أصدرت مؤسسة حرية الفكر والتعبير ورقة بحثية جديدة بعنوان “باب مقفول.. ورقة عن العضوية كمدخل لنقابات فنية مستقلة في مصر”. حاولت المؤسسة من خلالها الإجابة عن كيف أدت جائحة كورونا لزيادة الخناق من قبل السلطات على النقابات الفنية والمستقلة بمصر.

ملاحقة الفنانين والمبدعين

في الورقة البحثية رصدت المؤسسة أشكال متعددة من ملاحقة الفنانين والمبدعين في مصر من خلال محاصرة أعمالهم. بسبب التنسيق بين النقابات الفنية والجهات الأمنية من ناحية والأجهزة الرقابية من ناحية أخرى. كما استندت إلى مواقف نقابة المهن الموسيقية بقيادة هاني شاكر على وجه التحديد. وما شنته من حملات إعلامية وصفها التقرير بـ”الشرسة” على مطربي المِهرجانات من الغناء. فضلًا عن تحرير محاضر قانونية ضد البعض منهم.

ورغم أن الدستور المصري أكد بوضوح الحق في تكوين وتنظيم عمل النقابات وإدارتها على أسس ديمقراطية. إلا أن التضييق على الانضمام إلى عضوية النقابات الفنية، كان أبرز ملامح المرحلة.

“الفكر والتعبير” قالت إن هذه الفترة شهدت تحولًا من جهة لحفظ الحقوق لأصحابها إلى دور إلزامي حتى يمكن إنتاج أي محتوى فني. ما جعل عضوية النقابة أشبه بسيف على رقاب المبدعين.

شروط تعسفية للانضمام للنقابات

وبحسب التقرير تبلغ عضوية النقابات الفنية الثلاث مجتمعة 47600 عضو، بحسب آخر إحصاء نشر للمركز القومي للتعبئة والإحصاء. ما يفيد بزيادة عدد المنضمين إليها بشكل ملحوظ. باستثناء نقابة المهن الموسيقية، التي انخفضت عضويتها خلال آخر إحصاء إلى 22386 مقابل 63023 عضوًا عام 2016.

كذلك أشار التقرير إلى أن النقابات الفنية وضعت شروطًا تعسفية للانضمام إلى عضويتها. كما استخدمت عملية شطب العضوية كوسيلة تأديب سياسي وأخلاقي للأعضاء بجانب التحقيق معهم ومساءلتهم في أمور تتخطى تنظيم أعمالهم. وهو ما يخالف أيضًا رسم القانون الأول لإنشاء النقابات رقم 85 لسنة 1948 بملامحه الأولية لدور النقابات الفنية. كما تضمَّن “أن تتحرك النقابات لتكون كيانات طوعية ومتنوعة، تعمل كجهة لتنظيم المهنة من أجل ضمان مصالح الأعضاء”.

المؤسسة اتعتبرت أن الدستور المصري نص على أن النقابة يكون دورها قائم على تنظيم المهنة. بينما لم ينص على أن تتعدى النقابة اختصاصها فتصبح جهة تحتكر المهنة. وهو ما أوصد الباب أمام مطربي المهرجانات. في الوقت الذي تكفل فيه المادة 67 من الدستور المصري حرية الإبداع الفني والأدبي. كما تحظر توقيع أية عقوبة سالبة للحرية على أي فنان بسبب عمله. كذلك تكفل المادة 71 نفس الحماية للجرائم التي ترتكب بطريق النشر أو العلانية.

مخالفة الدستور

واستدرك التقرير أنه على النقيض من المواد الدستورية، جاء القانون المنظِّم لعمل النقابات الفنية متجاهلًا هذه الحقوق والحريات والضمانات. وشدد في مادته 5 و5 مكرر على أنه لا يجوز العمل بأي من الأعمال التي تنظّمها النقابة. ما لم يكن الشخص حاصلًا على العضوية العاملة أو على تصريح عمل من النقابة، وإلا عُوقب بالحبس أو الغرامة أو كليهما.

مع التوضيح أنه في عام 2019 وقَّعت النقابات الفنية عقوبات تأديبية على الأعضاء لأسباب سياسية وأخلاقية. فشطبت نقابة المهن التمثيلية عضويتي “خالد أبو النجا وعمرو واكد” دون تحقيق. كما أوقفت في العام ذاته نقابة المهن الموسيقية المطربة شيرين عن الغناء وأحالتها إلى التحقيق. بتهمة الإساءة إلى سمعة مصر والإضرار بالأمن القومي بعد أن ألمحت في إحدى حفلاتها بالخارج إلى وضع حرية التعبير في مصر. كذلك شطبت نهائيًا عضويتي “فيفي ولميس” بسبب عدم الالتزام بمبادئ المهنة ولائحة النقابة السلوكية. وإصرارهما على تقديم أغاني البورنو والعري بحسب بيان النقابة.

المهن الموسيقية الأكثر “تطويعًا”

وخلصت المؤسسة في تقريرها إلى ملاحظة أن نقابة المهن الموسيقية هي النقابة الأبرز من حيث محاولات الضبط والتطويع. كذلك هي الأكبر في استخدام سلطتها الرقابية على الأعضاء المحتملين في السنوات الأخيرة. كما أصبح من حق النقابة رفض أي محتوى فني بحجة عدم فتح الباب “للدخلاء على المهنة”.

كذلك أوصت المؤسسة في تقريرها بأن اللحظة تستوجب مراجعة الأطراف المعنية لسياساتها وأساليبها. مراعاةً لحاجات جماهير ومستهلكي الفنون والثقافة من ناحية، وصنّاعها ومبدعيها من ناحية أخرى. مع استعادة المزيد من الانفتاح خاصة في ظل انتشار منصات ووسائط رقمية عابرة للحدود. وأن تضع نصب عينها المصالح الواسعة الاجتماعية والاقتصادية، وليس فقط الاعتبارات السياسية والأمنية الضيقة.