بوادر انفراجة أخيرة لاحت في أفق أزمة شركة الحديد والصلب المصرية، ذلك في ظل الحديث عن عرضين أوربيين للمشاركة في تطوير عملاق الصناعة المصرية الذي يواجه شبح تصفية، قد يكون الأمل الباقي للحيلولة دون حدوثه نظام الـ”بي أو تي B.O.T”.
اقرأ أيضًا: خالد علي يكتب: هل تعلم أن شركة الحديد والصلب المصرية…؟
“B.O.T”.. كيف يمكن إنقاذ “الحديد والصلب”؟
“بي أو تي B.O.T” هو اختصار لكلمات البناء والتشغيل ونقل الملكية. وبموجبه يتولى مستثمر من القطاع الخاص -بعد الترخيص له من الدولة أو الجهة الحكومية المختصة- تشييد وبناء مشروعات البنية الأساسية وتشغيلها بعد الانتهاء منها، لمدة امتياز تتراوح بين 30 أو 40 سنة.
والتشغيل الذي يصبح من حق القطاع الخاص هنا -خلال فترة الامتياز- يضمن للمشغل الحصول على التكاليف التي تحملها والربحية. على أن تنقل إدارة المشروع بعد فترة الامتياز إلى الدولة. وهذا النظام لا يكلف موازنة الأخيرة مليمًا واحدًا. كما أنه يسمح لها بالحصول على إنتاج المشروع أيضًا بسعر بعيد عن التقلبات الدولية.
بشكلها الحالي، قد تكون العروض الجديدة فرصة جيدة لإقناع الجمعية العمومية بالعدول عن قرار التصفية. خاصة في ظل خطط الحكومة لتدشين مشروعات عملاقة في قطاع السكك الحديدية، تسعى لربط العين السخنة بالسلوم ثم بنغازي في ليبيا، وربط جنوب البلاد بشمالها بخط آخر موازي للسكك القائمة حاليًا.
حاليًا، يشجع الطلب المتزايد على قضبان السكك الحديدية المقترحات الجديدة بتطوير الحديد والصلب. خاصة بعد اعتماد هيئة السكك الحديدية أخيرًا على الفلنكات الخرسانية بدلاً من الخشبية المستوردة من الخارج ذات العمر الافتراضي الأقل.
اقرأ أيضًا: خطأ هيكلي أم خسارة متعمدة.. تنسيقية شباب الأحزاب تنقسم على قرار تصفية “الحديد والصلب المصرية”
كيف تأثرت الأسهم بعرضي التطوير؟
رغم أن الأمر لم يتجاوز بعد مجرد الحديث عن فكرة التطوير، فقد أثر ذلك بشكل كبير على أداء سهم الشركة بالبورصة. إذ كان من أقل الأسهم تأثرًا بموجة الهبوط العنيف التي شهدتها السوق الإثنين. وهبط بنسبة 3.5% ليسجل مستوى 2.7 جنيه للسهم، بحجم تداولات كبير يصل إلى 1.4 مليون سهم، بقيمة 3.8 مليون جنيه من خلال 2657 صفقة.
العام الماضي، تبنت وزارة قطاع الأعمال خطة لتطوير شركة سيجوارت، إحدى الشركات التابعة المتخصصة فى صناعة المواسير الأسمنتية وفلنكات السكك الحديدية. الأمر الذي يجعلها قادرة على الوفاء بالتزامات التوسع بخطوط السكك الحديدية والمترو بقوة وبسرعة. ذلك بالتعاون مع شركة “سالشيف” الإيطالية لإنتاج المواصفات المطلوبة.
الخميس الماضي، تلقت الشركة القابضة للصناعات المعدنية عرضًا من شركة “صحاري” -مقرها إنجلترا- لتطوير شركة الحديد والصلب المصرية. ذلك وفق نظام B.O.T. وقد حصل “مصر 360” على نسخة من هذا الخطاب. بينما ترددت أنباء صحفية عن عرض آخر من شركة “فاش ماش” الأوكرانية للغرض نفسه. وهو سيناريو قريب من مثيله في التعامل مع شركة “النصر للسيارات” التي عادت بعد تطويرها للعمل في إنتاج السيارات الكهربائية.
عرض فاش ماش وصحاري
مصدر بوزارة قطاع الأعمال العام كشف لـ “مصر 360″، أن الوزارة لم يصلها إلى الآن أي عرض من الجانب الأوكراني. لكنه لم يجزم بما إذا كان العرض قد تم تقديمه لوزارة النقل أم لا. إلا أن الشركة الأوكرانية تسعى لاستغلال رغبة وزارة النقل في إنتاج قضبان السكة الحديد محليًا، وفق الأنباء المتواردة عن هذه الصفقة.
ويظل العرض الأوكراني الأقرب في ظل معرفة الشركة الجيدة بطبيعة العمل بالحديد والصلب، وإدارتها مشروع تطوير المحاجر التي فصلت عن شركة الحديد والصلب إبان قرار التصفية قبل ثلاثة أشهر. إلى جانب حيثيات العرض ذاته الذي يظهر العائد الكبير الذي سيوفره التطوير.
كانت “الحديد والصلب المصرية” دخلت في شراكة سابقة مع شركة “فاش ماش”، قبل سبعة أشهر. ذلك بغرض رفع تركيز الخام بمناجم حديد الواحات البحرية، اعتمادًا على تكنولوجيا الفصل المغناطيسي الجاف الموفر المياه. وذلك قبل أن يصدر قرار التصفية.
اقرأ أيضًا: مقترحات لإنقاذ الحديد والصلب.. الأمر أكبر من حسبة الـ “10 صاغ”
في عرضها، تسعى شركة “صحاري” لتنويع نشاط الحديد والصلب ليتضمن تصنيع القطارات والسيارات والسفن والهيكل الحديد للمباني الحديثة ومستلزماتها. إلى جانب إدخال تكنولوجيا التصنيع المعتمد على الروبوت. ذلك فضلاً عن إنشاء مصنع لتجهيز الخردة وبيعها.
وتمتلك مصر 8 مصانع للحديد والصلب، بطاقة إنتاجية لا تقل عن 5 ملايين طن. لكنها تعتمد على استيراد الخردة بنسبة كبيرة. ما يجعل إنشاء مصنع محلي لتجميع وتجهيز الخردة أمرًا في غاية الأهمية.
إلا أن الشركة وضعت قائمة طلبات كثيرة تتضمن فترة سماح من الضرائب لمدة 10 سنوات، وأسعار مدعمة لجميع الخدمات التي تقدمها الحكومة مثل الغاز والكهرباء والمياه. إلى جانب الإعفاء الجمركي على مستلزمات التطوير، لحين استقرار الإنتاج. فيما تمادت في المدى الزمني للامتياز الذي تريد. ليصل إلى 99 عامًا. وهي مدة زمنية مبالغ فيها مقارنة بعقود الشراكة التي تصل في المتوسط إلى 50 عامًا.
السكك الحديدية.. أكثر القطاعات احتياجًا للحديد والصلب
خلال الجلسة العامة لمجلس النواب نهاية يناير الماضي، صرح وزير النقل كامل الوزير إن وزارته تسعى لإنشاء مصنع لإنتاج قضبان السكك الحديد. قال حينها نصًا: “رغم أننا ننتج حديد تسليح، إلا إننا لم ننتج حتى الآن متر واحد طولي قضيب سكك حديد”.
كشفت وزارة النقل قبل خمسة أعوام أن 90% من قضبان حديد مصر بحاجة إلى تغيير بتكلفة تصل إلى 10 مليارات جنيه. ذلك بعيدًا عن الاحتياجات الجديدة التي تفرضها التوسعات بمشروعات مترو الأنفاق والخطوط الجديدة للقطارات.
وتشمل خطة وزارة النقل لتطوير شبكة السكة الحديد القائمة، إجمالي أطوال 9570 كم، وتطوير البنية التحتية من نظم الإشارات بجميع الخطوط الرئيسية بإجمالىي أطوال 1800 كم، جاري تنفيذ 971 كم منها بتكلفة 9.8 مليار جنيه. هذا فضلاً عن إزدواج الخطوط المفردة عالية الكثافة وكهربة إشاراتها بتكلفة 37 مليار جنيه، لتصل التكلفة الإجمالية إلى 46.8 مليار جنيه. إلى جانب إنشاء خطوط جديدة لخدمة الركاب والبضائع والربط مع دول الجوار، بتكلفة 67.1 مليار جنيه، ما يوصل التكلفة الإجمالية لمشروعات الإشارات والازدواج والخطوط الجديدة إلى 114 مليار جنيه.
اقرأ أيضًا: السكة الحديد.. هل ينهي التطوير المنشود كوارث قطارات الموت في مصر؟
ووفقًا لخطة النقل، فإنه جاري تنفيذ المرحلة الأولى من مشروع القطار الكهربائي السريع. وتتتضمن خطوط (العين السخنة/ العلمين)، ومشروع (السادس من أكتوبر/ الأقصر)، ومشروع (الغردقة / الأقصر)، ومشروع (الأقصر/ أسوان)، ومشروع (العلمين الجديدة / مرسي مطروح). ذلك بإجمالى أطوال 1975 كم. إلى جانب وورش للعمرات الجسيمة والمتوسطة للقطارات الكهربائية السريعة. وأيضًا محطات تبادلية يتم بحث اقتراحها، ومحطات شحن لربط منظومة القطارات الكهربائية السريعة بشبكة خطوط السكك الحديدية القائمة، ومراحل أخرى جديدة للشبكة مستقبلية.
لماذا نحن بحاجة للحديد والصلب المصرية؟
قانونًا، يمكن عقد جمعية عمومية غير عادية مجددًا للتراجع عن قرار التصفية. ذلك حال موافقة الشركة على أي من العروض الجديدة. إلا أن هذه العروض يجب أن تخضع لدراسة من قبل لجنة محايدة، وإبداء الرأي فيها من حيث الجدوى الاقتصادية، لضمان تسليم الوحدات الإنتاجية بعد عودتها للدولة قادرة على العمل وليست متهالكة، وفق ما يوضح الدكتور رشاد عبده، الخبير الاقتصادي.
وما يبشر بعودة الشركة للحياة بعد قرار التصفية استمرار العمل بها كالمعتاد. فنشاط الأفران لا يزال قائمًا إلى الآن. بينما لا تسير إجراءات التصفية بوتيرة متسارعة.
تنتج شركة الحديد والصلب زوايا متساوية مدرفلة على الساخن. وأيضًا كمر مجرى مدرفلة على الساخن، وقضبان مستديرة مدرفلة على الساخن. هذا فضلاً عن حديد تسليح أملس، وحديد تسليح مشرشر ومربعات مدرفلة على الساخن. إلى جانب خوص وشرائح مدرفلة على الساخن، وقضبان وفلنكات وكمر وشرائط ولفائف مدرفلة على البارد. وكذلك ألواح مدرفلة على الساخن، وبلاطات ومربعات خام الحديد وخام الباريت، وجلخ الأفران العالية، وقوالب زهر للمسابك، وخام الحجر الجيري، وأكسجين وأرجون ونيتروجين.
هنا، يوضح الخبير الاقتصادي أن الدولة في حاجة لصناعات الثقيلة مثل الحديد والصلب. سواء في إنشاء مصانع جديد أو إعادة تطوير الحديد والصلب المصرية لو كانت قابلة للإصلاح. خاصة في ظل حجم التنمية الكبيرة التي تسعى لها الدولة حاليًا. ما قد يجعل العروض المطروحة قابلة للدراسة. وربما يصل أي منها لمرحلة الاتفاق النهائي، على حد قوله.