوانين العقابية بالإضافة إلى استخدام مبدأ الرأفة في جرائم القتل التي يقوم مرتكبيها بتغطيتها تحت مسمى جرائم الشرف والتي بناء عليها تتم الانتهاكات الممنهجة لحقوق المرأة الضحية فيها.

قوانين التمييز ضد المرأة

ومن بين هذه القوانين المادة 237 وهذه المادة تتحدث عن حالة مفاجأة الزوج زوجتة متلبسة بالزنا (خيانة زوجها مع آخر وقتلها فهو يعاقب بعقوبة مخففة)، كما أن المادة 274 والمادة 277 تتحدثان عن عقوبة جريمة الزنا فالزوجة التي يثبت أنها زنت تعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن سنتين وللزوج الحق في وقف تنفيذ العقوبة برضاه معاشرتها لها، والزوج إذا زنى في منزل الزوجية يعاقب بالحبس مدة لاتزيد على 6 أشهر.

وتتضمن القوانين كذلك المادة 60 من قانون العقوبات التي تحمي أي فعل ارتكب بنية سليمة عملا بحق مقرر بمقتضى الشريعة الإسلامية، ويستخدم هذا النص كثيرا في حالات تأديب الزوج لزوجته ما يوقع ضررًا كبيرًا عليها وهنا لا تستطيع اللجوء للمحكمة.

يتضمن تطبيق القانون رقم 10 لسنة 1961 فى شأن مكافحة الدعارة تمييزًا ضد المرأة. فقد نصت المادة (9) على معاقبة كل من اعتاد ممارسة الفجور والدعارة دون تمييز) إلا أن التطبيق جرى على معاقبة المرأة التي ترتكب الجريمة بالحبس لمدة تتراوح بين 3 أشهر إلى ثلاث سنوات والغرامة، دون معاقبة شريكها الرجل.

الأمر الذي تعلق عليه سارة بيصر، مديرة مركز زيتونة لحقوق الطفل ودعم المرأة، بأن هناك قوانين تمثل تمييزًا صارخًا بين الرجال والنساء في التجريم والعقاب، وتقول: “من أهم وجوهه، ما يتعلق بجريمة الزنا في قانون العقوبات المصري، هذا التمييز يخالف المادة (2) من اتفاقية السيداو، التي تلزم الدول بإلغاء جميع الأحكام الجزائية الوطنية التي تشكل تمييزًا ضد المرأة، كما أن هذا التمييز يخالف مبادئ الشريعة الإسلامية (مبدأ المساواة في التجريم والعقاب) وأحكامها الجنائية التي لا تميّز بين الرجل والمرأة في جريمة الزنا وعقوبتها، سواء العقوبة الحدية إذا توافر موجب الحد، أو العقوبة التعزيرية إذا انتفى موجب الحد.

قانون يخالف الشريعة الإسلامية

وتستكمل بيصر أن قانون العقوبات المصري اقتبس أحكام جريمة الزنا من قانون العقوبات الفرنسي الصادر سنة 1810، وهو ما يميز بين الرجل والمرأة في جريمة الزنا من عدة وجوه، لدينا مثالًا الزوجة التي ثبت زناها، داخل أو خارج منزل الزوجية تعاقب بالحبس مدة لاتزيد على سنتين (المادة 274 من قانون العقوبات)، بينما الزوج الذي ثبت زناه في منزل الزوجية يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على 6 شهور (المادة 277 من قانون العقوبات)، وتشير إلى أن التفرقة بين الزوج والزوجة تفرقة معيبة، لا سند لها من علة التخفيف، وهي سبب لعدم دستورية النص المقرر لهذا العذر المخفف للعقاب، كما أنها تفرقة تخالف أحكام الشريعة الإسلامية.

وتتابع: “نأمل أن يسارع المشرع إلى إلغاء هذا العذر المخفف للعقاب، ليترك مسألة تخفيف عقاب الزوج أو الزوجة في هذه الحالة للسلطة التقديرية للقاضي الجنائي في إطار ما تقرره المادة 17 من قانون العقوبات، وهي تجيز للقاضي في مواد الجنايات إذا اقتضت أحوال الجريمة المقامة من أجلها الدعوى العمومية رأفة القضاة النزول بالعقوبة المقررة للجناية درجة واحدة أو درجتين”.

استخدام القانون للإفلات من العقاب

تصف نورا محمد، مدير برنامج مناهضة العنف ضد النساء بمؤسسة قضايا المرأة، هذه القوانين في العقوبات المصرية بالقنابل موقوتة ضد النساء، لأنها ترسخ لصور التمييز في أغلب جرائم العنف المرتكبة ضدهم، فمثلا لا تلجأ أغلب النساء إلى القانون في حالات الاعتداء البدني عليها من قبل الزوج أو أحد أفراد الأسرة نتيجة استخدام المادة 60 فإذا لجأت الزوجة للقانون لا عقوبة على الجاني لأنه بكل بساطة يقال إنه كان يحاول أن يحقق منفعة أو يمنع ضرر واقع عليه: “لدينا سيدة السلام الذي وارد جدًا أن يقال تمت الجريمة وفي نية الجناة منع ضرر وهو القصد الذي يصعب إثباته”.

ورغم أن مصر وقّعت على العديد من الاتفاقيات الدولية التي تتعهد بحماية وضمان حقوق المرأة ومساواتها بالرجل أمام القانون، ومن بينها اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة في عام 1984. لكن ما زالت هناك نصوص كثيرة في قانون العقوبات المصري تمارس التمييز ضد المرأة.

تضيف نورا: “هناك نظرة ذكورية من ترى ضرورة من الولاية على النساء وبأن المرأة لابد أن يكون عليها وصي لأنها عار لابد من التعديل والتقويم على سلوكها”.

كما تشير إلى أن هناك حالات يحدث فيها تلفيق قضايا زنا للزوجة لإجبارها على التنازل عن حقها أو ميراثها، أو للزواج عليها أو التهديد واستخدام القانون كأداة لممارسة العنف على النساء، لذلك لا بد من إعادة النظر في قانون العقوبات وقانون العمل.

“يجب أن يفهم المشرع أن المرأة ليست كائنا منقوصا، ويجب أن يُنظر لها كمواطن درجة أولى، فضلًا عن توفيق القوانين وعدم استخدام المواد للرأفة في الجرائم الجنسية ضد النساء، ولدينا هنا حالة طبيب الميكروباص الذي استخدم العادة السرية أمام فتاة في المجال العام، وتم الاكتفاء بالحكم عام مع إيقاف التنفيذ”.

اقرأ أيضا:

في عامها الأخير.. ماذا حققت استراتيجية مناهضة العنف ضد المرأة؟

الحل في القانون المدني

تلفت تقول رباب كمال، الباحثة في الإسلام السياسي والدراسات النسوية، إلى أن مشكلة المادة 60 بقانون العقوبات ستوجهنا في إقرار أي قوانين خاصة بتجريم العنف الأسري كما يمكن استخدامها في كثير من الجرائم التي تُعرف شعبيًا بـ”جرائم الشرف” ولا يختلف الأمر في المادة 17 فهي على نفس درجة الخطورة لاستخدامها في أحكام الرأفة، خصوصا في جرائم التحرش والعنف التي يضيع فيها حق الضحية تمامًا، متسائلة لماذا يتم التعامل مع المرأة كجماد؟

ما المقصود بمقتضى الشريعة في قضايا المرأة؟ تواصل كمال في طرح أسئلتها، باعتبار  أن الدين من الأمور الشخصي وليس من العمومية، ولابد ألا يتدخل رجال الدين في الأمور المدنية، مع الإشارة إلى أن حقوق المرأة كمواطنة هي تشريعات تجعلها مواطنة كاملة الأهلية، والولاية المنقوصة وإنكار حقوق النساء في الولاية على أنفسهن، بمثابة إنكار المعلوم من أمور المواطنة بالضرورة، ما يتنافى مع المادة رقم 53 من الدستور. وهي مادة منع التمييز بشكل عام و ليس ضد النساء وحدهن.

كما تعلق رباب على خبر سحب عينة مهبلية من جثة ضحية السلام إذا صح الخبر، هو أمر مثير للإزعاج ويجعلنا متخوفين من استخدام المادة 17 في هذه الحالة لأن هذه جريمة قتل بعيدة كل البعد عن ماذا كانت تفعل هذه السيدة قبل قتلها، لابد من الانتقال إلى فكرة أن الحرية تعامل معاملة الاعتداء دون تبرير للقاتل.

وسبق أن طالبت أحزاب سياسية ونشطاء حقوقيون بسرعة إصدار قانون موحد لمناهضة العنف ضد المرأة، لمواجهة جميع أشكال العنف التى تتعرض لها النساء.
وقالت الأحزاب إن هناك مقترحا بقانون تم الانتهاء منه قبل عامين، خصص فصل كامل لتحديث وتوسيع تعريفات أشكال مختلفة من العنف ضد المرأة، وتحديد مفاهيم جديدة لجرائم الاعتداءات الجنسية، بما يوفر حماية أكبر للنساء والفتيات من جرائم الاعتداء والابتزاز الجنسى. ويتضمن تيسير آليات التبليغ، وضمانات سرية، وحماية الشهود والمبلغين.
سلطة مجتمعية

في السياق ذاته، يشير المحامي الحقوقي محمد عادل سليمان، إلى أن السلطة المجتمعية تُجبر المرأة على تحمل السلطة من قبل المجتمع كله، وتكون منتهكة بأمر العرف المصري، لكن في القانون لا يوجد ما يٌقر بذلك الدستور ينص على حرمة المساكن الخاصة، وممنوع تمامًا حتى على رجل القانون نفسه الاعتداء على المنزل إلا بإذن من النيابة، مع التأكيد أن منظومة القانون في مصر تنتصر للرجل، وهذا يحدث في قضايا المعروفة بالشرف.