“أنا قلبي واجعني”.. كثيرًا ما نسمع هذه الكلمة من أصدقاءنا بعد أو أثناء حالة حزن تعتريهم، فقد حبيب، وداع اُجبروا عليه، سفر أبعدهم عن أهلهم، فشل في علاقة عاطفية، وحدة ثقيلة.. وكثيرًا ما يضع قائل هذه الكلمة يده على صدره وهو يقولها، كأنه بالفعل يشعر بثقل أو ضغط عظيم لا يحتمله فؤاده، حسنا يبدو أن هذا الإحساس ليس نابعًا من الشعور بالحزن أو الصدمة فقط ولكنه فعليًا وعضويًا هناك تلف حدث لقلبه وهو ما يسمى علميًا بـ”اعتلال عضلة القلب الإجهادي”، أو “اعتلال تاكوتسيبو لعضلة القلب”.

( 1 )

يفسر موقع مستشفى مايوكلينيك للصحة النفسية متلازمة القلوب المنكسرة بأنها: “قد يشعر المصابون بمتلازمة القلب المنكسر بألم مفاجئ في الصدر أو أنهم على وشك الإصابة بنوبة قلبية. حيث تُؤثِّر على جزء فقط من عضلة القلب؛ ما يُعَطِّل وظيفة الضخ الطبيعية للقلب بشكل مُؤَقَّت. بقية عضلة القلب لا تزال تعمل بشكل طبيعي أو قد يكون هناك تقلُّصات أكثر قوة.”

(2)

“أصاب مصرع زهيرة المعلم عزيز بطعنة وحشية لا دواء لها، تراءى في الجنازة والمأتم كشبح فقد النعمة والأمل، ونُبذ تمامًا من جسد الحياة، تضاعف ألمه بقدر ما تماسك أمام الناس، تبدت له الدنيا عجوزًا ماكرة قاسية لا حد لمكرها ولا لقسوتها، فاضمر نحو كافة وعودها الرفض والمقت.. وانزلقت فوق قلبه كلمات العزاء فلم تترك أثرًا”.

نجيب محفوظ – الحرافيش.

(3)
ما الذي يتلف حقًا؟ هل جزء معين من القلب أم بعض الأنسجة؟ وكيف يحدث هذا؟ حسنًا.. يقول أطباء موقع مايوكلينيك: “السبب الدقيق لمتلازمة القلب المنكسر غير واضح. يُعتقد أن زيادة هرمونات الإجهاد، مثل الأدرينالين، قد تلحق ضررًا مؤقتًا بالقلب لدى بعض الأشخاص. من غير الواضح بشكل كامل كيفية إضرار هذه الهرمونات بالقلب وما إذا كانت هناك عوامل أخرى مسؤولة”.

ويُشتبه في أن حدوث تضيّق مؤقت في شرايين القلب الكبيرة أو الصغيرة قد يلعب دورًا في الأمر. وقد يكون لدى الأشخاص الذين يصابون بمتلازمة القلب المنكسر أيضًا عضلة قلبية ذات بنية مختلفة، وتحدث متلازمة القلب المنكسر عادةً بعد التعرض لتجربة جسدية أو عاطفية قاسية. بعض المسببات المحتملة لمتلازمة القلب المنكسر مثل: وفاة شخص عزيز أو تشخيص طبي مخيف والاضطهاد الأسري، ربما خسارة أو حتى ربح الكثير من المال والانخراط في خلافات كلامية حادة، بل والاحتفالات المفاجئة قد تُحدث ذلك التلف – احذروا حفلات عيد الميلاد المفاجأة لأصدقائكم فرحين بالاسربرايز الذي تعدون له، وطبعًا التحدث أمام جمهور – من منا لم ينخلع قلبه وهو على مسرح المدرسة أو الجامعة أو حتى في القاء حكمة اليوم بالإذاعة المدرسية؟، فقدان الوظيفة أو الصعوبات المالية، والطلاق، وعوامل الإجهاد الجسدي، مثل نوبات الربو أو عدوى “كورونا” أو كسر العظام أو الجراحات الكبرى”.

(4)

“ونهض قائمًا وقد اشتد شحوب وجهه ولاحت في عينيه نظرة حزن عميق ويأس سحيق، وراح يتساءل: ولكن ما بال الألم لا يرحم كبيرا؟ لماذا لا يعرف هذا الألم القتال قدره فيتوارى، كيف تلسع الغيرة قلبه بمثل شوكة العقرب، وإلام يئن ويتوجع؟ واستولى عليه الغضب وتقيحت نفسه بالسخط والحنق، وثار بركانه في عنف ودويَ، ولكن الكراهية لم تجد سبيلًا إلى نفسه، ثم خمدت ثورته بسرعة عجيبة تدعو للدهشة حقًا، فولت أحاسيس الغضب والسخط والعجرفة، مخلفة وراءها حزنًا عميقًا لا يتزحزح ويأسًا خانقًا لا يريم وخيبة متغلغلة لا تؤذن برحيل، وحين عاودته ذكريات الأمس السعيدة –لم يتحسر ولم يأسف- ولكنه شعر بهوان وخجل”.

“نجيب محفوظ- خان الخليلي

(5)

من هم الأكثر عرضة لمتلازمة انكسار القلب؟ – لنُخمن معا: الرجال أم النساء؟ لنرى ذلك في التالي- تقول الدراسات: “يبدو أن معظم الأشخاص المصابين بمتلازمة القلب المنكسر تزيد أعمارهم عن 50 عامًا. والذين لديهم تاريخ مرضي من الإصابة بحالة عصبية، فيصبح الأشخاص المصابون بالاضطرابات العصبية -مثل إصابة الرأس أو اضطراب النوبات (الصرع)- هم أكثر عرضة لخطر الإصابة بمتلازمة القلب المنكسر. أو إذا كنت تعاني من اضطرابات، مثل القلق أو الاكتئاب، فمن المحتمل أن تصبح أكثر عرضة لخطر الإصابة. كما أن النساء – إذن فهن النساء كما توقعت – أكثر عرضة من الرجال لتجربة متلازمة القلب المنكسر -لزيادة هرمونات التوتر لديهن- والذي يمكن أن يكون ناجمًا عن حدث مرهق عاطفيًا – وهو ما نعاني منه جميعا بخلاف الرجال، فقد بلغت 89.8% من الحالات حدثت في النساء اللائي تتراوح أعمارهن بين 58 و75 عامًا”.

(6)

“قالت: في الأسابيع الأخيرة فكرت حقًا أني سأموت، لا أقول ذلك لأخيفك، هذه حقيقة، هكذا كنت وحيدة وحزينة، والموت ليس بهذه الصعوبة، إنه مثل هواء يمتص ببطء خارج حجرة، كانت الرغبة في العيش تنساب مني، حين ينتابك هذا الشعور لا يصبح الأمر جللًا”.

هاروكي موراكامي- جنوب الحدود غرب الشمس.

(7)

كيف تختلف متلازمة القلب المنكسر عن النوبة القلبية؟ بمعنى كيف نُميز بينهم؟ يقول أطباء موقع مايوكلينيك: ” عادة ما تكون النوبات القلبية بسبب انسداد كلي أو شبه كلي لشريان بالقلب. ويرجع هذا الانسداد إلى تجلط دموي يتشكل في موقع تضييق ناتج من تراكم الدهون (تصلب الشرايين) في جدار الشريان، أما في متلازمة القلب المنكسر، لا تُسد شرايين القلب، على الرغم من احتمالية خفض تدفق الدم في شرايين القلب”. إذن كيف يحدث ذلك؟ وفقًا لجاي وودي، طبيب الطوارئ والمسؤول الطبي الرئيسي في Intuitive Health، غالبًا ما تحدث النوبات القلبية بسبب الانسداد الناجم عن تراكم الدهون المعروف باسم اللويحات في جدار الشرايين، والذي يمكن أن يؤدي إلى جلطة في الأوعية الدموية التي تعيق تدفق الدم إلى عضلة القلب.

وفي الوقت نفسه، يحدث اعتلال عضلة القلب نتيجة استجابة عاطفية أو جسدية شديدة تؤثر على عضلة القلب بشكل مباشر، وبالتالي يمكن أن تحدث متلازمة القلب المكسور حتى لو كنت بصحة جيدة، وفقًا لجمعية القلب الأمريكية.

(8)

“تواصل إحساسي بالألم أثناء جولتي بين أروقة المتحف، وتصاعد في الساعات القليلة التالية، حتى بلغ ذروته حينما عدت إلى الفندق وارتميت على السرير ورحت أحدق في السقف، وأنا شبه عاجز عن الحركة وقد أخذتني غشية من شدة الوجع. وفي مثل هذه الأوقات، كانت قدرتي على التفكير المنطقي تتلاشى، ومن ثم تدهمني هذه “الغشية”. ولا تحضرني كلمة أخرى أنسب لوصف هذه الحالة، وهي حالة من الخدر العاجز التي يغيب فيها الإدراك ويحل محله ذلك الألم الخالص المحسوس”.

وليام ستايرون- ظلام مرئي

(9)

ما هي الأعراض؟ يقول دكتور وودي: “المرضى الذين يعانون من متلازمة القلب المكسور قد يعانون من ألم في الصدر وضيق في التنفس وانخفاض ضغط الدم بعد وقت قصير جدًا من حدث مرهق للغاية”. كذلك وفقًا لجمعية القلب الأمريكية، تشمل الأعراض والعلامات الأخرى لاعتلال عضلة القلب مثل: عدم انتظام ضربات القلب، صدمة قلبية، والتعرق والدوخة.. وتقول جينيفر هايث، طبيبة أمراض القلب في مركز جامعة كولومبيا: “يصفه البعض بأنه شعور مثل فيل يجلس على صدرهم. التعرق وآلام الفك وآلام الذراع اليسرى والغثيان والقيء والدوار وخفقان القلب وعدم الراحة في منتصف المعدة كلها أعراض محتملة أيضًا”.

يبدو أيضا أن أزمة وبا كورونا قد أدت إلى زيادة معدلات الأصابة بانكسار القلب حيث زيادة معدلات القلق والخوف وفقد الكثير من الأصدقاء أو احد الوالدين أو الأقرباء وتغير الطقوس اليومية بالانعزال والوحدة، دراسة أجريت عام 2020 ارتفاعا طفيفا لدى المرضى الذين تم تشخيص إصابتهم باعتلال عضلة القلب منذ تفشي فيروس كورونا، ووصل إلى 7.8% مقارنة بـ1.7% قبل جائحة “كوفيد-19”. بالإضافة إلى ذلك، وجد أن المرضى الذين يعانون من هذه الحالة أثناء الوباء يقضون فترة أطول في المستشفى من أولئك الذين تم إدخالهم إليه قبل انتشار الوباء.

(10)

“وحزنت عزيزة حزنا مُهلكا، لم يجر لها في خاطر أنها ستدفن وحيدها النبيل وأنها ستبقى بعده يومًا واحدًا تتنفس، عاودها الحزن كأشد مما كان على قرة وكأنها مخلوق مهيب لا يتجلى جلاله إلا في رحاب الحزن الكبير، عزيزة الجميلة النبيلة التي قطعت حياة معاندة تبذر الصبر وتحصد الألم”.

نجيب محفوظ- الحرافيش