يقول الصحفي القدير جلال الدين الحمامصى “الصورة الصحفية تظل راسخة فى الأذهان بعكس المقدمة الصحفية فإنها تتبخر مهما كانت ألفاظها قوية، ومعبرة”. كذلك الحال مع مقدمتي البائسة، ولكن فلتتحملوني.

تعيش الصورة الصحفية، العربية منها خصوصا، واقعا مزريا، في ظل تضييقات الرقيب من جانب وغياب أخلاقيات المهنة من جانب آخر. وبين هذا وذاك تصنع مواقع التواصل الاجتماعي واقعا جديدا، يفرض على الجميع قواعده.

فى يناير عام 1989 وأثناء تنصيب جورج بوش الأب، استطاع رون أدموند مصور أسوشيتدبرس المحترف تصوير لقطات الاحتفال بكاميرا إلكترونية، ما مكنه من إرسال الصور إلى مختلف أنحاء العالم مباشرة، لأول مرة، ووصلت الصور إلى الصحف فى أقل من دقيقتين بعد أداء الرئيس لليمين.

والآن، يمكن لأي شخص عادي نقل حفلة عيد ميلاد، أو جريمة كاملة، إلى العالم أجمع، وعلى الهواء مباشرة، دون أدنى صعوبة، فالأمر لا يتعدى هاتف ذكي متصل بالإنترنت.

ولكن في الوقت نفسه، يغيب المصورون الصحفيون عن الشارع المصري، بعد تزايد وتيرة التضييق الأمني، وقوانين الإعلام التي تشترط الحصول على تصريح مسبق قبل عملية التصوير.

التضييق الأمني.. “ممنوع التصوير”

في كتاب أخلاقيات الصورة يقول الصحفي ياسر بكر” ولدت الصحافة فى مصر فى نهايات القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر والقيد فى يدها، فقد نشأت في كنف الحاكم فجاءت مقيدة بقيدين يشدانها إلى السلطة الحاكمة؛ قيد التبعية للحاكم وقيد فرض الرقابة، وهو ميراث ظل يلاحقها حتى اليوم”.

الكاتب الصحفي كارم يحيى يشير إلى أن إشكالية أخلاقيات الصورة الصحفية تتضمن أكثر من بعد، فمن ناحية تشتد الرقابة على الصورة، إلى درجة التنميط خاصة فيما يخص صور الشخصيات الحاكمة، فالكاميرا لم تعد حرة، أو تلقائية كما كان الحال من قبل، نتيجة تناقص هامش الحرية، وكذلك المهنية.

ودلل يحيى على ذلك بنشر الصحف والمواقع الإخبارية لصور بعينها، اختارتها الشخصية العامة بنفسها، والتقطت عبر مصوريها، فاختفت رشاقة الصورة، ولغتها غير المنطوقة، كذلك تعبيرها الصادق عن الواقع، فأصبحت غير أمينة في رسالتها إلى الجمهور.

في اللحظات الأولى لثورة يوليو لم يغفل الرئيس محمد نجيب توظيف الصورة الفوتوغرافية فى خلق صورة ذهنية من خلال دعوته مجلة “المصور” أحمد سليمان لتصوير أحداث يوم من حياته ظهر فيه بالروب والبيجاما والقبقاب وصابون الحلاقة، وقد أثارت الصور إعجاب العامة آنذاك، باعتباره فردا منهم، كما عمل الراحل أنور السادات على ترسيخ شخصية الرئيس المؤمن عبر صورة الجلبات والمسبحة، ونجح في ذلك على مدار سنوات.

كما عمد السادات إلى نشر صورة بالملابس الداخلية أثناء حلاقة ذقنه في حمام منزله، لتكريس صورة “الرئيس العادي” في أذهان العامة.

وعن ذلك يقول الكاتب كارم يحيى “حتى في وقت مبكر من الحياة السياسية المصرية وقبل حركة يوليو، كنا نرى صورا مختلفة، لنفس الشخص، وحوادث واقعية، وفيما بعد كان لحكام مصر صورا أقل رسمية، وأكثر عفوية”.

أبدى يحيى أسفا على الواقع الحالي في ظل تجريم حمل الكاميرا، بعد أن بات المنع هو القاعدة، عبر ترسانة من التشريعات المقيدة لممارسة المهنة: ” أصبحت مصر ترفع لافتة كبيرة مفادها “ممنوع التصوير” على حد قوله، بعد أن كان الأمر يقتصر على الأماكن العسكرية، أو حتى بعض المناسبات الخاصة.

أخلاقيات الصورة والجمهور

في واقعة تحرش المعادي، ساد اللغط حول ضرورة عرض صورة المتحرش من عدمه، كذلك تجاهل إخفاء وجه الطفلة المجني عليها، وثار الجدل حول موقع التواصل الإعلامي حول أخلاقيات عرض الصورة، والقواعد المنظمة لها.

الأمر لايقتصر على مواقع التواصل الاجتماعي، فكثير من الصحف، والمواقع الإخبارية لا تلتزم بالمعايير الأخلاقية، حتى مع الشخصيات المعروفة في حالات بعينها، بحسب يحيى.

في واقعة القبض على مالك صحيفة المصري اليوم رجل الأعمال صلاح دياب، نشرت الجهات الإعلامية صورته وهو مكبل بالقيود، واعتبرها الجمهور نوعا من التشهير فضلا عن كونها مهينة، وتمثل تعديا على حق الأفراد في التمتع بالخصوصية، طبقا لقاعدة المتهم بريء حتى تثبت إدانته.

وسائل الإعلام المصرية تعرضت للانتقاد بعد نشر صلاح دياب مكبلا بالقيود

الكاتب كارم يحيى أورد أن قوانين الصحافة المصرية وأشهرها قانون 93 لسنة 95، وفرعها الخاص بمواثيق شرف المهنة، لم يناقش مايخص الصورة الصحفية، واستمر الوضع على ذلك خلال تعديل القانون الذي جاء تحت رقم 96 لسنة 96، وكذلك القوانين التي تم إقرارها خلال السنوات الأخيرة.

وأعرب كارم عن خيبة أمله من الرؤية القاصرة من قبل شيوخ المهنة، التي جعلتهم يتجاهلون أي بنود تخص حقوق الصورة على مستوى الجمهور خلال تفاوضهم على بنود قوانين الصحافة والإعلام، عبر العهود السياسية السابقة، أو حتى الحالية.

وبالتالي، لم يعمل أحد على حماية خصوصية الجمهور من جهة، وكذلك حقوق مهنة التصوير، والعاملين فيها من جهة أخرى، وفقا ليحيى.

تعيش الصحافة وضعا مرتبكا في أمس الحاجة إلى المراجعة، خصوصا في ظل الفوضى العارمة التي تعج بها كل من وسائل الإعلام التقليدية والتواصل الاجتماعي، هذا ما يعتقده الكاتب والحقوقي تامر موافي.

وحول واقعة متحرش المعادي، اعتبر موافي أن الأمر مركب، فمن ناحية لا يجب عرض صورة الطفلة في الأحوال المتعلقة بالجرائم، فحماية مصلحة الطفل أولوية مطلقة، ومن جانب آخر يفرض سياق أحداث بعينها تخطي القواعد الحقوقية المعروفة، التي تقضي بعدم نشر صور المتحرش خوفا على ذويه من الوصم، والأذى، خاصة قبل إتمام إجراءات التحقيق.

ويلفت موافي إلى تناقض القواعد الحقوقية مع الواقع أحيانا، نتيجة التزام الجهات الحقوقية بالقوانين الوضعية المعروفة، والتي من عيوبها تجاهل السياق، وعمومية الأحكام.

وفي واقعة متحرش المعادي كمثال يقتضي سياق المعركة الاجتماعية القائمة ضد التحرش، التشهير بالمتهمين، وعرض صورهم، خاصة في ظل تخوفات تتعلق باحتمالية إفلات المجرم من العقاب، أو التساهل معه نتيجة اختلال موازين القوى المجتمعية لصالح الرجل، بمعزل عن النظرة الحقوقية الضيقة في بعض قواعدها.

الصورة كانت البطل الرئيس في واقعة المعادي

على المستوى القانوني يؤكد المحامي ياسر سعد أن واقعة المعادي تعد جريمة يجب نشرها والإبلاغ عنها، من قبل شهود الواقعة، إذ أن قانون الإجراءات الجنائية، نص على أن “كل من علم بوقوع جريمة يجوز للنيابة العامة رفع الدعوى عنها بغير شكوى أو طلب أن يبلغ النيابة أو أحد مأموري الضبط القضائي”.

في السياق نفسه، يرى كارم يحيى أن واقعة التلبس في حالة متحرش المعادي تقضي بالتشهير به، لصالح تقويض ظاهرة التحرش، ومواجهتها، ولكن مع مراعاة الحفاظ على خصوصية الطفلة، والعمل على إخفاء ملامحها.

واعتبر يحيى أن ظهور الطفلة بشكل واضح في المقطع المصور جريمة من قبل وسائل التواصل الاجتماعي، كان لا يجب تكرارها، عبر الإعلام المرئي، والمقروء، مرجعا مسؤوليتها إلى مديري النشر الذين انصاعوا لقواعد فرضها “التريند”، وحُمَى المشاهدات.

اقرأ أيضا:

110 انتهاكات ضد الحريات الصحفية والإعلامية في الربع الأخير من 2020

ويبقى السؤال هل لا يجوز نشر صور الأطفال على الإطلاق؟

منذ سنوات أثارت صورة الطفل السوري إيلان كردي الغارق على شاطئ بودروم التركية، مشاعر العالم أجمع، والحشد لقضية اللاجئين وتخطت المشاهدات الأولى لها على وسائل التواصل الاجتماعي عشرين مليون، لاحقا سارعت أغلب الصحف إلى مشاركة الصورة.

صورة الطفل إيلان

المدير الفني لمجلة “لوبس” الفرنسية سيرجي ريكو رفض نشر الصورة، وبالرغم من ذلك نشر الموقع الإلكتروني للمجلة الصورة.

 آنذاك قال ريكو لصحيفة هولندية “ما أفكر فيه هو كرامة الطفل، وفوق ذلك، لن تغيّر هذه الصورة مجرى التاريخ في حالٍ من الأحوال”.

 لكن الكثير من المحررين استخدموا نفس هذه الحجة من أجل تبرير نشر الصورة، إذ رأوا جمالا حزينا في الصورة يجعل من قضية اللاجئين رأي عام، ويدفع الدول للتحرك في اتجاهها.

 الكاتب تامر موافي يُرجع الأمر إلى السياق مرة أخرى، فربما يسمح الموقف بنشر بعض الصور كاستثناء للقاعدة، كحالة الطفل إيلان مع محاولة تجهيله، للحفاظ على مشاعر ذويه، كذلك أورد موافي مثالا آخر يعكس حالة اللا أخلاقية، في واقعة الطفلة والنسر الشهيرة.

وهو الحادث الذي يعود إلى العام 1993، حين رأى المصور كيفين كارتر طفلة صغيرة هزيلة، توقفت عن الزحف لبرهة وهي في طريقها إلى مركز توزيع الطعام، وفيما كان يتحضر لالتقاط الصور حط نسر بقربها، ذكر كارتر لاحقاً أنه انتظر نحو 20 دقيقة آملاً أن يفرد النسر جناحيه من أجل أن يلتقط أفضل صورة ممكنة، لكنه لم يفعل، بعد أن التقط الصورة قام بطرد النسر بعيداً، وشاهد الطفلة تستكمل زحفها نحو المركز.

كارتر

آنذاك قال كارتر بأنه ألتقط الصورة، لأن عمله هو “التقاط الصور” فقط ومن ثم المغادرة. كما أفادت الصحف لاحقاً أنه من غير المعروف إذا ما وصلت الطفلة إلى مركز توزيع الطعام أم لا. لم تنته القصة عند هذا الحد، إذ أقدم كيفين على الانتحار بعد 3 أشهر من تسلمه جائزة بوليتزر العالمية على الصورة.

قانونا، ذكر المحامي ياسر سعد أن المادة 96 من قانون الطفل تعدد حالات تعرض الطفل للخطر، ووجوب حمايته، والتي منها تعرض أمنه أو أخلاقه أو صحته أو حياته للخطر، كذلك الإهمال، الإساءة، العنف، الاستغلال، أو التشرد .

كما تنص المادة 291 من قانون العقوبات الخاصة بالاستغلال الجنسي حظر أي مساس بحق الطفل في الحماية من الاتجار به أو الاستغلال الجنسي أو التجاري أو الاقتصادي أو استخدامه في الأبحاث، والتجارب العلمية، ويكون الطفل الحق في توعيته و تمكينه من مجابهة هذه المخاطر.

وعليه يعاقب بالسجن والغرامة بمبلغ خمسين ألف جنية ولا تتجاوز مائتي ألف جنيه كل من باع طفلا أو اشتراه أو عرضه للبيع، وكذلك من سلمه أو تسلمه أو نقله باعتباره رقيقا ، أو استغلاله جنسيا أو تجاريا أو استخدمه في العمل القسري أو غير ذلك من الأغراض غير المشروعة، ولو وقعت الجريمة في الخارج.

أما جهة الادعاء الوحيدة، بحسب سعد، هي ذوي الطفل، أو المجلس القومي للأمومة والطفولة، وهو مالا يحدث غالبا من قبل المجلس إلا تحت ضغط الرأي العام.

الموازنة ضرورية بين الضرر، والضرر الأكبر، والتقدير الأخلاقي يرجع إلى شخص المصور، وهو ما يغيب عن وسائل الإعلام الاجتماعي، والتقليدي غالبا بحسب موافي.

سرية التحقيقات وعلنية الجلسات

خلال العام الماضي، وافق مجلس الوزراء، على إضافة مادة جديدة إلى قانون العقوبات، تنص على أنه “يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه، ولا تزيد على مائتي ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من صور أو سجل أو بث أو نشر أو عرض، كلمات أو صور لوقائع جلسة مُخصصة لنظر دعوى جنائية أثناء انعقادها بأي وسيلة كانت”.

“يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنة وغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه، ولا تزيد على مائتي ألف جنيه، أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من صور أو سجل أو بث أو نشر أو عرض، كلمات أو صور لوقائع جلسة مُخصصة لنظر دعوى جنائية أثناء انعقادها بأي وسيلة كانت”

بينما تشير المادة 187 من الدستور، إلى أن “جلسات المحاكم علنية، إلا إذا قررت المحكمة سريتها مراعاة للنظام العام، أو الآداب، وفى جميع الأحوال يكون النطق بالحكم فى جلسة علنية”.

المحامي سعد يضيف علانية بما فيها التصوير خلال الجلسات مبدأ عام واجب التطبيق على القضاء بكافة أنواعه، يستوى فى ذلك القضايا المدنية والجنائية والإدارية وغيرها، وقد ورد النص على هذه الضمانة فى كل من قانون السلطة القضائية المادة الثامنة عشرة، وقانون المرافعات المدنية والتجارية المادة 101، وقانون الإجراءات الجنائية المادة 268.

ويضيف سعد أن سرية الجلسات هي الاستثناء، ولا يتم العمل بها إلا بطلب من الخصوم، يقدم إلى القاضي مباشرة للبت فيه.

بدوره لفت تامر موافي إلى أن علانية الجلسات أحد الضمانات الواجب توافرها لتحقيق العدالة، ولكن بعض المحاكم الأمريكية في بعض الولايات، يستعين فيها الصحفيون بالرسامين لتصوير أجواء المحاكمة بما فيها المتهمين، ولا يسمح بالتصوير.

أما الكاتب الصحفي كارم يحيى فيسترجع فترات سابقة في تاريخ الصحافة، وتحديدا حقبة الأربعينيات، حين كان يسمح فيها بتصوير المحاكمات من كافة الزوايا، بشكل ثري، وحيوي، معبر عن الحدث، وبما يخدم العدالة.

وفي حين منعت المحاكم تصوير الجلسات، ساهمت الجهات الأمنية، ووسائل الإعلام، معا، في التشهير بالمتهمين، ووصمهم في كثير من الأحيان.

يضيف موافي أن سرية التحقيق التي يفرضها القانون المصري، يتم انتهاكها في كثير من الأحيان، وتؤدي إلى تشويه سمعة المواطنين، كما في حالة قضايا الآداب، التي يتم عرض صور المتهمين فيها، فيتم وصمهم عبر مجتمعاتهم.

وبالرغم من عدم توافر الأدلة الكافية بعد تسمح جهات التحقيق بنشر صور المتهمين أثناء القبض عليهم، أو نشر اعترافات أو محاضر، قبل إتمام المحاكمة، دون مراعاة لسمعتهم، أو مصالح ذويهم.

كما اعتبر موافي أن القانون لم يكن واضحا في إجبار النيابة في الحفاظ على سرية التحقيق، ففي حال لم تبادر جهات التحقيق بمنع النشر في القضية، لا تتدخل أي جهة لوقف الانتهاكات في حق المتهمين.

كما لفت موافي إلى الخلط بين قضاة التحقيق، وجهة الادعاء وبما يتعارض مع مصالح المتهمين، فنتيجة لنقص عدد القضاة تقوم النيابة بالتحقيق في الاتهامات بنفسها في عدد كبير من القضايا.

هنا ينتقد كارم يحيى التطبيع مع العنف عبر وسائل الإعلام، مدللا على ذلك بنشر صور الجثث، ووقائع مؤذية بدعوى محاربة الإرهاب، مشيرا إلى تصاعد تلك السياسة فيما بعد فتره 2013.

ويشير يحيى إلى الأثر السيئ مجتمعيا لتلك الصور، والتي لا تقتصر على تشويه سمعة المتهمين، ووصمهم، بل يتخطى الأمر إلى إشاعة ثقافة العنف بين الناس، واستسهاله، وصولا إلى انحطاط الذوق الجمالي، نتيجة اعتياد المشاهد المقززة.

وسائل التواصل الاجتماعي وأولويات النشر

خلال السنوات الأخيرة، سيطرت وسائل التواصل الإعلامي على الصورة بشكل يجبر الصحف أحيانا على ترتيب أولوياتها، ويضعها أمام خيارين أحلاهما مر، تغليب مصالح العمل، ومقتضياته في مقابل اتخاذ قرارات أخلاقية.

يكشف الواقع العربي عن تغليب مصالح العمل في أغلب الأحيان، من قبل وسائل الإعلام، في ظل تسيد “التريند” للمشهد.

يصف الكاتب الحقوقي موافي مشهد التواصل الاجتماعي بـ “wild west” الغرب الأمريكي المتوحش، فالبقاء للأقوى، لا قواعد ولا أخلاق منظمة للوضع، ومع ذلك يشدد كارم يحيى على أهمية تلك المواقع في إبراز الأحداث، وتوثيقها، وفرض أجندة الجمهور على وسائل الإعلام التقليدية.

ولا أدل على ذلك من المقطع الشهير الذي انتشر على التواصل الاجتماعي لمجموعة ركاب في سجال حاد مع مشرف أحد القطارات بعدما قفز شابان منه أثناء سيره إثر تخييرهما بين دفع الأجرة أو دفع غرامة الركوب دون تذكرة، ما أدى لوفاة الراكب.

في حين يعتقد موافي بأن البث المباشر دون فواصل، عبر وسائل التواصل، قضى على أحلام الخصوصية الشخصية، في الفراغ العام، فحمى التصوير تجتاح العالم، والجميع معرض لها، ولو عن دون قصد كما في واقعة الفنانة ياسمين عبدالعزيز.

في واقعة نشرت وسائل الإعلام صورة تجمع بين الفنانة ياسمين عبدالعزيز وأحمد العوضي، يظهر بها رجل وامرأة على طاولة خلفهما، مما أثار تهكم الجمهور، وأشاع البعض أنها لرجل وعشيقته، وأن تداول الصورة كشف أمرهما أمام الناس وزوجته.

وفي المقابل، المحامي ياسر سعد يؤكد أن قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات فى المادة 25 منه، يعاقب بالحبس، والغرامة، كل من نشر عن طريق الشبكة المعلوماتية، معلومات أو أخبارا أو صورا وما في حكمها، تنتهك خصوصية أي شخص دون رضاه، سواء كانت المعلومات المنشورة صحيحة أو غير صحيحة.

ويضيف سعد: “يذهب أغلب المجني عليهم إلى عدم مقاضاة الأطراف التي تقوم بانتهاك خصوصيتهم، نتيجة الوصم والعنف المجتمعي الذي يتعرضون له عادة كما في حالة المتهمات في المقاطع المصورة للمخرج خالد يوسف”

بينما يشير كارم إلى التقاليد الدولية المستقر عليها، التي تمنع المصور من نشر صور تخص أشخاص عادية، ولو عرضا، كما في حالة الزوجين، حفاظا على الخصوصية، مشددا على ضرورة تدريب الصحفيين، عبر الروابط، والنقابات، وخلق نوع من الوعي الذاتي بالحقوق، والواجبات .