بينما يحتفل العالم باليوم العالمي للمياه، لا يزال ما يقارب ملياري شخص يفتقدون سبل الحصول على مياه نظيفة، وأكثر من ضعف هذا العدد يعيش بلا صرف صحي، يقع أغلبهم في بلاد العالم الثالث.

يُذكّر اليوم العالمي للمياه، الوعي الإنساني، بمليارات البشر الذين يعيشون دون إمكانية الحصول على مياه آمنة، كما تركز الاحتفالية على دعم تحقيق الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة، والذي يقضي بتوافر المياه والصرف الصحي للجميع بحلول عام 2030.

حوالي نصف سكان العالم سوف يعيشون وضعية توتّر مائي خطير بين 2071 و2100

حسب دراسة أُنجزت في وقت سابق حول ندرة المياه، والتي جرى نشرها في المجلة العلمية (الهيدرولوجيا وعلوم نظام الأرض)، فإن حوالي نصف سكان العالم سوف يعيشون وضعية توتّر مائي خطير بين 2071 و2100. في الوقت نفسه تعيش مصر أزمة طاحنة مع نظيرتها الأثيوبية، على خلفية التداعيات الخطيرة على حصتها من مياه نهر النيل، نتيجة بدء إجراءات ملء سد النهضة.

“تثمين المياه”

وضعت الأمم المتحدة عنوان الاحتفالية هذا العام “تثمين المياه”، ويهدف إلى أن التطور الاقتصادي، وتزايد عدد سكان العالم يعنيان زيادة الحاجة إلى الماء، خاصة في ظل استعمالها في توليد الطاقة.

71 % من سطح الكوكب مغطى بالمياه..  لكن أقل من 2% فقط من مجمل مياه الكوكب تصلح للاستخدامات البشرية

ووفق مؤسسة بحوث المستقبل، فإن 71% من سطح الكوكب مغطى بالمياه، ولكن نسبة المياه العذبة لا تزيد على 3% منها. في حين أن هذه النسبة لا يستفيد منها البشر كاملة، فجزء كبير منها متجمد أو بعيد في جوف الأرض، ويعني هذا أن أقل من 2% من مجمل مياه الكوكب تصلح للاستخدامات البشرية.

كما أن التزايد المستمر في عدد سكان العالم، وعوامل التغير المناخي، يفاقم بمرور الوقت مشكلة استنزاف موارد المياه العذبة المتاحة على الأرض. ولا يتوفر لحوالي 2.2 مليار شخص خدمات مياه الشرب التي تدار بأمان، كما لا يتوفر لنحو 4.2 مليار شخص خدمات الصرف الصحي. ويفتقر 3 مليارات شخص إلى مرافق غسل اليدين الأساسية، في ظل جائحة كورونا.

لا يتوفر لحوالي 2.2 مليار شخص خدمات مياه الشرب التي تدار بأمان ويفقتد نحو 4.2 مليار شخص خدمات الصرف الصحيويفتقر 3 مليارات شخص إلى مرافق غسل اليدين الأساسية

وتتضافر عوامل مثل الفجوات في إمكانية الحصول على إمدادات المياه وخدمات الصرف الصحي. هذا فضلا عن تزايد عدد السكان، وأنماط النمو الأكثر استهلاكًا للمياه. بالإضافة إلى زيادة معدلات التذبذب في هطول الأمطار، والتلوث في العديد من الأماكن. وهو ما يجعل المياه واحدة من أكبر المخاطر التي تهدد التقدم الاقتصادي والقضاء على الفقر وتحقيق التنمية المستدامة.

التوزيع الجغرافي لنقص المياه

تشير التقارير إلى أن نقص المياه يتركز جغرافيا بشكل أساسي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وبحسب تقرير لوكالة بلومبرج فإن ما يقرب من 1.8 مليار شخص في 17 دولة، أي ربع سكان العالم، على مشارف أزمة مياه، مع احتمال حدوث انقطاعات حادةٍ للمياه في السنوات القادمة.

كان لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، النصيب الأكبر بحصة 12 دولة. كما تقع دولتان منهما وهما الهند وباكستان، في قارة آسيا، أما سائر البقاع فهي سان مارينو في أوروبا، وبوتسوانا في إفريقيا، و تركمانستان في آسيا الوسطى.

وتعد الكويت والبحرين والإمارات العربية المتحدة ومصر وقطر أكثر خمس دول تعاني من قلة موارد المياه العذبة المتجددة في الشرق الأوسط. ويُمكن اعتبار المدن الكبرى في هذه البلدان مثل مدينة الكويت وأبوظبي والدوحة من أكثر المدن جفافًا في العالم.

وفي حين لا يمتلك الشرق الأوسط الكثير من مصادر المياه، إلا أنه يمتلك الكثير من النفط الذي يولد ثروة، ويضمن وجود 70% من محطات تحلية المياه به. وتوجد أغلب تلك المحطات في المملكة العربية السعودية، والإمارات والكويت والبحرين.

التمييز في توزيع المياه

تورد تقارير منظمة اليونسكو أن الأرقام الإجمالية في قضية نقص المياه لا تعكس مشكلة المصادر المأمونة للمياه.. إذ يوجد في أفريقيا وحدها نصف الأشخاص الذين يحصلون على المياه من مصادر غير مأمونة على مستوى العالم أجمع، خاصة منطقة جنوب الصحراء.

كما أن هناك 24% فقط من السكان الذين يمكنهم الانتفاع بمصدر موثوق للمياه المأمونة الصالحة للشرب. ويمتلك 28% المرافق الأساسية لخدمات الصرف الصحي التي لا يضطرون لمشاركتها مع غيرهم.

ويكشف التقرير أن ثمة فوارق كبيرة داخل البلدان نفسها، لا سيّما بين الفئات الغنية والفقيرة في البلد الواحد. ففي المناطق الحضرية، تضطر الفئات المحرومة، التي تعيش في مساكن عشوائية تفتقر إلى إمدادات المياه، إلى شراء المياه من بائعين أو صهاريج الشاحنات بتكلفة تصل من 10 إلى 20 ضعف تلك التي يدفعها جيرانهم في الأحياء الميسورة، وذلك مقابل الحصول على مياه بجودة متساوية أو حتى أقل مقارنة بغيرهم.

الفئات المهمشة والمعرضة للتمييز، القائم على نوع الجنس أو العمر أو الوضع الاجتماعي أو الانتماء إلى أقلية دينية أو عرقية أو لغوية، الأكثر عرضة لنقص المياه

وبين هذا وذاك تظل الفئات المهمشة والمعرضة للتمييز، القائم على نوع الجنس أو العمر أو الوضع الاجتماعي أو الانتماء إلى أقلية دينية أو عرقية أو لغوية، الأكثر عرضة لنقص المياه، وخدمات الصرف الصحي كذلك يتحمل النساء والفتيات العبء الأكبر فيما يتعلق بجمع المياه على عاتقهن. إذ يخصصن أكثر من 30  دقيقة يومياً لتلبية حاجة أسرهن من المياه على حساب تعليمهن.

اللاجئون في ظل كورونا

شهد العالم في الآونة الأخيرة أعداداً غير مسبوقة من اللاجئين والمشردين، وصل العدد في عام 2017 إلى نحو 68.5 مليون نسمة جرّاء النزاعات وأشكال الاضطهاد المختلفة.

أيضا تؤدي الكوارث الطبيعية إلى نزوح ما يقرب من 25.3 مليون نسمة قسراً كل سنة، أي ضعف عدد النازحين في أوائل السبعينيات. ومن المتوقع أن يسهم تغير المناخ في تزايد هذه الأعداد، بحسب منظمة اليونسكو.

وسبق أن أعلنت الأمم المتحدة أن احتمال إصابة اللاجئين بكورونا أكبر بسبب صعوبة الحصول على المياه. وحذر مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين فيليبو جراندي في تغريدة على “تويتر” من أن صعوبة حصول اللاجئين والنازحين على المياه تزيد من خطر إصابتهم بالفيروس. وهي الشكوى التي كررها كل من اللاجئين والنازحين في لبنان، الأردن، والسودان، وحتى اليونان.

مصر وأزمة سد النهضة

يكشف تقرير اليونسكو عن وضع موارد المياه، زيادة كبيرة في عدد النزاعات التي تنشأ لنفس السبب، فقد نشأ 94 نزاعاً بين عامي 2000 و2009، كما وصل هذا العدد إلى 263 نزاعاً بين عامي 2010 و 2018.

ويبين التقرير عائدات الاستثمار في مجال المياه، لا سيما بالنسبة للفئات الأكثر حرماناً. إذ أقر بالأثر المضاعف لكل دولار مستثمر في مياه الشرب بـ 5.5 في إطار الاستثمار في خدمات الصرف الصحي.

محليا تعتمد مصر بشكل أساسي على إمدادات نهر النيل من المياه العذبة، التي تسهم المرتفعات الأثيوبية فيها بنحو 85% من إجمالي تدفقات النيل، ويستمد النيل مياهه الباقية أي ما يعادل 15% من بحيرة فيكتوريا.

تناقص موارد مصر

وصل حجم موارد مصر المائية نحو 76.25 مليار متر مكعب، يسهم فيها نهر النيل بـ55.5 مليار متر مكعب، بحسب وزارة الموارد المائية والري. كما أن هناك نحو 6.9 مليار متر مكعب تسهم بهم الخزانات الجوفية سنويا.

وبين عامي 1937و1897 انخفض نصيب الفرد من المياه، من 5 آلاف إلى 3500 متر مكعب من المياه سنويًا. ثم انخفضت تلك النسبة إلى نحو 1300. وتراجعت إلى 850 في بداية الألفية.

في حين يعد مقدار 1000 متر مكعب من المياه المتجددة للفرد سنويا، هو الحد الذي من دونه يتعرض البلد لندرة المياه. وفي المناطق الجافة وشبه الجافة يصبح المتوسط هو 500 متر مكعب من المياه.

وفي ظل تناقص حصة الفرد من المياه، يهدد مشروع سد النهضة الأمن المائي للبلاد. فعلى النقيض من مشاريع سدود الري العادية، فإن السعة المائية الهائلة وحجم البناء العملاق جعلت منه أكبر سدود إفريقيا على الإطلاق.

أعلن وزير المياه الإثيوبي أن بلاده ستقوم بعملية الملء الثاني لسد النهضة في الصيف القادم سواء كان هناك اتفاق مع القاهرة والخرطوم أو لم يكن، ما اعتبره المحللون بمثابة إعلان حرب.

ترى القاهرة في السد تهديدا لوجودها، بينما تفتخر إثيوبيا بمشروعها الاقتصادي الكبير، وتعده انجازا قومي. وتستمر إجراءات ملء السد للمرة الثانية من جانب واحد، بمعزل عن السودان المتضررة بدورها من الوضع.

وأعلن وزير المياه الإثيوبي أن بلاده ستقوم بعملية الملء الثاني لسد النهضة في الصيف القادم سواء كان هناك اتفاق مع القاهرة والخرطوم أو لم يكن، ما اعتبره المحللون بمثابة إعلان حرب.

ويعتبر الخبراء أن الملء الأول خلال العام الماضي لا يمكن مقارنته بما هو قادم، حيث كان هناك فيضان وكميات كبيرة من المياه. ولم تكن هناك مشكلة خطيرة ومع ذلك تعرضت السودان لمخاطر في عملية توليد الكهرباء في سد الروصيرص. وتعرضت محطات مياه الشرب في الخرطوم لمشاكل نتيجة القرار الأحادي بعملية الملء الأول.

كانت القاهرة جددت رسميا موافقتها على مقترح السودان بإيقاف المحادثات المباشرة وإنشاء وساطة دولية برئاسة الاتحاد الإفريقي للعب دور فعال لكسر الجمود في المفاوضات الثلاثية التي لم تنجح على مدى نحو 9 سنوات في التوصل لاتفاق حول السد.