تتزايد أدوار شركات التمويل الاستهلاكي في السوق المصرية باستمرار. مع تنامي الاقتناع بدورها كأحد عناصر تحقيق العدالة الاجتماعية. ذلك بتوفير فرص جديدة أمام الفئات محدودة ومتوسطة الدخل في الحصول على تمويلات لشراء السلع الاستهلاكية.

التمويل الاستهلاكي باعتباره محققًا للعدالة الاجتماعية

نشاط التمويل الاستهلاكي يشير إلى تمكين المقترض من شراء سلعة معمرة. ذلك بغرض الاستهلاك وسداد ثمنها على فترة زمنية ممتدة. ويشمل السيارات والأدوات والمعدات. لكنه يتعلق في المقام الأول بالقطاع المنزلي كالأجهزة الكهربائية والأثاث والأدوات المنزلية.

يحقق التمويل الاستهلاكي منافع عدة لطرفي العلاقة في الوقت ذاته. فالنسبة للمنتجين يساعدهم على تصريف منتجاتهم وتحقيق انتعاش على مستوى المبيعات والربحية. وفي المقابل يمنح المستهلك القدرة على شراء منتجات لا تسمح دخولهم بسداد أسعارها بصورة فورية. ويمكن اعتبار هذا النوع من التمويل أحد وسائل تحقيق العدالة الاجتماعية. لأنه يستهدف الطبقات متوسطة ومحدودة الدخل.

كما يعتبر أحد وسائل الشمول المالي وركن للتنمية المستدامة التي أقرتها منظمة الأمم المتحدة بدورتها الجمعية العامة التاسعة والستين. كما أنه يشمل عنصرًا رئيسيًا بالبرنامج القومي (2020، 2030) الذي أقره مجلس النواب المصري.

قبل يومين، وافقت هيئة الرقابة المالية على تأسيس ثلاث شركات جديدة للتمويل الاستهلاكهي: “بلنك” – “إس إم جي” لخدمات التقسيط – “عز العرب كونتكت فايننشيال”. لتضاف إلى 16 شركة تمويل استهلاكي، موجودة بالسوق. وهي تعمل بأنشطة تبدأ من: الملابس والأحذية والموبيليا والأجهزة الإلكترونية وحتى رحلات السياحة والسفر وبعض الخدمات الطبية وشراء وصيانة السيارات.

تتضمن السوق المصرية العديد من شركات التمويل الاستهلاكي، أشهرها  “فاليو” – بريميوم كارد – سهولة – بيوت. وتمنح هذه الشركات تمويلات لموظفي القطاع الحكومي وأصحاب المعاشات وأصحاب الأعمال الحرة والمهنيين وأصحاب شهادات الاستثمار، تبدأ من 6 أشهر وحتى ثلاثة سنوات.

الرقابة على النشاط

يخضع نشاط التمويل الاستهلاكي لرقابة الهيئة العامة للرقابة المالية باعتبارها الجهة التي اختصها قانون تنظيم نشاط التمويل الاستهلاكي الصادر بالقانون رقم 18 لسنة 2020. وهو القانون الذي تم تعديله بسبب الاتساع الواسع للنشاط. بعدما دخلت في البنوك وشركات المحمول وشركات المنتجات الاستهلاكية، التي تقدم خدمات التقسيط. ما تطلب حماية المستهلكين ووضع ضوابط لعدم استغلاله في عمليات غسيل الأموال.

في هذا الشأن، لجأت الرقابة المالية لوضع تعديلات تنص على حماية البيانات الخاصة بالمستهلكين. ذلك عبر إلزام شركات التمويل بالحفاظ على السرية التامة للعملاء وعدم إفشاء أي معلومات عنهم أو معاملاتهم إلى الغير. فضلاً عن كيفية احتساب تكلفة التمويل وتحديده وتغليظ العقوبات على الشركات المخالفة. بما يصل إلى الحبس وغرامة لا تقل عن 200 ألف جنيه، ولا تزيد على مليون جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين.

ظل غياب القواعد المنظمة للتمويل الاستهلاكي أحد العقبات التي منعت تأسيس شركات كبيرة في القطاع لعدم القدرة على منافسة شركات تجارة سلع استهلاكية وحملة البطاقات الائتمانية من البنوك، ووجود قطاع كبير من عمليات البيع بالتقسيط، تتم بين المواطنين وبعضهم البعض كأصحاب محال الأدوات المنزلية.

ووفقًا للرقابة المالية، فإن التعديلات الأخيرة على نشاط التمويل الاستهلاكي هدفها تحقيق الاستقرار والشفافية بين المتعاملين في هذا النشاط. إلى جانب حماية المستهلكين من الممارسات الضارة وإتاحة الفرصة للقطاع العائلي لزيادة قدرته على شراء المنتجات. بما يحقق العدالة الاجتماعية، ويؤدى في المجمل إلى تحسين السياسات المالية والنقدية، بما يعزز الاقتصاد القومي.

وتتلقى الهيئة العامة للرقابة المالية طلبات تأسيس شركات التمويل الاستهلاكي بشهادة الإيداع البنكية. بما يفيد سداد رأس المال المصدر (مدفوعًا بالكامل). ونسخ من العقد الابتدائي والنظام الأساسي للشركة. بالإضافة إلى طلب من وكيل المؤسسين، متضمنًا على وجه الخصوص اسم الشركة وبيانًا بأسماء المؤسسين ورأس المال المصدر والمدفوع. فضلاً عن إقرار بقبول التعيين من مراقب حسابات الشركة.

ضوابط نشاط شركات التمويل الاستهلاكي

تقسم الرقابة المالية الشركات العاملة بالسوق إلى فئتين؛ أولهما مقدم السلع، ويشترط أن يزيد حجم أعماله على 25 مليون جنيه سنويًا. بينما الثاني هو متلقي الخدمة الذي يشترط لقبوله وجود مؤسسات مالية بهيكل الملكية الخاص به.

وقد وضعت الرقابة المالية ضوابط عدة لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب. فأصبحت الشركات العاملة في نشاط التمويل الاستهلاكي مطالبة بمؤشرات استرشادية بحد أدنى عند التعرف على العمليات المشتبه فيها أنها تتضمن غسيل أموال. مثل عدم رغبة العميل في توقيع نموذج “اعرف عمليك”. أو التردد في الإدلاء ببيانات تفصيلية شخصية وإجراء تعاقدات لشراء السلع والخدمات بشكل بالغ فيه وبدون مبرر. أو قيام العميل بالسداد المبكر بصورة غير متوقعة للمديونية من قبله أو أطراف أخرى، خاصة المتعثرين. إلى جانب الإيداعات النقدية الكبيرة والمتكررة التي يودعها أشخاص مختلفين لحساب أحد العملاء. دون أن يكون هناك علاقة بينهم تبرر ذلك.

كما تتضمن المعلومات الاسترشادية أيضًا ثبوت وجود مستفيد حقيقي من السلع والخدمات المتعاقد عليها، بخلاف العميل المتعاقد. وأيضًا ثبوت وجود تحويلات للسداد من أشخاص غير المستفيد الحقيقي من السلع أو الخدمات المتعاقد عليها.

ومن المتوقع أن تسهم التعديلات الجديدة في إغراء العديد من الكيانات الكبرى لتأسيس شركات صغيرة متخصصة في التمويل الاستهلاكي. لترتفع الشركات العاملة إلى 50 شركة على المدى الزمني القريب.

ووفقًا للخبراء، فإن سوق التمويل الاستهلاكي للشركات حاليًا لا يتجاوز 100 مليون جنيه. وهو رقم هزيل جدًا في ظل وجود 900 ألف زيجة سنويًا في مصر. وسيادة نمط التقسيط في تجهيز العرائس. إلى جانب مبالغة الأسر في تأثيث منزل الزوجية حتى أن متوسط قائمة المنقولات الزوجية بالريف للمصري لا تقل عن ربع مليون جنيه مصري.