انتقادات حقوقية وجدل مجتمعي تزامن مع تسريب مواد بمسودة قانون للأحوال الشخصية قدمته الحكومة مطلع شهر مارس الجاري للبرلمان لمناقشته وإقراره، غير أن الغضب تزايد مع الإعلان قبل يومين عن إسناد الرئيس عبدالفتاح السيسي مهمة صياغة القانون بنسخته النهائية لمؤسسة الأزهر.

مسودة القانون الموجودة حاليًا في مجلس النواب، لقيت انتقادًا من الجميع، بعضهم يقول إنه ردة للوراء فيما يتعلق بحقوق المرأة وحضانة الطفل وغيرها، وآخرون يعتبرونه منافيًا للشريعة الإسلامية، فلا هو قانون خاضع كليًا لأحكام الشريعة ولا قانونًا مدنيًا خالصًا، بيد أنه خليط من قنابل مثيرة اجتماعيًا.

هذا الرفض الجمعي، من قبل النساء والرجال، دفع الحكومة والبرلمان للتبرأ من مسودة القانون، بل ونفى طرحه للنقاش داخل البرلمان. وبعد أيام قليلة من عاصفة انتقادات خرجت تصريحات برلمانية تفيد بأن الرئيس السيسي أسند المهمة برمتها لمؤسسة الأزهر.

قانون أزهري

أمين اللجنة التشريعية بمجلس النواب، على بدر، أعلن أن الرئيس عبدالفتاح السيسي وجه بأن يتولى الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر إصدار القانون من المؤسسة الدينية. وأشار إلى أن اللجنة ستبدأ عقب ورود القانون من مشيخة الأزهر مباشرة، جلسات استماع وحوار مجتمعي للبت في القانون وسماع جميع الأراء.

وفي كلمته باحتفالية الأم المثالية، أمس الأحد، أثنى السيسي على القانون الذي أعده الأزهر، دون تقديم مزيد من التفاصيل بشأنه.

في الأثناء، تداول مهتمون ووسائل إعلام بنودًا لمسودة القانون الذي أعده الأزهر، ويأتي في 192 مادة، أبرزها تتمثل في عدم صحة الزواج في خمس حالات هي: من لا تدين بدين كتابي، وزواج المسلمة بغير المسلم، والزواج بزوجة الغير أو بمعتدة من الغير، والجمع بين امرأتين بينهما نسب أو رضاع، كالجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها والجمع بين الأم والبنت نسبًا أو رضاعًا، وعدم جواز الجمع بين أكثر من 4 زوجات في عصمة الرجل.

الأزهر: الزواج قبل بلوغ سن الـ18 يكون بإذن القاضي للولي أو الوصي في حالات الضرورة، تحقيقًا لمصلحة الصغير والصغيرة

وبشأن زواج القصر، تحدد مسودة قانون الأزهر أهلية الرجل والمرأة للزواج بتمام 18 سنة، لكنه يستطرد بأن “الزواج قبل بلوغ هذه السن يكون بإذن القاضي للولي أو الوصي في حالات الضرورة، تحقيقًا لمصلحة الصغير والصغيرة”.

وحول النفقة، يشترط القانون سريان النفقة للزوجة على زوجها من وقت الدخول، ولو كانت غنية، أو مختلفة معه في الدين. كما أن مرض الزوجة لا يُسقط النفقة، ولكن في حالة طلبت الزوجة الطلاق إذا أعسر الزوج، وفرَّق القاضى بينهما، فلا تستحق نفقة.

وعن خروج الزوجة من بيتها بدون إذن زوجها، ينص القانون على أن “للزوجة أن تخرج من البيت في الأحوال التي يُباح لها الخروج فيها شرعًا أو عُرفًا، ولو لم يأذن الزوج، من غير تعسف منها في استعمال الحق”. ونص على ضرورة توثيق عقود الطلاق، لدى موثق مختص خلال 30 يومًا من إيقاع الطلاق.

الولاية التعليمية المتمثلة فى اختيار نوعية التعليم جعلها للأب والأم بالتراضى فإن تنازعًا فتكون للأب

وتتضمن مسودة الأزهر 31 مادة بشأن المطلقة، من بينها تقديم نفقة الزوجة على غيرها من الديون، إذا لم يتسع مال الزوج لأكثر من نفقتها. مادة أخرى مثيرة في قانون الأزهر، تتمثل في الولاية التعليمية، المتمثلة فى اختيار نوعية التعليم، وجعلها للأب والأم بالتراضى، فإن تنازعًا فتكون للأب. كما تثبت الولاية على مال القاصر للأب ثم للجد، دون ذكر أي دور الأم.

ولم تتضح الرؤية كاملة بشأن مسودة قانون الأزهر، لكن حقوقيين ينتقدون التوجه الحكومي لحصر وضع القانون على مؤسسة الأزهر وحدها. فالحديث الآن يدور حول مسودة أعدتها الحكومة وتسلمها البرلمان بالفعل، وأخرى أزهرية ينتظرها مجلس النواب، رغم تسريب بعض بنودها.

انتقادات حقوقية

ومنذ مطلع الشهر الجاري أبدى متخصصون وعاملون في مجال حقوق المرأة رفضهم للتعديلات المقترحة، خاصة ما يتعلق بولاية المرأة وأهليتها وحقوق المطلقة، والاستناد إلى رأي مذهبي واحد في القانون وهو أبو حنيفة النعمان، دون الاستناد إلى قوانين مدنية وغيرها من المآخذ.

ولاية المرأة

أبرز أسباب الغضب تتعلق بولاية المرأة، في ظل تسريبات تتعلق بتغيير ترتيب الحاضنين وجعل الأب في المرتبة الرابعة بدلاً من السادسة عشر، في القانون الجديد، بالإضافة إلى تغريم الزوج الذي يتزوج بأخرى دون إبلاغ الأولى بمبلغ يتراوح ما بين 20 ألف و 50 ألف جنيها أو الحبس ما لايقل عن سنة، ومعاقبة المأذون إذا لم يخطر الزوجة الأولى بكتاب مسجل مقرون بعلم الوصول.

الحق في الولاية هي أكثر النقاط الخلافية في المسودة الحالية، خاصة أنها تنص على أن أي “ذكر” في عائلة المرأة التي ترغب في الزواج من شخص أن يبطل هذا الزواج في غضون عام واحد بدعوى عدم كفاءة الزوج الذي اختارته السيدة. كما أن القانون الجديد لا يعطي للأم ولاية على أطفالها في كل ما يتعلق بالتعليم والصحة والسفر وإصدار الأوراق الرسمية وغيرها من المعاملات التي تكون حصرًا في يد الزوج أو الأب.

الانتقاد الآخر الذي يقدمه حقوقيون، يتمثل في عدم الإشارة لغير المسلمين في القانون الجديد، في ظل معاناة الكثير من المسيحيين بسبب تشدد الكنيسة في مسائل الطلاق.

أهليّة المرأة الشخصية والقانونية

القانون يحرم المرأة من شخصيتها القانونية، كما يلغي أهليتها من قبيل أن الرجل هو الذي يحق له الكلمة العليا في شؤون الأسرة، ولا ينبغي للسيدات أن يسافرن بمفردهن ومن دون إذن، ولا ينبغي أن يحصلن على ميراث مساو للذكر، ولا تتمتع الأم بالوصاية على أولادها عند وفاة الزوج إلا بعد تنازل الجد لها.

الزواج العرفي

وأبرز المتابعون تناقضًا في القانون الجديد، بشأن الزواج العرفي، حيث يعترف به في حالات الطلاق، ولا يعترف به في حالات الميراث والنفقة.  كما أن واحدة من المواد المرفوضة على المستوى الحقوقي، يتعلق بإعفاء الرجل من الحبس في قضايا المنقولات الزوجية، خاصة أن قضية تبديد المنقولات الزوجية تحولت إلى محاكم الأسرة بدل المحاكم الجنائية وهذا يعفي الزوج من الحبس، وتكون مطالبته بالمنقولات مدنية.

https://twitter.com/habiba_gadalla/status/1371788834682376196?s=20

الخلع

مواد أخرى بالقانون تجعل المرأة مجبرة- لأسباب مادية- على العيش مع زوج غير متفاهمين. حيث يلزم لقبول المحكمة طلب المرأة بالخُلع من زوجها تنازلها عن جميع حقوقها المالية، كما يسقط حق المرأة في النفقة والإقامة في مسكن الزوجية إذا كانت غير حاضنة، وهو ما يعني أنها ستكون مجبرة على الزواج لأسباب مادية.

37 مادة غير دستورية

المسودة الموجودة في أروقة البرلمان حاليا لم تسلم من انتقادات أغلب نواب الأغلبية، الذين قالوا إن الحكومة لا تزال تنفرد بوضع التشريعات دون استشارة أو إشراك مجتمعي، مدللين على رفضهم بوجود حوالي 37 مادة مخالفة للدستور.

مطالب نسوية

مطالب النسويات في القانون تدور في مجملها حول ضرورة الإقرار بحقها في الأهلية الشخصية والقانونية، ومن ثمّ حقها في الولاية باعتبارها بالغة وناضجة على كافة المستويات، وهو ما حدا ببعضهن للتساءل: كيف يمكن للدولة أو القانون أن يعاقب الست على جريمة باعتبارها عاقلة وكاملة الأهلية، ثم في الأحوال البشخصية يعتبرها غير كاملة الأهلية؟.

المطالب التي ترفعها النساء لا تنحصر في الولاية على الأطفال أو ولاية الزوج على زوجته، لكنها تشمل كل ما من شأنه إنكار الأهلية الكاملة للمرأة ومسؤوليتها الكاملة عن حياتها وجسدها، لذلك يطالبن بإلغاء بيت الطاعة، وإسقاط حق الأب في التنازل في جرائم الاغتصاب، ووضع مادة في القانون تعترف بالاغتصاب الزوجي.

الدعوات النسوية تشير إلى ضرورة الاستناد إلى المواثيق الدولية والقوانين المدنية التي تحفظ حقوق المرأة ولا تلغي وجودها، ومبادئ حقوق الإنسان

كما لتطالب النساء بالولاية التعليمية، خاصة أن الكثير من الأمهات يفشلن في تحويل أطفالهن إلى مدارس يرغبن فيها، أو غيرها من الاختيارات التعليمية، دون الحصول على موافقة كتابية من الأب. ويطالبن بمواد تتناول التحديات التي تواجه النساء لدى الانفصال أو زواج الأب من سيدة أخرى.

أبرز الدعوات النسوية تشير إلى ضرورة الاستناد إلى المواثيق الدولية والقوانين المدنية التي تحفظ حقوق المرأة، ولا تلغي وجودها، ومبادئ حقوق الإنسان، ومفهوم المواطنة الذي يشمل حقوق وواجبات متساوية بين الجنسين في الأسرة.

قانون مدني موحد

منذ اليوم الأول لإقحام المؤسسة الدينية في الملف، زادت التخوفات إزاء فرص الحقوق المدنية للنساء لاعتبارات تتعلق بالتمسك بالراديكالية، والجمود الفكري، بيد أن الأزهر أصبح مسؤولا كليا عن إخراج القانون.

هنا تبدو أن السجال سيكون طرفاه الأزهر والمجتمع المدني خاصة الحركة النسوية، بعدما كانت بين الحكومة والنسويات. لذلك تتزايد المطالبة بقانون مدني موحد لا يستند في مرجعيته على مؤسسات دينية، يحقق المواطنة والعدالة والمساواة.

دعم حقوقي

عزة سليمان المحامية والناشطة النسوية، كتبت عبر صفحتها على “فيسبوك” أن “الأم لا يمكن أن تكون ولي على أطفالها ولابد من الرجوع إلى النيابة الحسبية في حالة وفاة الزوج، عكس الأب الذي اعتبره المُشرِّع ولي طبيعي على أطفاله ولا يسأل من قبل النيابة الحسبية، حتي لو المال مورويث من الأم المتوفية”.

المحامي الحقوقي نجاد البرعي، طرحت خمسة أسئلة عبر صفحته على “تويتر”، تفند الانتقادات الموجهة للقانون الجديد، من بينها: اعتبار أبو حنيفه فقط هو المرجع عندما عدم وجود نص، قائلا: “أين  الشافعي والحنبلي والمالكي مالهم ولماذا لا يؤخذ بأيسر ما انتهى إليه كل فقيه؟ لماذا أبو حنيفة على تشدده في بعض مواضيع الأحوال الشخصيه؟”.

الكاتب المصري إبراهيم فرغلي، علّق هو الآخر عبر صفحته على “تويتر”: “#الولاية_حقي هذا حق أصيل للمرأة ويجب على المجتمع المدني في مصر تحويل الشعار لقوانين تعيد للمرأة كافة حقوقها”.

وكتبت الأكاديمية نجلاء رزق: “أنا استاذة جامعية لي تاريخ في الحياة الاكاديمية علي المستوي المحلي والدولي.من اكتر من 15 سنة كنت رئيس لقسم اقتصاد فيه اساتذة رجال منهم اساتذتي وكنت من 10 سنين عميد مشارك لكلية ادارة الاعمال ومع ذلك ماكانش لي الحق افتح حساب لأولادي في بعض البنوك في مصر لمجرد اني ست، #الولاية_حقي”.

إيجابيات

المتابعون رصدوا جانبًا من الإيجابيات في المسودة الحالية للقانون، من بينها استحداث ملحق لوثيقة الزواج أو الطلاق تتضمن حقوق والتزامات الطرفين وقت الزواج أو الطلاق، وهو ما يحوّل التعهدات الشفهية إلى التزامات موثقة تضمن حقوق الطرفين.

الأمر الآخر الإيجابي في المسودة الحالية، يتمثل في استحداث “صندوق دعم ورعاية الأسرة” الذي ستؤول إليه رسوم يجرى فرضها على استخراج وثائق الزواج والطلاق والمعاملات الرسمية المماثلة، وبدورها توفر تلك الأموال دعمًا للمطلقة وأولادها، المفتقدين لدخل ثابت.