عيد الأم مناسبة جميلة لكني أراها طريقة من طرق المجتمع للدجل والنصب على النساء، أحيانًا يلجأ النصاب لمدح ضحيته والثناء عليها ليتمكن من استنزافها واستلاب آخر ما تملك.

في عيد الأم لن أكتب عن بطولة (أمينة) أمي وتضحيتها وعمرها الذي ضاع في تربيتنا كأم مثالية، لكن سأتوقف مع أنانيتي كأبن تربى على قيم مجتمع  ذكوري لا يرى الأمومة إلا في صورة تضحية المرأة بحياتها لأبناءها، لأني بعد سنوات من رحيلها، لم أعد أشعر فقط بالامتنان نحوها بقدر ما أشعر بالذنب، لأني كنت كائن طفيلي عاش على أنقاضها.

بمجرد بلوغها سن الأربعين كانت تعاني من أمراض ضغط الدم بسبب كم الضغوطات اليومية التي تثقل كاهلها في تربية خمسة أبناء تتحمل كافة مسئوليتهم في ظروف مادية صعبة بمفردها، صحة تدهورت وحياة لم تعشها، ومجتمع لا يعترف إلا بهذه النوعية من الأمومة التي لابد للمرأة فيها أن تترهبن في محراب الأبناء، وأن تموت على صليب الأسرة لتمنح أبناءها الخلاص.

شعوري بالذنب يزداد كلما تخيلت أمي في ظروف مختلفة وفي مجتمع لا يحكم على النساء بالتماهي في حياة أبناءهم. كانت حياتها ستختلف.

تعليم أفضل يمكنها من العمل في ظروف عمل لائقة وإنسانية ودخل مادي يسمح لها بكل ما حرمت نفسها منه من أجل أن توفره لنا. وحياة أقل ضغوطات بما يعني صحة أفضل وعمر أطول.

أشعر بالأسى وأنا أتابع حفلات تكريم (الأمهات المثاليات) بالرغم من أمتناني وتقديري واحترامي لهؤلاء النسوة اللاتي قدمن هذه التضحيات العظيمة، لأني أدرك كم المعاناة لأصحاب هذه القصص، وكل ما يجول في خاطري، لماذا لا يفكر المجتمع في أن يكون مثاليًا ويطلب من الأمهات أن يكن مثاليات؟!

لماذا لايفكر المجتمع في أن يتخلص من كل القيود التي يضعها أمام النساء لتصبح كل الأمهات مثاليات؟ وتكون حياتهن مثالية. المجتمع الذي يحرم الأمهات قانونًا، من الولاية على أبناءهن. المجتمع الذي يصر على بقاء تشريعات الأحوال الشخصية ظالمة للأمهات وللنساء.

كما يحرم الأم من حضانة أبناءها في حالة الزواج مرة أخرى.

المثالية ليست أن تحرم المرأة من حياتها، ونطلب منها أن تضحي بكل شيئ من أجل أبناءها، فهذا ظلم، لكن المثالية هي إتاحة الفرصة وتمكين النساء من القيام بدورهن في تربية ابناءهن كمسئولية مشتركة مع الآباء، وفي ذات الوقت تكن قادرات على ممارسة حياتهن والاستمتاع بها.