انتشر مؤخرًا مفهوم العنف الإلكتروني ضد المرأة في ظل انتشار التكنولوجيا بشكل غير مسبوق. وبحسب التعريف يضم العنف الإلكتروني الابتزاز، والتحرش الجنسي، والتهديدات بالعنف. فضلًا عن رسائل المضايقات، وتبادل المحتوى الإباحي. وسط جملة من العادات والتقاليد التي تضع حدودًا اجتماعية صارمة.

عام 2019، نشرت لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بالبرلمان، دراسة أجرتها كشفت تقديم 1038 بلاغًا بجرائم إلكترونية. ذلك بعدما فعلّت الحكومة المصرية قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية نهاية 2018. بعد إقراره من مجلس النواب في شهر يونيو من نفس العام.

كذلك ينص القانون على الحبس مدة لا تقل عن 6 أشهر، وغرامة لا تقل عن 30 ألف جنيه لكل من دخل على موقع أو حساب خاص. مستخدمًا حقًا مخولاً له، فتعدى حدود هذا الحق من حيث الزمان أو مستوى الدخول. كما تضمنت العقوبات أيضًا جرائم الاعتداء على حرمة الحياة الخاصة والمحتوى المعلوماتي غير المشروع.

كما قالت منظمة العفو الدولية، في تقريرها عن العنف ضد المرأة عبر الإنترنت في 2018. إن العنف الإلكتروني يتخذ أشكالًا متعددة. منها التهديدات المباشرة أو غير المباشرة باستخدام العنف الجسدي أو الجنسي. كذلك الإساءة التي تستهدف جانبًا أو أكثر من جوانب هوية المرأة، من قبيل العنصرية أو رهاب التحول الجنسي. كذلك المضايقات المستهدفة وانتهاكات الخصوصية، من قبيل نشر معلومات خاصة عن شخص ما على الإنترنت. لكن بقصد إلحاق الأذى به؛ وتبادل صور جنسية أو حميمة لامرأة بدون موافقتها.

حالات مختلفة للابتزاز

في منتصف شهر إبريل عام 2018، تعرض الحساب الشخصي لشيماء محسن وهي أم لطفلتين، إلى اختراق من قبل أحد الأشخاص. اكتشفته هي بالصدفة بعدما بدأ يهددها المخترق بصور لها كانت أرسلتها لنفسها على تطبيق ماسنجر.

تقول شيماء: “الأمر كان مرعبًا بالنسبة لي بعدما هددني بالصور. وإرسالها إلى أفراد عائلتي وكان الأمر سيتحول لمصيبة كبرى، ظلت لأيام مرعوبة. خاصة أنه حصل على شات شخصي بيني وبين صديقتي وحصل على الصور. واتصل بصديقتي وهددني كما أرسل صورًا لي عبر “واتس آب” ليكمل تهديده.

كما أضافت: “صديقتي كانت متزوجة وكشفت لزوجها ما حدث وطلب منها الرد على المبتز. الذي طلب منها الدخول في علاقة جنسية أو فضحها. في ذلك الوقت قررت التواصل مع محامي وذهبت إلى مباحث الإنترنت. وتقدمت ببلاغ وكان المسئولين هناك متفاهمين جدًا وساعدوني بكل الطرق”.

كذلك أوضحت: “بعد الاطلاع على الرسائل والتهديدات، تم تحرير المحضر وطلب صديقتي أن تتقدم بالمحضر وهو ما حدث بالفعل. وخلال شهرين تم القبض على المبتز. ذهبنا إلى نيابة لاستكمال التحقيقات التي استمرت لـ8 ساعات. بعدها تحدث معنا وكيل النيابة وقال إن من أبتزهما حاصل على الإعدادية فقط لكنه استطاع اختراق 800 حساب لم يبلغ منهم غيري أنا وصديقتي”.

حكم عليه بالحبس عامين، بينما تحولت قضية صديقتها إلى جناية لأنه هددها. لكنه ما زال محبوسًا على ذمة القضية وخلال الثلاث سنوات الماضية لم تتوقف أسرته عن ملاحقة الصديقة للتنازل عن القضية.

تشير شيماء إلى أن أكثر ما ضايقها في الرحلة كاملة أن هناك صفحة فيسبوك نشرت تفاصيل القضية. وأجزاء من عنوان منزلها وحروف اسمها. بينما لم تكن تتوقع أن هؤلاء اطلعوا على تفاصيل قضيتها وعرفوا كل هذه المعلومات التي من المفترض أنها أسرار.

التهديد والرعب لسنوات

“مي” شابة تعرضت لابتزاز الإلكتروني لمدة 5 سنوات متتالية. لم تر فيهم طعم الآمان بحسب تعبيرها. كما أنها ظلت في الدائرة المفرغة ذاتها دون أن يكل الشخص الذي يبتزها أو يمل.

“أحد زملائي في الجامعة ابتزني من خلال مواقع التواصل. ظل يهددني من خلال حسابات مجهولة. ويخبرني بكل تفاصيل حياتي دون أن يُفصح عن هويته، حتى أنه كان يخبرني عنوان منزلي وأنه يقف بالخارج. كما أنه ظل يقرع باب المنزل بعد ذهاب أسرتي للعمل قبل أن يختفي، لتخويفي.

تقول “منى” إنه بعد فترة استطاعت بمساعدة صديق، معرفة من يهددها باستمرار. كما أنها ذهبت برفقة خطيبها وأسرته لمواجهته، واعترف بالحقيقة. بعدها قررت تحرير محضر في مباحث الإنترنت لكنه أغلق الحساب الذي كان يستخدمه في تهديدها. لكنها حررت محضرًا رسميًا في مكتب النائب العام وحتى الآن لم يتخذ أي إجراء قانوني ضده.

كذلك أضافت أن ذلك “المتحرش” بصدد إصدار كتاب، كما سيذاع له برنامج في رمضان المقبل كأحد نجوم المجتمع.

ابتزاز الصغار

لم تسلم الفتيات الصغيرات هن الآخريات من التحرش، حتى أن منال ذات الـ16 سنة تعرضت للابتزاز من قبل أحد الأشخاص على “فيسبوك”.

كذلك تقول: “دخل لي أحد الأشخاص وقال إنه يرغب في رسمي وعمل صورة كرتونية لي. وطلب مني أن أصور له إيدي ورجلي وأنا صورت لأني كنت سعيدة جدًا”.

كما تابعت: “قال لابد أن نتحدث فيديو فتحت لاقيته قافل الكاميرا الخاصة به، بحُجة أنها مُعطلة. ولأني كنت طفلة في ذلك الوقت صدقته تمامًا، وظل يطلب مني أن أصور أجزاء من جسدي بحٌجة الرسم. وكان طول الوقت ياخد إسكرينات، وبعدما أغلقنا أرسلها لي وهددني بأن أمارس الجنس معه عبر التليفون. والإ هينشر كل هذه الصور”.

“منال” أكدت أن كل خوفها من أن يعرف أحد أفراد أسرتها الأمر. التهديد المستمر أصابها بالانهيار الكامل. تقول: “كلما وجدني أبكي وأنهار أكثر كان يهددني أكثر. حظرته من الفيسبوك لكني لن أنسى الفترة التي أصبحت حياتي فيها على المحك”.

الخوف من الوصم المجتمعي

الناشطة النسوية، إلهام عيداروس تعلق قائلة: “للأسف هناك عدد كبير من الفتيات يرفضن التبليغ بعد التعرض للابتزاز الإلكتروني. طبعًا خوهن نابع من الوصم المجتمعي أو أن يعلم أحد من أسرتها. لذلك تلجأ الفتاة أو السيدة لمواجهة المبتز بأي طريقة غير الطريقة الرسمية. معظم النساء في مصر يقررن اللجوء إلى القانون بعدما تتأكد أن أمرها سيعرفه الناس في النهاية”.

كذلك تضيف أن هذا يعبر عن فشل المنظومة سواء في التبليغ عن العنف سواء تحرش أو اغتصاب أو تبليغ عن الابتزاز. “نحن نرى بيانات الناجيات تتسرب للصحف من ناحية، ويزداد الخوف من الفضيحة الاجتماعية. ومن ناحية أخرى ربما في نهاية العملية القانونية يتم محاسبة الجاني. معاقبة مرتكبي الجرائم الإلكترونية أصبحت أكثر فاعلية عن ما مضى. هناك حالات كثيرة عوقب فيها المبتز. لكن على ما يحدث تلك العقوبة لا توجد أدوات تدخل تحمي المبلغات من الوصم الاجتماعي أو من انتقام المبتز”.

وبحسب عيداروس الأمر يجعل الكثير من الفتيات تخشى التبليغ. كما تلفت إلى أن مباحث الإنترنت تطلب من النساء الاطلاع على تليفونها ومراسلتها جميعها ما يشعرها بالانكشاف. وبالتالي ترى أن أي شيء آخر يخصها يمكن أن يسبب لها مشكلة، وبالتالي تخشى أن تتحول إلى متهمة.

طفرة جديدة في القوانين

بينما ترى الباحثة في شؤون المرأة وعضو مؤسسة المرأة الجديدة لمياء لطفي أن العنف الإلكتروني هو جريمة مستحدثة نتيجة انتشار الإنترنت. كما تقول إن مشكلته الأساسية هي قدرة البعض على إنشاء حسابات وهمية لابتزاز والتشهير بالبنات. “للأسف الأهل يسمحوا بإنشاء صفحات على مواقع التواصل للأطفال ما يعرض جزء كبير منهما للخطر.

كذلك تابعت أن الجريمة السائدة استخدام صور الفتيات كوسيلة للضغط والابتزاز عليهن، وهناك بعض الجرائم من علاقات عاطفية سابقة. ويتم فيها تهديد الفتاة بعد ذلك بالصور أو بوضع رقمها في مواقع مشبوهة.

تشير لطفي إلى أن قوانين مكافح الجرائم الإلكترونية تشهد طفرة كبيرة، وأغلب من خاض تجربة تقديم شكاوى تم التعامل معها بجدية. بجانب حفظ السرية وتحريك الدعوى مع التتبع حتى القبض على الجاني. لكن هناك مشكلة في ثقافة التبليغ نفسها سواء نزول الفتيات والتبليغ والتعامل مع أقسام الشرطة، كل هذه الخطوات تُسبب عبئًا نفسيًا للأسرة. “دا يعلمه الجاني جيدًا وبالتالي بيتم الاعتماد من قبل المبتز باللعب على هذا الوتر”.

طرق التبليغ

ومن ناحيته يوضح المحامي غلاب محمد، أن أول الإجراءات التي يجب اتباعها حال التعرض للعنف الإلكتروني تقديم بلاغ رسمي لمباحث الإنترنت. والاحتفاظ بجميع رسائل التهديد التي تحتوي على صور الابتزاز، ويٌفضل إلا تتأخر الضحية في تقديم الشكاوى مدة لا تزيد عن 3 أشهر.

كما يؤكد أن هذا النوع من الجرائم يتسم بالذكاء والتعددية. كما أن المتهمين لديهم قدرة كبيرة على استخدام التكنولوجيا وتسخير أدواتها في ارتكاب جرائمهم. كذلك دفع الأمر المشرع المصري للانتباه والتدخل لمواجهة هذه الظواهر الإجرامية.