أقر مجلس النواب الأمريكي مشروع قانون شامل لإصلاح الشرطة، بعد أكثر من تسعة أشهر على مقتل الأمريكي من أصل أفريقي جورج فلويد على يد الشرطة، وقد وافقت أغلبية في مجلس النواب الذي يقوده الديمقراطيون على مشروع القانون، حيث صوت 220 نائبًا لصالحه مقابل 212 ضده.
وينص مشروع القانون الذي يحمل اسم فلويد على أنه يجب على الحكومة الاتحادية أن توفر حوافز لحظر ممارسات الضغط على أعناق المشتبه بهم أثناء عمليات الشرطة. ومن بين البنود المنصوص عليها في مشروع القانون حظر التقييد من الرقبة، وحظر التفتيش دون قرع في حالات المخدرات على المستوى الفيدرالي. كما أنه سيصلح ما يسمح بالحصانة المؤهلة، وهو مبدأ يجعل من الصعب مقاضاة الضباط، كما أن القانون يشترط إنشاء قاعدة بيانات وطنية لتتبع سوء سلوك الشرطة وحظر بعض أوامر الضرب، بالإضافة لعدد من النصوص اللي بتسهل محاسبة الضباط على سوء السلوك في المحاكم المدنية والجنائية.
وتعود الواقعة التي تسببت في إصدار هذا القانون إلى أنه في 25 مايو 2020، قُتل جورج فلويد، وهو رجل أمريكي من أصول أفريقية، على يد عنصر شرطة أبيض في مينيابوليس في ولاية مينيسوتا، وقد تسبب فيديو الحادثة والذي يصور الشرطي وهو يتكئ على عنق فلويد لفترة مطولة غضبًا عارمًا أدى إلى احتجاجات محلية ووطنية وعالمية ومظاهرات ضد وحشية الشرطة والعرقية في عمل الشرطة.
وبدأت حالة عدم الاستقرار مع بدء مظاهرات محلية في منطقة مينيسوتا في مينيابوليس–سينت بول قبل أن تنتشر بسرعة في أرجاء الولايات المتحدة وفي العالم.
وكانت هذه الأحداث جزءًا من حراك أكبر تحت اسم “حياة السود مهمة”. وهي حركة بدأت عقب تبرئة جورج زيمرمان من التهم الموجهة له في حادثة القتل بإطلاق النار للمراهق الأمريكي من أصول أفريقية تريفون مارتين في عام 2012. اتخذت من الإصلاحات الشرطية جزءًا محوريًّا من مطالبها.
وقد عبر المتظاهرون بعد موت جورج فلويد عن عدة نتائج يرغبون بها، لبى بعضها المشرعون الفدراليون أو المشرعون في الولايات أو المشرعون المحليون.
هذا ما حدث في دولة ينظر إليها المعظم الغالب منا على أنها واجهة الديمقراطية في العالم، فهل نحن في مصر في حاجة إلى مثل هذه الإصلاحات في طرق التعامل مع المقبوض عليهم أو من هم في حالة تماس أو نزاع مع القانون يقتضي التدخل أو التعامل مع الشرطة؟ أم أننا سنغض الطرف عن هذه القضية برغم أهميتها لكافة المجتمعات؟
في مصر تداولت المواقع الإلكترونية فضية مقتل شاب يدعى محمد يوسف عبد العزيز، 34 عامًا، من قرية منشأة الكرام دائرة مركز شبين القناطر بسبب تعدي قوات من الشرطة عليه.
حسب ما ذكره محامي المجني عليه عبر صفحته الشخصية بـ“فيسبوك“، فقد استمعت النيابة لأقوال ذوي المجني عليه وعدد من شهود الواقعة، وأمرت بتشريح الجثة، وجاري استكمال التحقيقات، وسماع باقي أقوال الشهود.
فعليًا أو واقعيًا، هناك العديد من التجاوزات التي تصاحب العمل الشرطي في حالات التعامل مع الأشخاص. ففي خلال سنوات قليلة تم رصد عدد من حالات التعدي من أفراد الشرطة على مواطنين في حالات بعينها. وعلى سبيل التمثيل هناك واقعة التعدي على محامين مرسى مطروح، عندما توجهت مجموعة من المحامين إلى قسم الشرطة لتحرير محضر وأثناء كتابة المحضر انقطعت الكهرباء، فقام المحامون بإضاءة كشافات الموبايلات وحضر المأمور وتحدث معهم بأسلوب مهين وطردهم ومنعهم من استيفاء المحضر وعند اعتراضهم على هذا الأسلوب، حدثت مشادة كلامية بينهم وتطورت إلى تشابك بالأيدي نتج عنها وقوع محام على الأرض وقد تجمع على أثر ذلك عدد كبير من المحامين في القسم، وحضر مدير الأمن والحكمدار في محاولة لاحتواء الموقف، إلا أن المحامين تمسكوا بتقديم شكوى وعمل تحقيق قضائي وتمت إحالة المحضر إلى النيابة العامة للتحقيق.
وأعلنت نقابة المحامين في محافظة مطروح، عددًا من الإجراءات التصعيدية في أزمة اتهام مأمور قسم شرطة مطروح ومعاون المباحث والمخبرين بالاعتداء على 6 محامين. وأعلنت اعتبار نفسها في حالة اجتماع دائم ومستمر لحين تحقيق مطالبهم القانونية والمشروعة، وأكدت عدم اقتناعها بأسباب تأخر قرارات النيابة العامة مع هذا الحدث، مطالبة مدير أمن مطروح بوقف الضباط والمخبرين المتسببين في هذه الأزمة عن العمل وعدم تعاملهم مع الجمهور والمحامين ونقلهم إلى أماكن أخرى، مع استعجال قرارات النيابة العامة في هذا الشأن تحقيقًا للعدالة ومقتضيات الأمن العام،كما أعلنت أنها ستتخذ خطوات تصعيدية مع دعوة المحامين والنقابات الفرعية والعامة للتواصل معهم بشكل مستمر لحين صدور القرارات الجديدة.
لن أسوق أكثر من هذا المثال الحديث لتجاوز الشرطة في عملها، وهو مثال كاف لكونه كان مع محامين، وليس مواطنين مقبوض عليهم. وكان بسبب تحرير محضر، وليس بسبب إتيان أحد المحامين لجريمة، إلا أنني أؤكد على أن هناك العديد من التجاوزات التي تصاحب عمل الشرطة منها ما يظهر أمام المجتمع ومنها ما يختفي مع حدوث الواقعة ذاتها.
ولكن الأهم من ذلك هل نحن فعلاً جادون في اتخاذ بعض الخطوات نحو تحقيق تطورات فعلية في عمل الشرطة المصرية؟ أم أن عرض مثل هذه القضايا سيخرجنا إلى مصاف المنبوذين؟
أنا كمواطن مصري أرغب في أن أرى شرطة بلادي مثالاً يُحتذى في مراعاة حقوق المواطنين، وأن أرى غيري من المواطنين يتم التعامل معهم بطريقة تكفل لهم كرامتهم الإنسانية. وبعيدًا عن التنطع بالنصوص الرخيمة التي يضمها الدستور المصري، ومن خلفه قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية، وقانون هيئة الشرطة من نصوص تحث على ذلك وتراعي كافة الأبعاد، إلا أن التعامل اليومي يوضح غير ذلك، كما أنه في الحالات التي يتم التحقيق الجنائي فيها من تجاوزات الشرطة، فإنها تتسم بالبطء في إجراءاتها، ومن ثم فلا داعي لأن ندفن رؤوسنا في الرمال، أو ندعي على غير الحقيقة.
أعلم علم اليقين أن هيئة الشرطة تضحي بالكثير في تصدياتها للعمليات الإرهابية، وأحترم ذلك وأثمنه، ولكن هذه زاوية وتلك أخرى.
يجب التركيز جيدًا على إصلاح بيئة العمل الشرطية، حتى يشعر أفرادها بالأمن، ويجب تحديد ساعات العمل. يجب أيضًا الحرص على تحسين ظروف العمل والرعاية الصحية ونظام الإجازات للعاملين بالجهاز ككل. فضلاً عن ضرورة توفير خدمة طبية نفسية لكافة ضباط وأفراد الشرطة تساعدهم على التوازن النفسي، خاصة أن منهم من فقد زميل له أثناء تأدية عمله أو تسبب في القتل أو الإيذاء الجسدي للمواطنين الأبرياء (أو حتى المشتبه بهم) وفق السياسة الخاطئة للنظام السابق. ولذا فمن الضروري تشجيعهم للجوء للمساعدة النفسية دون حرج لضمان أدائهم لعملهم بشكل أفضل على المدى الطويل.
ولضباط الشرطة باعتبارهم يعملون بهيئة مدنية نظامية، الحق في تنظيم أنفسهم في إطار نقابي، وليكن نادي للضباط على غرار نوادي القضاة، تتيح لهم إبداء آرائهم في تطوير عملهم وتحسين ظروفه أو اختيار أساليب العمل البديلة وتطوير مهنتهم. ثم يأتي بعد ذلك الدور على تحديث نظم التعامل، ويكون ذلك بتفعيل طرق الرقابة على أعمالهم بشكل مستمر، وأن يتم تحديث أماكن الاحتجاز بداخل الأبنية الشرطية، وأن تكون مراقبة عن طريق كاميرات المراقبة.
هذا إضافة إلى تحديث ثقافات أفراد الشرطة بإعلاء القيم الحقوقية وأنهم رعاة للحقوق، وهناك العديد من السبل التي تخرج عن نطاق هذا المقال، ولكنا نشير إلى أنه يجب أن تسارع وزارات العدل والداخلية، بالتعاون مع مؤسسات العمل المدني في عمل الدورات والمنتديات التي سوف تُخرج لنا العديد من النتائج والتوصيات التي سيكون لها الأثر الفاعل في هذا الأمر.