لم تنجح الإصلاحات المعلنة من جانب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في تبييض صفحته، في ظل التقارير، والشهادات المتواترة عن شبهات تعذيب المعارضين، والتي لا تتوقف على الاعتداء الجسدي، والاحتجاز التعسفي، فوصلت إلى روايات تخص الاعتداء الجنسي أيضا.

تزامن صعود الأمير الشاب والذي يعرف ب “MBS” إلى سدة ولاية العهد، مع بروز منهج جديد في التنكيل بالمعارضين السياسيين، وفي هذا الشأن رصد مركز قسط لحقوق الإنسان بالتعاون مع مركز الخليج، وتحت رعاية الاتحاد الأوربي، انتهاكات مقلقلة تشكل مرحلة جديدة في التاريخ السعودي.

جاء تقرير “قسط” تحت عنوان “التعذيب في المملكة العربية السعودية وثقافة الإفلات من العقاب“. ورغم أنه لا يعد الأول من  من نوعه، إلا أنه تميز برصد اتجاهات جديدة مقلقة، في منهجية تعذيب النشطاء السعوديين، التي طالما لفت إليها المعتقلون في جلسات المحاكم دون اهتمام من المحقق.

“مع صعود ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى السلطة، تعهد بتبني إصلاحات اجتماعية واقتصادية. وتحدث عن جعل بلادنا أكثر انفتاحا وتسامحا، وتعهّد بأنه سيُعالج الأشياء التي أعاقت تقدمنا، مثل فرض الحظر على قيادة النساء. لكن كل ما أراه هو الموجة الأخيرة من الاعتقالات“.

جمال خاشقجي 2017

فريق بن سلمان الخاص بالتعذيب وانتهاك النساء

يشير تقرير قسط إلى أن التنكيل بالمعارضين تغيرت ملامحه، في عام 2017، وذلك حين أصدر العاهل السعودي الملك سلمان مرسوماً ملكياً بإنشاء “رئاسة أمن الدولة” كجهاز أمني يتبعه مباشرةً، فعمل الأمير الشاب على إحكام قبضته الأمنية، واستهدف المجتمع المدني بشكل عنيف.

في عام 2018، وردت تقارير حول إتباع “MBS” أساليب جديدة في إسكات معارضيه، و تواردت الروايات حول تعذيب وحشي للنشاطات الحقوقيات بشكل غير مسبوق، والاحتجاز في أماكن رسمية مثل سجن الدمام، والمباحث بذهبان، الحائر بالرياض، إلى جانب أماكن غير رسمية معروفة باسم “الفندق”، و “دار الضيافة”، حيث يتم استجوابهن عبر الضرب، والصعق بالكهرباء، سببت لهن صعوبات في المشي والحركة، في حين لم يعرف من قبل عن المملكة تعذيب النساء.

وفي سابقة خطيرة من نوعها، أقرت بعض المدافعات الأصغر سنا بتعرضهن للاعتداء الجنسي، من قبل أفراد الأمن، فالبعض حاول لمسهن، أو تقبيلهن، ووصل الأمر في بعض الحالات إلى التجريد من الملابس، والضرب في أماكن حساسة، كما أن أحد الناشطات حاولت الانتحار عدد من المرات بسبب هذه الاعتداءات.

وثق التقرير أيضا حالات تعذيب تتم في قبو أحد القصور الملكية حيث تم تقسيمه إلى زنازين خشبية، أحد الأمثلة على ذلك هو سليمان الدويش، رجل ولي العهد السابق محمد بن سلمان الذي تم اعتقاله في أعقاب تويتة انتقد فيها “MBS”، وجرى تعذيبه وضربه في أحد القصور الملكية.

الملاحظ أن حالات التعذيب جميعا بما فيها سجون القصور، والفنادق غير الرسمية، يقودها رجلا “MBS” اللذين أدينا في تقرير مقتل الصحفي جمال خاشقجي، الصادر عن الولايات المتحدة، وهما سعود القحطاني، وماهر المطرب.

وكان تقرير بريطاني سابق، فصلت فيه المحامية الدولية هيلينا كينيدي الانتهاكات التي تعرضت لها الناشطات الحقوقيات في السعودية منذ حملات الاعتقال عام 2018،

وكشف التقرير أن والدة الناشط اللاجئ في أمريكا عبدالله الغامدي البالغة من العمر 62 عاما، أجبرت على مشاهدة مواد إباحية، فيما كررت مصادر عدة أن الناشطتين لجين الهذلول و إيمان النفجان أُجبرتا على “تقبيل المحققين وأداء أفعال جنسية أخرى لهم.

وشدد التقرير على إشراف القحطاني على التعذيب وقوله لإحدى الناشطات المعتقلات: “سأفعل ما يحلو لي بكِ وبعد ذلك سأذوبكِ وألقي بكِ في المرحاض”، علاوةً على ذلك، أكدت إحدى الشاهدات أن خالد بن سلمان نفسه كان أحياناً في منشأة الاحتجاز، وأنه حضر جلسات التحقيق مع بعض الناشطات، كما هدد إحداهما بالاغتصاب والقتل خلال الاستجواب متفاخراً بمنصبه بالقول: “أتعرفين من أنا؟ أنا الأمير خالد بن سلمان، سفير المملكة لدى الولايات المتحدة، ويمكنني أن أفعل أي شيء بكِ”.

غياب التعريف والضمانات القانونية

تعرف اتفاقية مناهضة التعذيب التي اعتمدتها الجمعية العامة بالأمم المتحدة، “التعذيب ” على أنه أي عمل ينتج عنه ألم أو عذاب شديد، جسديا كان أم عقليا، يلحق عمدا بشخص ما بقصد الحصول من هذا الشخص، أو من شخص ثالث، على معلومات أو على اعتراف، أو معاقبته على عمل ارتكبه أو يشتبه في انه ارتكبه ،هو أو شخص ثالث أو تخويفه أو إرغامه هو أو أى شخص ثالث، أو عندما يلحق مثل هذا الألم أو العذاب لأي سبب يقوم على التمييز أيا كان نوعه،أو يحرض عليه أو يوافق عليه أو يسكت عنه موظف رسمي أو أي شخص يتصرف بصفته الرسمية ولا يتضمن ذلك الألم أو العذاب الناشئ فقط عن عقوبات قانونية أو الملازم لهذه العقوبات أو الذي يكون نتيجة عرضية لها.

 

بينما يشير تقرير “قسط” إلى غياب تعريف واضح لجريمة التعذيب في التشريع السعودي، نظرا لعدم وجود قانون جنائي رغم المطالبات الحقوقية، فالمملكة كنظام ملكي غير دستوري، لا تعتمد على قانون جنائي، بل تكتفي بهيئة التحقيق والادعاء العام، التي تتبع في الواقع العملي إلى وزارة الداخلية، رغم استقلالها النسبي على الأوراق.

ولا يتم ذكر التعذيب في التشريع السعودي إلا من خلال المادة 2 التي تنبه إلى حماية المتهم من أي انتهاك، أو مهانة، ولكنها لا تقدم نوع العقاب المترتب على ذلك، ولا وصف دقيق للشركاء في الجريمة، كالمحرض، والآمر، أو المتواطئ.

أما المادة 82 فهي المادة التي تمحي أي أثر لتوصيات إيجابية تخص التعذيب في متن تشريع المملكة، إذ تنص المادة على “لا يجوز تعطيل أي حكم من أحكام النظام، إلا بشكل مؤقت في زمن الحرب، وإعلان الطوارئ” وهو ما يؤسس لعدم التقيد بالنظام الأساسي، ويمثل بابا لهروب المتهمين بالتعذيب، بفعلتهم، برعاية التشريع.

وكانت الأمم المتحدة قد أقرت بغياب الضمانات القانونية التي تنص عليها اتفاقيات مكافحة التعذيب في سياسات المملكة، والتي يتجاهلها أغلب الأوقات المعنيين بإنفاذ القانون من قوى أمن، أو قضاة، ما يخلق بيئة محفزة للتعذيب وانتهاك حقوق الانسان، على حد وصف التقرير.

ذريعة محاربة الإرهاب

خلال العقد الماضي، انضمت المملكة العربية السعودية إلى أربع معاهدات لحقوق الإنسان هم اتفاقية حقوق الطفل، والاتفاقية الدولية لإزالة جميع أشكال التمييز العنصري، واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، كذلك اتفاقية جميع أشكال التمييز ضد المرأة.

ومع ذلك، يقدم قانون الإرهاب الذي أجازته المملكة عام 2017 تعريفا غامضا لجرائم الارهاب، تسمح باحتجاز غير محدد الزمن للمعارضين، كما يحرمهم من التواصل مع عائلاتهم، أو حتى محامي الدفاع، بما يسمح بانتهاكات غير مسبوقة، وغياب للرعاية الصحية، التي تسبب في وفاة العديد من الأشخاص، بشكل مفاجئ.

وبالمثل، تحتجز القوى الأمنية عائلات النشطاء، وتقوم بالتنكيل بهم، وكان الناشط عمر عبدالعزيز على سبيل المثال قد أخبر بالقبض على شقيقيه في محاولة لإسكات صوته من الخارج، حيث يعيش في كندا كلاجئ سياسي.

كما إن إنشاء المحكمة الجزائية المتخصصة، قد دعم التوسع في تعريف مفهوم الإرهاب، والتذرع به في الانتقام من المعارضين، والمساس بحرية التعبير.

ومن قبل أفادت جريدة “نيويورك تايمز الأمريكية” عام 2018  بأن 17 من محتجزي الريتز احتاجوا إلى دخول المستشفى جراء التعرض لاعتداءات بدنية، ومنهم رجل توفي لاحقا في الاحتجاز.

كما أن المجموعة نفسها قد تم احتجازها إلى مدى غير محدد، وابتزاز البعض منهم ماليا، للإفراج عنهم، بعيدا عن أي إجراء قانوني.

جدير بالذكر أن “الريتز” هي قضية طرحها الأمير الصغير للرأي العام كواقعة فساد ضمت أفراد من العائلة المالكة، تم احتجازهم في فندق الريتز كارلتون، دون محاكمة عادلة.

اقرأ أيضا:

حقوق الإنسان في السعودية: محاولة اغتيال خاشقجي جديد وناشطات في السجون

 

شهود إثبات على التعذيب والانتهاك

حرص التقرير على تقديم نماذج تعرضت للتعذيب أثناء الاحتجاز، والتي تضمنت عدد من الحالات منها:

الناشطة لجين الهذلول التي تم إطلاق سراحها مطلع الشهر الماضي، وسبق وأن تعرضت لانتهاكات جسدية وجنسية فادحة.

ولاعب كمال الأجسام ورجل الأعمال حسين آل ربح، الذي فوجئت أسرته بوفاته في سجن الدمام عام 2019، عقب الإبلاغ عن تعرضه للتعذيب الوحشي منذ اعتقاله في عام 2017.

أما سمر بدوي الناشطة المعروفة فقد تعرضت لضرب واعتداء جنسي وحبس انفرادي لفترات طويلة، وتعذيب نفسي شديد على أيدي المحققين.

وقال التقرير إن الملازم في قوات خفر السواحل اليمنية إبراهيم الشمساني، الذي شارك في العملية السعودية ضد الحوثيين قبل أن يتولى مهمة دورية لحماية ميناء الحديدة اليمني اعتُقل وأُخفي قسرياً دون علم أسرته التي تلقت عقب أسابيع رسالة عن انتحاره في أحد سجون المملكة.

ولم تحقق السعودية في القضية رغم إحالتها إلى المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالات الإعدام خارج القضاء.

وأشار التقرير إلى وضع الأكاديمي اللامع عبدالله الحامد في سجون غير مناسبة، حيث حرم من التواصل مع أسرته عبر الزيارات أو المكالمات، وتجاهلت السلطات التوصية الطبية بحاجته إلى جراحة في القلب، وتوفى نتيجة الاهمال، والتجاهل لحالته الصحية.

توصيات من أجل وقف الانتهاكات

أشار التقرير الذي أصدرته الولايات المتحدة خلال الشهر الماضي حول جريمة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي إلى “سيطرة ولي العهد على آلية اتخاذ القرارات في المملكة، والمشاركة المباشرة لمحمد بن سلمان وأعضاء من عناصر حمايته في عملية الاغتيال، وعلى دعم ولي العهد لاستخدام إجراءات عنيفة لإسكات المعارضين في الخارج، ومنهم خاشقجي”.

وفي الداخل تزيد وتيرة الانتهاكات بشكل دعا أغلب الجهات الحقوقية إلى مطالبة المملكة بالعمل على وقفها، ومحاسبة مرتكبيها، عبر مجموعة من الآليات فيما تقدمت “قسط بمجموعة من التوصيات التي تضمنت: المطالبة بتفسير الجرائم الجنائية في قانون العقوبات، إلى جانب وضع تعريف محدد للتعذيب في التشريعات المحلية، وتجريمه، وتشديد العقوبات بحق مرتكبيها.

ضرورة أن تنص التشريعات على عدم الأخذ بالاعترافات المنتزعة قسراً، واعتماد نظام مراقبة وتسجيل صوتي ومرئي لجميع الاستجوابات، إلى جانب تعريف الإرهاب بما يتماشى مع المعايير الدولية، وإلغاء المحكمة الجزائية المتخصصة.

أيضا ضمان فحص الادعاءات بالتعذيب بشكل عادل، وعرض الضحايا على أطباء متخصصين مستقلين، مع التأكيد على محاكمة الجناة المزعومين.

في وقت سابق دعت المتحدثة باسم مجلس النواب، نانسي بيلوسي، إلى إعادة النظر في العلاقات مع الرياض، داعية إلى معاقبة أي شخص ينتهك حقوق الإنسان بمساعدة قانون ماغنتسكي العالمي.

وتسعى جهات حقوقية عدة إلى الضغط على الادارة الأمريكية الجديدة لنزع مخالب الأمير الشاب، في حين لايزال موقف الرئيس بايدن مترددا حفاظا على علاقات استراتيجية ممتدة مع الشريك السعودي.