على بعد 42 عامًا من بدء الاحتفال باليوم العالمي للقضاء على العنصرية، لا تزال الكرة الأرضية تعج بكافة أشكال التمييز. خاصة في ظل الاختبار الحالي الذي تخوضه البشرية في ظل جائحة كورونا.
في مثل هذا اليوم أطلقت الشرطة في شاربفيل بجنوب أفريقيا النار. وقتلت 69 شخصًا شاركوا في مظاهرة سلمية ضد “قوانين المرور” المفروضة من قبل نظام الفصل العنصري في عام 1960. وقد حكمت جنوب أفريقيا أقلية من البيض أغلبهم من أصل هولندي فرضت نظامًا عنصريًا. وكان نظام الأبرتهايد هذا معني بتصنيف البشر على أساس العرق، واللون. ما ترتب عليه مجموعة من السياسات التمييزية التي تهدف إلى ضمان الهيمنة الاقتصادية، والسياسية للبيض. وانتهى العمل بهذا النظام عام 1990. وأعقب ذلك انتخابات ديمقراطية عام 1994، وبرز اسم نيلسون مانديلا، كبطل قومي، وحد أطراف البلاد. وكان أول رئيس أسود يصل إلى سدة الحكم.
في يوم القضاء على العنصرية.. هل تخلص العالم حقًا من “الأبارتهايد”؟
خلال العام الماضي، استيقظ العالم على جريمة قتل شرطي لمواطن يدعى جورج فلويد. وهي ليست الجريمة الأولى في حق السود في أمريكا، وربما لن تكون الأخيرة. لكنها القشة التي قصمت ظهر البعير، كما يقال.
في دراسة نشرها معهد “ناشونال فيتال ستاتيستيكس” الذي يجمع سنويًا كل المعطيات حول الوفيات في الولايات المتحدة عام 2019، كُشف أن الرجال السود يتعرضون لخطر القتل على يد الشرطة 2.5 مرة أكثر من نظرائهم البيض. وبالنسبة للأمريكيين من أصل لاتيني تبلغ هذه النسبة 1.5. أما بالنسبة لذوي الأصول الآسيوية والأوقرانية، فيتعرضون لمخاطر أقل بكثير.
لا تقتصر العنصرية في الولايات المتحدة على العنف الشرطي. كما بدا أن “حلم” مارتن لوثر كينج لم يتحقق بعد، حتى مع وجود قوانين تمنح السود حق دخول نفس المطعم، أو ركوب الحافلة التي يستخدمها البيض.
يبدو أن تلك القوانين التي نظمها الرجل الأبيض لامتصاص حماس تيارات المقاومة المتزايدة والعميقة في مطالباتها من قبل حركات السود، والتي شهدت أوجها في الخمسينيات والستينيات. وقد دفعت نحو مزيد من التمييز ولكن هذه المرة عبر المؤسسات.
وفق إحصائيات “ستاتيكا” التي تشير إلى وجود 38 مليونًا في أمريكا تحت خط الفقر. وأن قرابة 21 % من الأميركيات من أصول أفريقية يعشن في الفقر، أكثر من أيّ عرق آخر. والوضع نفسه ينطبق على فرص العمل، التعليم، والصحة.
الفقر الملون بالأرقام
تجدد الجمعية العامة للأمم المتحدة التأكيد على أن جميع البشر يولدون أحرارًا ومتساوين في الكرامة والحقوق ولديهم القدرة على المساهمة البناءة في تنمية مجتمعاتهم. كما من المقرر أن تجمع الجمعية العامة للأمم المتحدة قادة العالم في فعالية مدتها يوم واحد في نيويورك للاحتفال بالذكرى السنوية العشرين لاعتماد إعلان وبرنامج عمل ديربان تحت شعار “التعويضات والعدالة العرقية والمساواة للمنحدرين من أصل أفريقي”.
رغم ذلك تشير الأرقام إلى واقع شديد البؤس. فبحسب إحصائيات البنك الدولي، كان عام 2020 هو الأعلى فقرًا على مستوى العالم. إذ تجاوزت نسبة الفقر 23%، يمثلون الأشخاص الذين يعيشون على3.20 دولار للفرد في اليوم. أما الذين يعيشون على أقل من 5.50 دولار للفرد في اليوم، فقد ارتفعت نسبتهم لتصل إلى 42%.
جغرافيًا، يتركز منخفضو الدخل بالعالم في المناطق الملونة. إذ تحتضن منطقتا أفريقيا جنوب الصحراء، وجنوب آسيا، أكبر نسبة من الفقراء في العالم. ذلك بما يصل إلى 84.5%.
يصف تقرير للأمم المتحدة مستوى عدم المساواة في الفقر نفسه، داخل هاتين المنطقتين، بـ”الهائل”. ففي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى نجد أن نسبة عدم المساواة في دولة جنوب أفريقيا تبلغ 6.3%. بينما تصل في جنوب السودان إلى 91.9%. وفي جزر المالديف الواقعة في منطقة جنوب آسيا تسجل النسبة 0.8%، مقارنة بنسبة 55.9% في أفغانستان.
كما يكشف مؤشر الفقر أن العديد من البلدان تشهد أيضًا مفارقات ومستويات داخلية “واسعة” من عدم المساواة. ففي أوغندا مثلا، يتراوح معدل انتشار الفقر متعدد الأبعاد من 6% في عاصمتها كمبالا، إلى 96.3% في كاراموجا، شمال شرق البلاد.
وتجدر الإشارة إلى أن مؤشر الفقر المتعدد الجوانب، لا يعني فقط بالجانب النقدي، وإنما بالرعاية الصحية والتعليم والخدمات الأساسية. مثل المياه والكهرباء والصرف الصحي. ففي بعض الدول تتوفر هذه الخدمات مجانًا أو بأسعار زهيدة، بينما في دول أخرى لا تتوفر حتى للأشخاص من ذوي الدخل.
736 مليون شخص يعانون فقرًا مدقعًا
في يوليو 2020، أشار تقرير للبنك الدولي أن من بين 736 مليون شخص من الفقراء فقرًا مدقعًا أي بدخل يصل إلى 1.9دولار لليوم عام 2015، كان 368 مليون شخص، أي نصفهم، يعيشون في 5 بلدان فقط. هي الهند ونيجيريا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا وبنغلاديش. وجميعها تقع في المنطقة الملونة.
وفي مصر سجل معدل الفقر 29%، كما أن المراقبين يتوقعون ارتفاعًا جديدًا في الأرقام في ظل جائحة كورونا. فضلاً عن ارتفاع متزايد في نسب التسرب من التعليم الثانوي، وزواج القاصرات وتهاوي منظومة الصحة والخدمات. خاصة في المناطق الأبعد عن العاصمة.
ووفقًا لذلك، فإن نسب الفقر متعدد الأبعاد في العالم قد تتجاوز 50%. فيما تشير منظمة “أوكسفام” البريطانية، إن ثروة 1% من أغنى أثرياء العالم تفوق ثروات بقية العالم مجتمعة. وبدلاً من التأسيس لخلق اقتصادي عالمي يتمتع فيه السكان كافة بحياة أفضل، تركزت السياسات في إثراء 1% من العالم، بحسب تقرير أوكسفام.
الأطفال والنساء يدفعون الثمن
حسب تقرير أصدرته الأمم المتحدة منذ عامين، فإن حوالي 663 مليونًا من أطفال دون سن الـ 18 عامًا. وحوالي الثلث منهم، أي حوالي 428 مليون هم أطفال دون سن العاشرة، يعانون سوءات الفقر.
الغالبية العظمى من هؤلاء الأطفال، أي حوالي 85%، يعيشون في جنوب آسيا وأفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وتنقسم أعدادهم بالتساوي تقريبًا بين هاتين المنطقتين. وتبدو الصورة “رهيبة بشكل خاص” حسب التقرير في بوركينا فاسو وتشاد وإثيوبيا والنيجر وجنوب السودان. حيث يعتبر 90% أو أكثر من الأطفال دون سن العاشرة ممن يتعرضون لنوع “الفقر متعدد الأبعاد”.
أما النساء يمثلن أغلبية الفقراء في معظم المناطق وفي بعض الفئات العمرية، ولم يحصل نحو 70% من فقراء العالم في سن 15 عامًا وأكبر على أي تعليم مدرسي. أو حصلوا فقط على قدر محدود من التعليم الأساسي.
“كورونا” اختبار للعنصرية لم تنجح فيه البشرية
تتعهد الدول الأطراف باتفاقية القضاء على التمييز العنصري بأن تتخذ تدابير فورية وفعالة. لا سيما في ميادين التعليم والتربية والثقافة والإعلام. ذلك بغية مكافحة النعرات المؤدية إلى التمييز العنصري. في سبيل تعزيز التفاهم والتسامح والصداقة بين الأمم والجماعات العرقية أو الاثنية الأخرى.
خلال العام الماضي، أشارت تقديرات الأمم المتحدة إلى سقوط ما بين 88 مليون شخص و115 مليونا في براثن الفقر المدقع. وكشفت الجائحة عن تمييز عنصري واسع.
في هذا الصدد، قالت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، ميشيل باشليه، إن الإحصاءات تشير إلى الأثر المدمر لكورونا، على السكان المتحدرين من أصل أفريقي. وكذلك على الأقليات الإثنية في بعض البلدان. بما في ذلك البرازيل وفرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة.
في المملكة المتحدة كان معدل الوفيات بين السود و الباكستانيين والبنغاليين تقريبًا ضعف الوفيات بين البيض. حتى وإن أخذنا في الاعتبار الطبقة الاجتماعية وبعض العوامل الصحية. تشير أيضًا التقارير أن كورونا ساهمت في زيادة معاناة الأمريكيين السود. إذ أدى الوباء إلى وفيات أكثر في صفوفهم. والمثال من ولاية إلينوي التي لا يمثل فيها السود سوى 14% لكنهم يمثلون 42 %من الوفيات. كما تلفت التقارير إلى أن الأحياء الفقيرة حيث يقيم الأمريكيون من أصل أفريقي تملك مستشفيات أقل جودة ولديها عدد أقل من الأطباء.
وصلت العنصرية والتمييز إلى حد فضائحي أحيانًا. خاصة على مستوى التطعيم. إذ تشير الأرقام إلى أن 45 % من عمليات التطعيم تُجرى في بلدان مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى الغنية التي تضم 10% من سكان العالم. في حين تجاهلت هذه البلدان الدول الأفقر. وفي بعض الأحيان عرضت هذه الدول تصدير الفائض لديها من اللقاح وبيعه إلى البلدان الأفقر بأضعاف السعر الأصلي، كما الحال مع بعض دول أفريقيا.
كما أن التمييز طال السكان داخل البلد الواحد. ففي الأرجنتين على سبيل المثال، قدم وزير الصحة جينيس جونزاليس جارسيا استقالته الجمعة بعد الكشف عن أنه عرض على أصدقائه الحصول على لقاح في الوزارة من دون تحديد موعد في المستشفى. أما في مصر، فالأرقام تتضارب حول كمية اللقاح. وكذلك السياسات المتبعة في هذا الشأن. فضلاً عن أن فترة بدء وانتهاء التلقيح غير محددة الأجل. ذلك بالرغم من إعلان وزارة الصحة تركيز حملتها على كبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة في البداية.