يأتي عيد الأم هذا العام، في ظل جائحة أعلنت الصين عن بدايتها أواخر 2019، ولا تزال مستمرة. فرض الوباء بأثقاله تحديات على نساء وجدن أنفسهن مطالبات بالتعاطي مع مستجدات الوضع الراهن، الذي أجدن في إدارته فخرجن بمكتسبات ومهارات جديدة.
أمهات استطعن إجادة التعامل مع الأجهزة الرقمية والحاسب الآلي واكتسبن مهارات، لمساعدة أبنائهن على التعلم عن بعد، وفق مقتضيات الظرف الراهن. وآخريات وجدن أنفسهن مكبلين بتحديات لا نهاية لها.
مهارات جديدة
منى عبد الله أم لطفلين، أكبرهما في الصف الخامس الابتدائي والثاني في الصف الثاني. تقول: “مع بداية كورونا قابلتني أول أزمة أن مدارس الأولاد جعلت التعليم أونلاين. مطلوب مني أذاكر لهم، وأتابع معهم الدروس، وأنا لا أجيد التعامل مع الكمبيوتر”.
هنا قررت الأم تعلُّم التعامل مع الكمبيوتر جيدًا، لتستطيع المذاكرة لطفلها الأكبر، وأيضًا مساعدة الأصغر. وتقول: “بقيت حاسة إني جاهلة وابني جاي يسألني عن أشياء في اللابتوب مش عارف يفتحها أو يشغلها وأنا مش عارفة أرد. أصبحت الجائحة والخوف على الولاد من الوباء، هو تحدٍ جديد، يجب أن أتعلم التعامل مع الكمبيوتر”.
بحثت الأم وراء ما تجهله في العالم الرقمي، وسألت صديقاتها، وحصلت على كورس أونلاين، في كيفية التعامل مع جهاز الكمبيوتر. وبدأت رحلة تعلم موازية مع طفلها الأكبر، تمهيدًا لما ستقوم به في المستقبل مع طفلها الأصغر.
تقول الأم: “بدأت أتعلم مع ابني، وعندما أصل لشيء جديد أنقلها لطفلي. فالتعليم الرقمي هو اللي هيستمر، وهحتاجة كمان لما ابني يبدأ امتحانات، وهنا حسيت إن الأزمة بتاعت كورونا طلعت حاجة جديدة مفيدة ليا ولولادي”.
زيادة الضغوط
أما نرمين شريف، فمنحتها الجائحة مزيدًا من الضغوط، عندما قررت الشركة التي تعمل فيها، أن تنقل عمل الموظفات اللاتي لديهن أطفال إلى “العمل من المنزل“.
في بداية الأمر تخيلت نرمين أنه سيكون بمثابة قسط من الراحة ستأخذه بعيدا عن زحام المواصلات، والضوضاء، والاستيقاظ مبكرا للحاق بمواعيد العمل. لكنها توضح: “قابلت وحشًا جديدًا، ضغوط لا نهاية لها، لم أكن أتخيلها. ابني في حضانة أصبح لا يذهب هو أيضًا، وبقيت قاعدة معاه، وبشتغل في نفس الوقت”.
لا يعرف الصغير مصطلح العمل من المنزل، كما قالت نرمين، فقط لا يعرف سوى أنه يحتاج للعب. قائلة: “هو طفل عاوز حد يلعب ويقعد معاه، وأنا في الوقت نفسه بشتغل، مش هعرف أعمل ده طول الوقت”.
يحتاج عمل نرمين تواجدها عدد لا يقل عن 8 ساعات أمام جهاز الكمبيوتر، وهنا كانت الأزمة، فالطفل يحتاج للأكل واللعب طوال الوقت. وكان على نرمين أن تأكله وهو على رجلها وفي الوقت نفسه تستمر في العمل، فكان يحضر الاجتماعات الأونلاين معها.
رد الجميل
نرمين كانت ترى أن الأمهات اللاتي لا يعملن، ويجسلن مع أطفالهن في نعمة لا تحظى بها. ولكن التجربة أثبت العكس: “كنت فاكرة أن الأمهات اللي مش بتشتغل وبتقضي الوقت مع ولادها، في نعمة وبحسدهم، بس لقيت أن فعلا محدش مرتاح، الحضانة وخروجي للعمل كانوا شيلين عني حمل كبير”.
عام كامل، قضته نرمين ما بين العمل، وتحضير الطعام لصغيرها، وأيضا لزوجها أثناء عودته من العمل، واللعب مع صغيرها، وترتيب فوضى ما يفعله في المنزل طوال النهار. ليأتي عيد الأم، ويترك لها زوجها وردة، هي أول ما تراها عند الاستيقاظ من النوم، وبجوارها أنها رسالة حب لما قامت به خلال عام، منه ومن صغيرها.
الوردة كانت الدواء الذي أضاع وأزال كل ما شعرت به نرمين خلال عام كامل. وتضيف: “السنة دي كانت صعبة أوي ومكملة معانا لسه، وأنا إمكانياتي متسمحش أجيب مربية أطفال لابني. لكن في النهاية الرسالة اللي صحيت عليها الصبح، إن جوزي حاسس بكل اللي بعمله، وأكيد ابني لما يكبر، نستني كل ألم راح، وهقدر أكمل بيها كل ألم ووجع جاي”.
مخاوف وتحديات
أما منار التهامي، فكانت حياتها كما هي، زاد عليها الوباء فقط. حيث تقول: “أنا مش بشتغل، وولادي الاتنين كانوا ما بين إنهم يروحوا المدرسة نصف الوقت، والنصف الثاني في البيت أونلاين. لم أشعر بأي تغيير بالنظام غير الخوف من الوباء، الذي تحول لرعب وليس خوف”.
تعقيم أدوات الدراسة التي يستعين بها الأطفال، والتأكد من نظافة الخضراوات والفاكهة التي يتناولها، والتأكيد على عدم تناول الطعام من الخارج. كلها أمور زادت من عبء منار، ولكنه عبء مرتبط بمخاوف الوباء. طوال الوقت تخاف على أولادها من العدوى، سواء خلال وقت المدرسة أو النادي.
كانت الاحتياطات أقل قبل الوباء، لكنها تحولت إلى هاجس ضاغط على أعصاب منار، خاصة محاولة شرح أضرار وتوابع الوباء للأطفال. وهؤلاء في الأساس لا يستجبون في العادة للنصائح. حتى مر العام الأول ولا زالت مخاوف الوباء تحاصر منار.
الجائحة خلقت نوعا جديدا من العلاقات بين الأبناء والأمهات، التي يترجمها الأبناء اليوم في عيد الأم من خلال رسائل حب للأمهات. تلك الرسائل التي تعين الأمهات على استكمال المسيرة المستمرة، فلا زلت الجائحة مستمرة، والعمل من المنزل مستمر معها.