تتجه الحكومة المصرية حاليًا وبخطى متسارعة نحو التوسع في الاعتماد على السيارات العاملة بالغاز الطبيعي. بينما تخطو بشكل أقل سرعة في التحول للسيارات التي تعتمد على الكهرباء. وهي تستهدف بهذا محاولة تقليص استهلاك البنزين والوقود الإحفوري، بنسب تصل لـ 30% على الأقل، حسب ما أعلنت المصادر الرسمية. فالدولة تسعى بهذه الخطة إلى توطين صناعة السيارات العاملة بالطاقة النظيفة، مواكبةً للتوجهات العالمية الحالية وأيضًا توفيرًا للنفقات.

هنا تبرز أسئلة عدة؛ أي التحولين (الغاز -الكهرباء) أفضل لسوق السيارات المصرية؟ وأيهما تستوعبه القدرة الشرائية للمواطن المصري؟ وما هي خطوات الحكومة للتنفيذ ودعم المستهلك؟

200 محطة غاز بتمويل 6.7 مليار جنيه

حسبما أعلن وزير البترول طارق الملا في يوليو 2020، فإن برنامج الحكومة يقوم على إنشاء محطات جديدة للتزود بالغاز أولاً في المحافظات صاحبة الكثافة في عدد السيارات العاملة بهذه التقنية. بما يمكن كل محطة من تموين 1300 سيارة يوميًا.

في تقرير سابق، كشفت وزارة البترول أن البنك المركزي خصص 6.7 مليار جنيه لتمويل هذه الخطة. بينما بلغ إجمالي عدد المحطات الجديدة ضمن منظومة توفير وتداول الوقود أكثر من 200 محطة على مستوى الجمهورية. بالإضافة إلى 86 مركزًا لتحويل السيارات للعمل بالغاز الطبيعي. وأيضًا 12 مركزًا لاختبار الأسطوانات. بما يخدم قرابة 335.6 ألف سيارة محولة للعمل بالغاز حتى يناير 2021.

250 ألف سيارة بـ 7 محافظات.. أولى مراحل التحول إلى الغاز

مطلع يناير الماضي، أعلنت الحكومة عن المبادرة الرئاسية لإحلال السيارات المتقادمة التي مضى على صنعها 20 عامًا فأكثر بأخرى جديدة تعمل بالغاز. فيما تقرر أن تنطلق مرحلتها الأولى قبل نهاية مارس الجاري. وتشمل 7 محافظات: القاهرة – الجيزة – القليوبية – الإسكندرية – السويس – بورسعيد – البحر الأحمر.

ومن المتوقع أن تكتمل المرحلة الأولى هذه نهاية 2023. وتشمل تخريد حوالي 250 ألف سيارة -ملاكي وأجرة وميكروباص- واستبدالها بأخرى تعمل بالغاز. وقد بلغ عدد المتقدمين للاستفادة من هذه المبادرة نحو 80 ألفًا، وفق ما صرح به سابقًا المتحدث الرسمي لمجلس الوزراء نادر سعد.

تكلفة التحول إلى الغاز وأنواع السيارات

وفق ما ورد عبر الموقع الإلكتروني للمبادرة، تتراوح أسعار السيارات بين 146 ألف جنيه و279 ألف جنيه. ذلك وفق النوع وسن المتقدم لاستبدال سيارته. بينما تشمل ماركات السيارات المشاركة (بي واي دي) و(لادا جرانتا)، تقوم بتجميعها مجموعة الأمل، و(هيونداي أكسنت آر بي) و(إلنترا إتش دي)، التي تقوم بتجميعها جي بي أوتو، و(نيسان صني إن 17) و(سنترا بي 17)، وتجمعها نيسان موتورز إيجيبت، و(شيفروليه أوبترا)، من تجميع شركة المنصور للسيارات.

وتقدم وزارة المالية حافزًا نسبته 10% من قيمة السيارة الجديدة، وبحد أقصى 22 ألف جنيه. كما يقدم البنك المركزي قروضًا للراغبين في استبدال سياراتهم بفائدة 3% على آجال تتراوح بين 7 إلى 10 سنوات. ذلك طبقًا للخطة المعلنة في أغسطس الماضي. وتتضمن إحلال وتبديل 1.8 مليون سيارة بأخرى تعمل بالوقود المزدوج أو الغاز الطبيعي.

لماذا التحول إلى الغاز؟

يقول الدكتور رمضان أبوالعلا، الخبير البترولي والأستاذ بجامعة فاروس، إن التحول للاعتماد على الغاز الطبيعي يخفف الضغط المالي على الموازنة العامة للدولة وكذلك على المواطن.

ولتوضيح ذلك يشير إلى أن سعر لتر بنزين 92 يصل لـ 7.50 جنيه، و80 إلى 6.25 جنيه. بينما يباع الغاز الطبيعي للسيارات بسعر 3.5 جنيه فقط للمتر المكعب. ما يعني أن التكلفة تنخفض لمن يستهلك 10 لترات من البنزين يوميًا بمقدار 825-1200 جنيه شهريًا عند التحول إلى الغاز الطبيعي.

يشير أبوالعلا إلى أن الاعتماد على الغاز كوقود للمركبات بالسوق المحلي من شأنه أيضًا أن يخفض من فاتورة استيراد المواد البترولية. ويتراوح ما يستورده قطاع البترول من شحنات من الخارج بين 35 – 40% من إجمالي استهلاك المنتجات النفطية.

أيضًا، يعظم التحول للغاز من استغلال فائض الإنتاج المحلي، بعدما تحولت مصر إلى أحد مصدري الغاز بالشرق الأوسط عقب تحقيق الاكتفاء الذاتي. فهي لم تستورد أي كمية من الغاز منذ عام 2019. ذلك في وقت لا يتجاوز استهلاك المنازل والسيارات نسبة الـ 5% من إجمالي استهلاك مصر.

وفق أبوالعلا، فإن الدولة بإمكانها حاليًا التعجيل بتنفيذ عمليات التحول للغاز الطبيعي بعدما سمح جهاز تنظيم أنشطة سوق الغاز بدخول القطاع الخاص لعمليات بيع الغاز بالسوق. عن طريق منح المزيد من التراخيص للشركات لاستخدام خطوط أنابيب الغاز والسماح لها بالتوزيع والبيع مباشرة إلى المستهلكين.

بداية مارس الجاري، أطلقت وزارة البترول أول تطبيق إلكتروني على الهاتف المحمول للتعريف بأماكن ومواقع محطات تموين السيارات بالغاز ومراكز التحويل. بينما أكد وزير البترول على المضي قدمًا في تنفيذ البرنامج الذي تم إعداده لنشر محطات تموين السيارات بالغاز ومراكز التحويل في المحافظات المختلفة. بهدف تمكين المواطنين من استخدام الغاز كوقود لسياراتهم بسهولة ويسر. مشيرًا إلى أهمية استثمار ما تشهده البلاد من توسع مستمر في إقامة وتطوير الطرق والمحاور ومدّ الشبكة القومية للغاز الطبيعي بمختلف أنحاء مصر.

مصر نحو إنتاج سيارات تعمل بالكهرباء.. هل نحن قادرون؟

بالتزامن مع ذلك، بدأت الحكومة منذ العام الماضي، بوضع خطوات لتنفيذ استراتيجية توطين السيارات التي تعمل بالطاقة الجديدة. إذ أعلنت أنها تستهدف من هذه الاستراتيجية الوصول لأكبر قدر ممكن من نسب التصنيع والإنتاج المحلي للسيارات ومركبات النقل الجماعي الكهربائية. وفي سبيل ذلك، أشارت إلى خطة لتجميع 25 ألف سيارة كهربائية سنويًا. بالشراكة مع شركة دونج فينج الصينية، وبتكلفة 500 مليون جنيه.

على الأرض، فإن هذا يواجه تحديات كبرى، كما يوضح نائب رئيس هيئة البترول السابق مدحت يوسف. والذي يشير إلى بعضها بارتفاع أسعار السيارات الكهربائية ونقص الحوافز والبنية التحتية. إلى جانب وعي العملاء. وهو يرى من الصعوبة تعديل كل هذه العوامل في الوقت الحالي. ما يجعل التحول للغاز الطبيعي حلاً أمثل للحالة المصرية، خاصة على المدى القريب.

ويلفت يوسف إلى أن وفرة الغاز الطبيعي في العديد من دول العالم دفعت إلى تبني سياسات تدعم مركبات الغاز الطبيعي. فالدول الأقل نموًا تتجه نحو التحول للسيارات العاملة بالغاز، وهو أجدى لها. بينما الدول الأكثر ثراءً تتحول مباشرة إلى المركبات الكهربائية. والسوق المصرية هنا لا تزال بحاجة إلى تطوير البنية التحتية الخاصة بالسيارات الكهربائية.

مع ذلك، فإن مصادر بوزارة البترول تشير إلى تعريفة شحن السيارات الكهربائية باعتبارها مناسبة للمستهلكين وأصحاب شركات الشحن. إذ أن استخدام تلك السيارات يوفر للمستهلك أكثر من 30% مقارنة باستخدام البنزين والسولار بالمركبات.

ولميزة التعريفة المنخفضة تلك، فإن المصادر تتوقع نموًا بمبيعات السيارات الكهربائية خلال الفترة المقبلة. ويدعم ذلك ما هو مخطط من إصدار تعريفة شحن تقدر بـ 189 قرشًا للكيلو وات في المحطات العادية، و3.75 قرشًا لمحطات الشحن السريع.

تشير المصادر أيضًا إلى أنه سيتم تخصيص مناطق محددة مجانية لشركات الشحن لتركيب محطاتها، بدلاً من سياسة تأجير المحطات السابقة. ذلك مع سعي وزارة البترول لاستغلال محطات الوقود التابعة لها وتبلغ 20% من المحطات الحالية بغرض زيادة عدد المحطات المجانية. فضلاً عن قرار الدولة بعدم ترخيص أي من محطات الوقود دون إضافة وحدات شحن كهربائية بها.

القطاع الخاص ينظر إلى الكهرباء

العديد من شركات القطاع الخاص أيضًا اتخذت خطوات استباقية بإنشاء محطات شحن للسيارات التي تعمل بالكهرباء داخل السوق المصرية. ومنها شركة “إنفنتى سولار”، التي يوضح مدير اتصالاتها هشام الجمل، لـ “مصر 360″، أنه في إطار هذا السعي للتوسع في إنشاء محطات شحن كهربائية أسست مجموعتهم شركة إنفنتي E.

يوضح الجمل إن الشركة تستهدف افتتاح أكثر من 300 محطة شحن في مصر بحلول نهاية 2023. ما يستلزم ضخ استثمارات تصل إلى 300 مليون جنيه. وذلك في الإسكندرية وغيرها من المدن الكبرى. بما يخدم المشاريع العقارية والكمبوندات والتجمعات السكنية والفنادق الكبرى والمنشآت التجارية الضخمة. باعتبار أن السيارات الكهربائية ستعيد رسم ملامح خريطة استهلاك الوقود في مصر “بنزين، غاز” خلال المرحلة المقبلة، على حد قوله.

تمتلك شركة إنفنتي حاليًا شبكة من محطات شحن السيارات الكهربائية تضم أكثر من 40 محطة، بها أكثر من 150 نقطة شحن، تقدم خدماتها مجانًا كتحفيز للعملاء. بينما تجري الشركة مفاوضات مع جهاز تنظيم مرفق الكهرباء لتحديد تعريفة معينة لعمليات الشحن بنهاية 2020.

الكهرباء أم الغاز؟

أستاذ هندسة البترول والطاقة بالجامعة الأمريكية الدكتور جمال القليوبي، يقول لـ “مصر 360″، إن الطاقة الكهربائية أكثر نظافة وكفاءة بالتأكيد. لكنه يشير إلى متطلبات كثيرة في البنية الأساسية لكل من السيارات الكهربائية وغيرها التي تعمل بالغاز الطبيعي. فالنوعين يختلفان من حيث الكفاءة.

يوضح القليوبي أن السيارات التي تعمل بالغاز الطبيعي مقدر لها قطع مسافة تصل إلى قرابة الـ 175 ميلاً لكل مليون وحدة حرارية من الغاز. بينما في السيارات الكهربائية يمكن أن تتضاعف تلك المسافة وتصل إلى حوالي 325 ميلاً باستخدام الكهرباء الناتجة عن الكمية ذاتها من الغاز.

وفق هذا الطرح، فإن الكفة تميل لصالح السيارات التي تعمل بالكهرباء من حيث الحفاظ على البيئة. الأمر الذي يزيد من تشجيع ملاك السيارات بالسوق للتحول إلى النظام الكهربائي رغم ارتفاع أسعار السيارات العاملة به.

رغم ذلك، فإن القليوبي يرى أنه من المنطقي التحول للسيارات التي تعمل بالغاز بشكل أسرع من التحول إلى الكهرباء. ذلك لأن الحكومة تريد الاستغناء عن البنزين والسولار على وجه السرعة. وتطوير البنية التحتية للسيارات الكهربائية لا يزال في مرحلة مبكرة وهو مكلف بشكل أكبر بكثير من التحول للغاز. بالإضافة إلى أن أسعار السيارات الكهربائية يمكن أن تصل تكلفة الواحدة منها إلى أكثر من مليون جنيه. وهو ما يتجاوز القدرة الشرائية للمستهلكين المصريين، الذين عادة ما يميلون إلى شراء سيارات أقل سعرًا.

فالمواطن لن يكون لديه أي إشكالية بشأن دفع مبلغ إضافي قدره 10 آلاف جنيه مقابل تشغيل السيارة بالغاز. خاصة لو تدخلت البنوك لتقديم خدمات التقسيط. أو إذا دعمت الحكومة تكلفة التحويل. فيما التحول إلى السيارات الكهربائية وإن كان الأفضل بيئيًا فإنه يبقى أعلى تكلفةً وأصعب بالنظر إلى حالة البنية التحتية لتنفيذ المشروع.

كتب – محمود السنهوري: