لا تزال السفينة البنمية العملاقة الجانحة بقناة السويس منذ 3 أيام تثير اهتمام العالم وقلقه، لما لها من آثار على حركة التجارة العالمية، وسط تقديرات متفاوتة عن المدة التي تحتاجها فرق الإنقاذ “المحلية والدولية” لتعويم السفية، ومن ثم استنئاف الحركة من جديد.
حتى الساعات الأولى من صباح اليوم، كانت الأمور تسير بهدوء شديد على مستوى التصريحات والتداعيات: كانت الأخبار تشير إلى احتجاز عملاق بنمي ضخم في أحد أهم الممرات المائية في العالم، لكن مع بداية الصباح ودخول العملاق يومه الثالث، تغيرت القرارات، وزدات حدة ردود الأفعال، ومعها بدأ الحديث عن مدد كبيرة لإزاحة هذا العملاق من المياه المائية.
بدأ اليوم بإعلان رئيس هيئة قناة السويس، الفريق أسامة ربيع، تعليق حركة الملاحة بالقناة مؤقتاً، لحين الانتهاء من أعمال تعويم سفينة الحاويات البنمية العملاقة EVER GIVEN الجانحة بالكيلو متر 151 ترقيم قناة، والتي جنحت صباح الثلاثاء الماضي بسبب انعدام الرؤية الناجمة عن الأحوال الجوية.
نتج عن هذا الجنوح تجمع عشرات السفن عند طرفي القناة، ومنها حاويات كبيرة أخرى وناقلات نفط وغاز وسفن نقل حبوب، مما خلق واحدة من أسوأ وقائع اختناق حركة الشحن في سنوات، كما أثر ذلك على نسب الدخل اليومي لهيئة قناة السويس.
وما إن تعطلت السفية حتى صعدت أسعار النفط العالمية بنسبة 2.45% خلال تعاملات اليوم الأربعاء، بحسب وكالة بلومبرج.
تحقيق بنمي
فتحت السلطات البنمية تحقيقا في جنوح سفينة الحاويات العملاقة إيفر جرين، التي تحمل العلم البنمي والمملوكة لإيفر جرين التايوانية في قناة السويس ما تسبب في سد الممر المائي المصري، وتعطيل حركة عشرات السفن.
“سنعين محققاً سيعمل على إعداد تقرير للوقوف على ملابسات جنوح السفينة في قناة السويس” هكذا قال رئيس الإدارة العامة للنقل البحري التجاري بسلطة النقل البحري في بنما رافائيل ثيجارويستا. مضيفا في تصريحات لوكالة الأنباء الإسبانية “إفي”: “ننسق مع السلطات المحلية وسفارة وقنصلية بنما اللتين تتواصلان بشكل دائم مع السلطات المصرية”، معلنا عن جمع “معلومات كافية” لإصدار تقرير مبدئي خلال الأيام الـ15 أو الـ30 المقبلة.
وأوضح رافائيل ملابسات جنوح السفينة مبينا أنه عندما تفقد قدرتها على المناورة تسقط باتجاه أحد جوانبها، وتلامس قاع القناة، وعندما تلامسه، ربما يتسبب التيار أو الريح في إعاقة حركة الممر المائي.
ويؤكد رافائيل أن قبطان السفينة “كان مسئولا بالتأكيد عن الملاحة”، لكن في قناة السويس “هناك مرشدون ينصحون القبطان أثناء العبور في هذه المنطقة، وكان هناك مرشدان في هذه اللحظة”.
اعتذار ياباني
من جانبها، اعتذرت شركة شوي كيسن اليابانية التي تملك سفينة الحاويات. وقالت في بيان إنها تعمل على حل الموقف، مضيفة أن جنوح السفينة لم يسفر عن إصابات أو تسرب نفطي، وفقا لوكالة رويترز.
يمر نحو 30 % من حاويات الشحن في العالم يوميا عبر قناة السويس البالغ طولها 193 كيلومترا، ونحو 12 % من إجمالي التجارة العالمية لجميع السلع، وهو الأمر الذي قد يتسبب في خسائر عالمية.
هنا يوضح المهندس وائل قدور، الخبير في النقل البحري وعضو مجلس إدارة قناة السويس السابق، أن الحادثة وقعت في القطاع الجنوبي من قناة السويس وهذا القطاع عبارة عن قناة واحدة لا يوجد لها تفريعات وطبيعة الأرض بها صخرية، وحين وقعت الحادثة أغلق ذلك القطاع ومن كان مسموح له بالدخول من البحر الأبيض دخل بالفعل واضطر الانتظار في البحيرات.
يراقب العالم الآن مدى نجاح الجهود المصرية في تعويم المصرية، إذ تقوم الحفارات على الأرض بإزالة الرمال من المكان الذي علقت به السفينة على جانب ضفة القناة.
يحذر الخبراء تحدثت إليهم هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” من أن عملية تحريك السفينة، والتي قد تشمل إزالة كميات كبيرة من الرمل حول المناطق التي جنحت إليها السفينة، قد تستغرق أياماً، وهو ما يعني زيادة فترة انسداد المجري الملاحي.
وأصدرت شركة وكالة الخليج مصر المحدودة للملاحة (جي.إيه.سي) مذكرة لعملائها قالت فيها إن جهود تعويم السفينة باستخدام زوارق قطر مستمرة، لكن ظروف الرياح وحجم السفينة الكبير “يعرقلان العملية”.
وتظهر برمجيات تتبع السفن خمسة زوارق قطر تحيط بالسفينة وثلاثة أخرى تتجه نحوها. لكن نظام تحديد المواقع (جي.بي.إس) الخاص بالسفينة يظهر أنه لم يطرأ سوى تغيرات طفيفة على وضع إيفر جيفن في الـ24 ساعة الماضية.
خسائر يومية في قناة السويس
أوضح الفريق أسامة ربيع أن حركة الملاحة بالقناة شهدت أمس الأربعاء، عبور 13 سفينة من بورسعيد ضمن قافلة الشمال كان من المستهدف إكمال مسيرتها في القناة وفقاً للتوقعات الخاصة بانتهاء إجراءات تعويم السفينة الجانحة، إلا أنه مع تواصل أعمال تعويم السفينة كان لابد من التحرك وفق السيناريو البديل بالانتظار بمنطقة البحيرات الكبرى لحين استئناف حركة الملاحة بشكل كامل بعد تعويم السفينة.
يوضح الخبير في النقل البحري، وائل قدور، أن الخسائر التي ستلحق بالقناة هي الرسوم التي كانت من المفترض أن تتقاضاها حال عبور تلك السفن والحاويات.
وبلغ متوسط قيمة إيرادات قناة السويس في اليوم 254.7 مليون جنيه خلال العام المالي 2019/ 2020، والحمولة الصافية للسفن العابرة للقناة 3.4 مليون طن، كما وصل عدد السفن العابرة لها 54 سفينة خلال اليوم الواحد.
من يدفع تعويضات الأضرار؟
يشير قدور إلى أن مصر من المفترض أن تتحصل على كافة تكاليف تعويم السفينة والتي نتج عن الحادث من شركات التأمين المؤمن لديها السفينة.
لم تلحق الخسائر فقط بالقناة ولكنها ستلحق بالسفن الراكدة والتي تعطلت عن السير، ولكن هذا الأمر يتعلق بشركات التأمين التابعة لها.
الالتزام هنا يرجح على السفينة الجانحة، وسيكون نادي الحماية والتعويض الإنجليزي مسؤولاً عن دفع التعويضات كافة المتوقع زيادتها عن مئات الملايين من الدولارات لعظم الكارثة، وفقا لنائب رئيس مجلس إدارة والعضو المنتدب لشركة أليانز للتأمين مصر، محمد مهران.
وتوقع نائب رئيس أليانز مصر، أن تطلب الشركات المالكة للسفن المعطلة تعويضات من السفينة البنمية المعطلة ونادي الحماية للتأمين المؤمن على الشركة، وبالمثل ستطالب هيئة قناة السويس.
خسائر الاقتصاد العالمي
أما عن خسائر الاقتصاد العالمي من النقل البحري، يقول قدور، إن حجم التجارة العالمية عبارة عن 18 ونصف تريليون دولار، والذي يعبر القناة حوالي 10% منها قيمة البضائع، أي أنه بتعبر حوالي 1.8 تريليون دولار في السنة.
القبطان محمد فوزي، رئيس مراقبة الملاحة بهيئة قناة السويس سابقا، يوضح أن السفينة إيفرجرين، هي من أكبر الحاويات في العالم، وتعديل جنحها يحتاج إلى الوقت لتعويمها، مشيرا إلى أن هيئة قناة السويس مشكلة فريق إنقاذ يعمل بكفاءة ستخدام 8 قاطرات و2 كراكة العاشر من رمضان والأخرى مشور، لفتح ممر من مقدمة السفينة والمؤخرة.
بينما يقدر الخبراء استمرار الأزمة أيام وربما أسابيع، لا يتوقع فوزي أن تستمر هذه الأزمة أكثر من 24 ساعة، مشيرا إلى أن تعطيل القناة يكلفها الكثير من الخسائر حيث يقدر دخل القناة لخزينة الدولة بحوالي 16 مليون دولار في اليوم، وذلك طبقا لأعداد السفن وحمولاتها العابرة في اليوم.
يردف فوزي أن تعطيل حركة الملاحة بقناة السويس نظرا لإغلاق السفينة للقطاعين الشمالي والجنوبي، قد يؤثر بالسلب على باقي السفن والموانئ والمستهلكين، ولكن يظل ذلك خارج اختصاص هيئة القناة.
ويستغرق الطريق البديل -رأس الرجاء الصالح- أسبوعين إضافيين مقارنة بالوقت الذي تستغرقه رحلة السفن عبر قناة السويس. إذ يمر حوالي 12 في المئة من حجم التجارة العالمية عبر قناة السويس، التي تربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر وتوفر أقصر طريق بحري بين آسيا وأوروبا.
ربان السفينة المسؤول الأول عن عبور القناة
“كل سفينة عابرة للقناة بتعبر بكامل إرادتها وتحت قيادة ربان السفينة”، يقول القبطان محمد فوزي تعليقا على التحقيق الذي ستفتحه السلطات البنمية، مشيرا إلى أن دور المرشد هو فقط استرشادي ولا تقع عليه مسؤولية، فكل من يعبر على علم بلائحة الهيئة التي تقر بأن العبور من مسؤولية ربان السفينة والمرشد دوره إرشادي فقط، والهيئة لا تجبر أحدا على المرور.