يحتفل العالم باليوم الدولي للحق في معرفة الحقيقة فيما يتعلق بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان واحترام كرامة الضحايا، بينما تزداد أعداد المخطوفين، والمحتجزين قسرا، وضحايا التعذيب.

اختير هذا اليوم ضمن الاعتراف بالعمل الهام والقيم الذي اضطلع به الأسقف أوسكار أرنولفو روميرو من السلفادور، والذي جرى اغتياله، نتيجة مشاركته في تعزيز وحماية حقوق الإنسان في بلده، وقد حظى عمله باعتراف دولي لما كتبه من رسائل استنكر فيها حقوق الإنسان التي تتعرض لها أشد فئات السكان ضعفا.

خلصت دراسة أجرتها مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في عام 2006 إلى أن الحق في معرفة الحقيقة بشأن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والانتهاكات الخطيرة لقانون حقوق الإنسان هو حق غير قابل للتصرف ومستقل، لافتة إلى واجب الدولة في حماية وضمان حقوق الإنسان وإجراء تحقيقات فعالة وضمان رفع الضرر والتعويض الفعالين.

وفي مصر، تتوارد التقارير المنتقدة لأوضاع حقوق الإنسان، بما في ذلك الاختفاء القسري، وحملات القبض الواسعة، والتعذيب وغيره من ضروب المعاملة السيئة، والإفراط في استخدام القوة، وإجراءات المراقبة المشددة، بحسب منظمات دولية.

“تحقيق السلام إن أمكن لكن الحقيقة واجبة مهما تكن الظروف”

مارتن لوثر

ولكن ما هي أهمية إظهار الحقيقة؟

يعتبر أستاذ القانون الدكتور أيمن سلامة، في الولايات المتحدة، أن “كشف الحقيقة” أحد أهم آليات العدالة الانتقالية في فترات التحول الديمقراطي بعد إنهاء وإقصاء النظم الاستبدادية السابقة، في سبيل تحقيق السلم والمصالحة.

ويعد كشف ومعرفة الحقيقة مسألة قانونية أولية مهمة، ليس في حد ذاتها بل لتحقيق غايات سامية متعددة الجوانب، منها المساهمة في استعادة السلام وصيانته، مثل محاربة الإفلات من العقاب، وردع انتهاكات حقوق الإنسان في المستقبل أو الحيلولة دون حدوثها، وتلبية مطالب الضحايا والدفاع عن حقوقهم، وإبعاد اللاعبين السياسيين السابقين عن الساحة السياسية، وإعادة تأسيس سيادة وحكم القانون.

في السياق نفسه، أصدرت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، تقريرا حول الانتهاكات التي يتعرض لها السجناء والمحتجزين داخل مقار الاحتجاز، كجزء من تغييب الحقيقة، وما يمثل منها نمطا متكررا تعتمده إدارات السجون،  أوردت أمثلة عليها ومنها:

الإهمال الطبي.. حقوق الإنسان

بحسب تقرير الشبكة، تشهد السجون المصرية العديد من حالات غياب الرعاية الصحية الكافية أو الإهمال الطبي، بالمخالفة للمادة 36 من قوانين السجون.

وذكرت الشبكة عددا من الحالات على ذلك والتي منها حالات انتهت بالوفاة مثل المخرج الشاب لشادي حبش، والمرشد السابق لجماعة الإخوان المسلمين محمد مهدي عاكف، وكذلك عضو جماعة الإخوان عصام العريان.

أشار التقرير إلى انتهاكات تتعلق بالحبس الافتراضي وما يعانيه المحتجزون من نقص في التهوية، وارتفاع مستوى الرطوبة مما يتسبب في سوء حالتهم الصحية كحالة الصحفي هشام جعفر، قبل خروجه من السجن، والناشط أحمد دومة الذي تجاوز حبسه الانفرادي عامه السابع.

في حين حدد المشرع الجزاءات التي يجوز توقيعها على المسجونين، والمحبوسين احتياطيًا ومنها الحبس الانفرادي لمدة لا تزيد على خمسة عشر يوماً.

وكان المنع من الزيارة أحد الانتهاكات التي أوردها التقرير والتي تخالف قانون تنظيم السجون، كحالة المحامية هدى عبدالمنعم، وعضو جماعة الإخوان عصام سلطان

إلى جانب انتهاكات تتعلق بمنع المكالمات التلفونية وهو انتهاك شائع في السجون المصرية، في الوقت نفسه يخالف إرادة المشرع الذي أقر للمسجون الحق في إجراء مكالمة تليفونية نظير مقابل مادي.

 

“لايجوز إخضاع أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطة من الكرامة”.

 المادة الخامسة من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان

ملف التعذيب وتغييب الحقيقة

خلال مارس الجاري، عاد ملف الانتهاكات في السجون إلى الواجهة، على خلفية ما أفاد به الناشط والمدون علاء عبدالفتاح في الجلسة الأخيرة لإعادة نظر محاكمته، إذ أشار إلى وجود تعذيب داخل السجون باستخدام الكهرباء، وهي الشهادة نفسها التي أكدها الطبيب أحمد سعيد.

في المقابل، نفت آنذاك وزارة الداخلية صحة تلك الادعاءات، وأكدت أنه سيتم “اتخاذ الإجراءات القانونية حيال تلك الادعاءات”.

من قبل أصدرت منظمة “هيومن رايتس” تقريرا بينت فيه “أن التعذيب الواسع من قبل قوات الأمن قد يرقى إلى جريمة ضد الإنسانية”.

كان تقرير سابق أعدته مجموعة من المنظمات المصرية والدولية حول ممارسات التعذيب خلال السنوات الماضية، قدم للأمم المتحدة، كشف عن توسع في توظيف التعذيب في أماكن الاحتجاز الرسمية.

فبحسب التقرير، وخلال الفترة ما بين 2014 وحتى نهاية 2018، توفي 449 سجينًا في أماكن الاحتجاز، من ضمنهم 85 نتيجة التعذيب.

وتعتقد المنظمات أن هذا الاستخدام الواسع والمنهجي للتعذيب، الذي يوثقه التقرير يتم تحت أعين الحكومة المصرية، على نحو يضمن حماية الجناة من المساءلة، خاصة عندما يكون ضحايا التعذيب من أصحاب قضايا الرأي.

وترفض مصر، ممثلة في وزارة الخارجية، التقارير الأجنبية التي تنتقد الأوضاع الحقوقية، إذ تعتبره تصعيدا غير مبرر، وإساءة استخدامه كغطاء من دول تعتبر أن لها حق تقييم الآخرين، للتعتيم على انتهاكاتها المستمرة لحقوق الإنسان”.

موقف حقوقي: لا للتوسع في حظر السفر.. والجلسات العرفية ليست حلا للتهجير القسري للمسيحيين

الإخفاء القسري في مواجهة الحقيقة

دخلت الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري حيز التنفيذ في عام 2010، وتهدف إلى منع الاختفاء القسري وكشف تفاصيل حقيقة ما جرى والحرص على تحقيق العدالة للناجين والضحايا وعائلاتهم، والكشف عن الحقيقة، وتلقي التعويض المناسب.

على الجانب المصري يظل ملف الإخفاء القسري شائكا، فمن ناحية تشير التقارير المحلية والدولية الخاصة بحقوق الإنسان، إلى تصاعد وتيرة الإخفاء خلال السنوات الخمس الأخيرة، واعتبرته ظاهرة، في حين تنفي السلطات المصرية عن نفسها تلك التهم، وتصف التقارير الواردة بحقها، بالمغرضة، والمسيسة.

وكانت اللجنة المصرية للحقوق والحريات اعتبرت أن ظاهرة الاخفاء القسري صارت منهجية، في حين أكدت أن عدد المختفين قسريا في مصر منذ العام 2015 حتى العام 2020، قد فاق الألفين وسبعمائة شخص أي ما يعادل عشرة مختفين في كل أسبوع.

وفي مطلع الشهر الجاري، طالبت منظمة العفو الدولية السلطات المصرية بإجراء تحقيقات فورية وفعالة ومستقلة في الاختفاء القسري لما يقرب من عامين لأم شابة وطفلها، فضلاً عن الإخفاء القسري المستمر لزوجها.

وقال مدير البحوث فيليب لوثر”لدى السلطات المصرية سجل طويل قاتم من الإخفاء القسري، والتعذيب لأشخاص تعتبرهم معارضين للحكومة أو منتقدين لها، ولكن القبض على أم شابة مع طفلها البالغ من العمر عاماً واحدًا، وحبسهما في غرفة لمدة 23 شهرًا خارج حماية القانون، ودون اتصال بالعالم الخارجي، يُظهر أن حملة السلطة المصرية المستمرة للقضاء على المعارضة وزرع الخوف في النفوس، قد وصلت إلى مستوى جديد من الوحشية”.

ويرجع تاريخ الواقعة إلى مارس عام 2019، عندما ألقي القبض على الأستاذة الجامعية منار عادل أبو النجا، 27 عاماً، وزوجها عمر عبد الحميد أبو النجا، 27 عاماً، وطفلهما البراء البالغ من العمر عامًا واحدًا، من منزلهم في الإسكندرية.

وذلك على الرغم من حكم المحكمة الإدارية، في يوليو عام 2019، الذي يأمر وزارة الداخلية بالكشف عن مكان وجودهم، إلا أن الوزارة نفت مرارًا وجودهم قيد الاحتجاز.

جدير بالذكر أن مجلس جنيف للحقوق والحريات سبق ونبه إلى أن انتهاكات السلطات المصرية، في مجال الإخفاء القسري لنشطاء حقوقيين وصحفيين ومدونين إضافة إلى مواطنين عاديين بلغت مستوى خطير، وغير مسبوق.