في صورة بيتم تأكيدها دايما إن الراجل كلمة، وفيه رجالة تتربط من كلمتها، ماشي بس الحقيقة إن الكلمة مش شرف للراجل بس هي شرف الست فى الأساس، الرجالة فى بلادنا الشرقية لا بيهزها كلمة ولا حكاية، في بلادنا اللي بيتأذي الست وبس، كلمة أو إشاعة كفيلة بتشويه سمعة بني آدم، المجتمعات العربية بشكل عام مجتمعات شفاهية، إحنا ممكن نفهم دا لأنها بعضها مجتمعات ترتحل من مكان لمكان، وعلشان كدا الإبداع اللي انتجوه كان الشعر بشكل عام، لأن الشعر يمكن حفظه وإلقائه، لكن اللى مش مفهوم بالنسبة لي إن الثقافة المصرية لآلاف السنين هي ثقافة تدوين وكتابة، والكتابة بتحتاج الوقت، والهدوء، امتي المجتمع تحول لمجتمع شفاهي؟
احنا بنسمع الكلام ونردده بوصفه حقائق، وكل واحد يضفي بصمته الخاصة، دا أنا سمعت بودني اللى هياكلها الدود، شفت بعيني، كنت واقف هناك، وكلام كتير لزوم التوثيق وصبغ الكلام بالحقيقة.
الست فى مجتمعنا لو حد أتكلم عنها كلمة أي كلمة من أي نوع، بقت حقيقة وسمعتها ضاعت، وأكتر نوع من الكلام يجتذب الأذن وينتبه له السامعين هو الكلام الخاص بالعلاقات الشخصية، الراجل دا يعرف جارته، الست دي جالها راجل وجوزها مش موجود، الحاجات دي مثيرة وبتضمن انتباه اللى بيسمع واهي حاجات تُشبع بعض المرضي من اللى حاسين بدونيه وإهمال من اللى حواليهم، فيحاولوا يصنعوا مساحة اهمية غير حقيقية.
الكلام لو اتقال عن راجل مش مشكلة، بيتنسي، لكن الكلام عن الستات بيمسك فيها، وتضيع سمعتها فى لحظة، خاصة مع مجتمع عنده وقت فراغ كبير رغم الطاحونة اللى عايشين فيها، لكن بيلاقوا وقت علشان يسمعوا اشاعات وينقلوها.
طيب أقولكم حكاية حقيقية ويمكن كمان متكررة
إيمان البنت الحلوة، خلصت دبلوم الصنايع وجالها نصيبها، رجل موظف كويس، ومن عيلة كويسة، وأهلها بسرعة جوزوها، وقالوا جواز البنات سُترة.
اتجوزت وبسرعة خلفت الولد والتاني، وقبل ما تدخل عامها التلاتين كان جوزها اتوفي، إيمان حلوة، فى بلد الحلاوة فيها جريمة، والست لما تكون حلوة يتكاتر عليها الطامعين، اللى عايزين ياخدوا نصيبهم من جمالها.
اشتغلت ايمان علشان تصرف على عيالها، وأخدت عهد على نفسها تحوش معاش أولادها ينفعهم لما يكبروا.
لغاية هنا القصة عادية ومتكررة، كل واحد فينا يعرف على الأقل خمس ستات فى نفس ظروف إيمان، بل أحيانا فيه ستات ظروفها أصعب كتير، وبتقاوم وتكافح.
فين المشكلة؟
اللى شاف فيلم قط وفار للمخرج الجميل تامر محسن وبطولة محمود حميدة ومحمد فرج وسوسن بدر، يفتكر معايا كدا محمد فرج اللى كان بيوصف مشكلته إن أمه حلوة.
أيوة فعلًا الست الحلوة لما تبقي فقيرة وملهاش ضهر فى بلدنا تبقي مشكلة، تبقي كارثة كمان، وإيمان كانت حلوة، وحلوة بزيادة قوي على فقرها واحتياجها.
عم العيال عنده زوجة غيورة، عادي طيب الزوجة دي تعمل أيه قدام جمال إيمان، تصنع الخطط، والأسافين لغاية ما يقسي قلب العم على أولاد أخوه اللى مات، وشوية بشوية جدتهم كمان اخدت نصيبها من القسوة تجاه العيال.
ايمان رماها القدر فى طريق راجل، احواله متيسرة، طبعًا الباشا مش عايز يتجوز، هو عايز ياخد نصيبه كدا من غير جواز ولا أي حاجة.
إيمان جنب مشاكلها إنها حلوة، كانت عندها مشكلة اللى المفروض انها مش مشكلة، هي ست، أيوة ست بتحس بالضعف والاحتياج، كل طموحاتها راجل يسندها، هي أتربت على كدا، الراجل هو السند والعزوة، وأى كلام تاني مش بتصدقه.
النخبة بتفشل فى جمع العامة حواليها لأنها بتعاملهم وفق نظريات جامدة من غير الرجوع للبيئة والظروف المحيطة وثقافتهم، واللى بينجح من النخبة هو اللي بيضع الظروف والبيئة فى حسبانه.
المهم الست إيمان شايفة نفسها صغيرة، ودا صحيح جدا واحدة فى منتصف التلاتينات، أرملة من كام سنة، عندها عيلين أصغرهم فى اعدادي، يعني يومين تلاتة وشنبهم هيخط دا إذا ما كانش طلع أصلًا وبيحلقوه.
الراجل الميسور دخل لها من احتياجاتها، فهمها إنه هيقف جبنها، هيساعدها تلاقي شغل أحسن بشهادتها، وهي طبعًا صدقت، ما فكرتش إن خريجي الجامعات مش لاقيين شغل، يعني واحدة دبلوم صنايع مش هتلاقي وظيفة على مكتب والكلام دا، دي يعني لو حظها حلو هتروح عاملة فى مصنع، بس يجي المصنع.
واضح إن خبراتها محدودة أو احتياجها أكبر من كونها تقف وتفكر، الست إيمان فكرت تربطه بها، وتخليه يفكر يتجوزها، فتفتق ذهنها عن إنها تخليه يغير عليها، وبدأت تحكي عن رجالة بيعاكسوها، ورجالة بتقرب منها، وسواء الموضوع بجد أو مش حقيقي وكله حكايات أي كلام، إلا إن البيه الميسور بقي بدأ يساوم لا غار ولا يحزنون، هو أصلًا شايفها رخيصة، أرملة وفقيرة، وملهاش حد يعني محدش هيقف ويتخانق علشانها فليه أصلًا يتجوز ويوجع دماغه، وهو أصلًا متجوز فقرر في نفسه أنه ياخد نصيبه ببلاش ويشوف دنيته بعد كدا.
كلامها ما عداش عليه، ولا فرق معاه أصلًا، بس كراجل أصيل راح سرب كلامها عن الرجالة اللي بيعاكسوها لأخو جوزها، وطبعًا الراجل عم الأولاد ثار ثورة عارمة بلاش كلمة ثورة دي علشان بتقلب علينا المواجع ، خلينا نقول غضب، يمكن فكر إنه أولي من غيره، ويمكن فكر فى سمعة أولاد أخوه المتوفي وإنهم رجالة، وهم عايشين فى منطقة شعبية، الكلام فيها بيلف ويرجع فى دقايق.
مرات عم العيال شافته عصبي، ففضلت وراه لغاية ما حكي لها، وهي طبعًا لقتها فرصة عظيمة للانتقام من غريمتها، وتولت نشر الكلام اللى بدأ بان رجالة بتعاكسها ووصل لأبعد مدي.
إيمان الأرملة الحلوة سيرتها بقت على كل لسان، وبأقصي سرعة وبدل ما تبقي الست الشقيانة على عيالها ودا الحقيقي والواقع بقت ست سيئة السمعة، وعيالها اتخانقوا معاها، والكبير كان عايز يضربها، ما هي مش ست شريفة دلوقتي.
الأسف والحزن كبير لأن الست خاصة لو فقيرة ما تقدرش تحلم بأصغر حلم ممكن تحلم به واحدة تانية، ولما تكون حلوة تبقي مصدر عار لعيلتها، ولازم يجروا يجوزوها بسرعة، لو أطلقت أو اترملت، وايمان اللى رفضت تتجوز بعد موت جوزها دفعت التمن إن أهلها قاطعوها، وكأنهم بيعاقبوها علشان عايزة تربي عيالها.
الستات بقي اللى فاكرة إنها لما تُثير غيرة راجل هي بتكسبه هي غلطانة جدًا، هي بتحط بذور شك هتكبر وتزهر وهتطلع شوك هي اللي هتتلسع منه.
الستات اللى بتخترع قصص وهمية عن رجالة، والنبي خدوا بالكم مش بلدنا اللى نعمل فيها كدا، قبل ما تقولي كلمة عن نفسك اعرفي كويس الكلام هيلف ويروح فين، الكلام دا انعكاسه ايه على سمعتك.
مش هنتناقش بقي فى حقوق الستات والقهر اللى بيتعرضوا ليه، كل الحاجات دي مهمة ولازم نناقشها، بس علشان الواقع يتغير محتاحين سنين واجيال بتفكر بطريقة مختلفة، ولغاية دا ما يحصل كل ست عليها إنها تاخد بالها قبل ما تقرر تقول إشاعات عن نفسها.