حالة من الارتباك أصابت المسؤولين في الحكومة بشكل عام، وقطاع النقل بخاص، على خلفية حادث تصادم قطاري سوهاج الذي نتج عنه وفاة 32 مواطنا وإصابة نحو 100 آخرين، فيما أحيلت القضية وكذلك التصريحات إلى سلطة النيابة العامة التي أهابت بجميع الجهات عدم الإدلاء بتصريحات رسمية عن أسباب وقوع هذا الحادث.

حالة الارتباك لم تصب المسؤولين فقط، بل انتقلت إلى أعضاء مجلس النواب، ووصلت بالتبعية إلى المتخصصين في هذا الشأن، بشكل غير مألوف على طبيعة هذا الملف الذي اشتهر بسخونته في مثل هذه المواقف.

اقرأ أيضا:

ناجون من قطار سوهاج: الاصطدام كان مثل الانفجار.. والأشلاء غطت المقاعد

ابحث عن بلف الخطر

لم تتريث وزارة النقل والمواصلات لإجراء تحقيق شامل والإعلان عن نتائجه بكل شفافية، لكن باغتت الجميع بإصدارها بيانا يحمل مجهولين مسئولية الحادث.

وجاء بيان وزارة النقل أن أثناء مسير قطار ١٥٧ مميز الاقصر الغسكندرية ما بين محطتي المراغة وطهطا تم فتح بلف الخطر لبعض العربات بمعرفة مجهولين، وعليه توقف القطار، وفي هذه الاثناء وفي تمام الساعة اصطدم قطار ٢٠١١بموخرة اخر عربة بقطار ١٥٧  مما ادى الى انقلاب عدد ٢ عربة من مؤخرة قطار ١٥٧ المتوقف على السكة وانقلاب جرار قطار ٢٠١١.

تلقف البعض بيان الوزارة بأنه محاولة للتنصل من الأزمة، والتفاف مسئولي هيئة السكة الحديد على الحقيقة، وعدم شرح الأمر، فضلا عن كون اتهام آخرين بالمسؤولية يبعد عن الوزارة المسؤولية كاملة.

وفي محاولة لفهم إشارة بيان وزارة النقل بأن “البلف” هو السبب وراء الحادث، قال أحد مسئولي هيئة السكك الحديدية، إن بلف الخطر المشار إليه في بيان الوزارة هو المتواجد في كل عربة من عربات السكة الحديد، وهو عبارة عن علبة صغيرة تشبه علبة الكهرباء المنزلية، ومغلف بالزجاج، وتضم بداخلها شدادة، ويتم استخدامها عند استشعار الراكب بالخطر يتوجه إلى بلف الخطر، وتحطيم الزجاج وعند سحب الشدادة بقوة يتوقف القطار.

المصدر شرح أن بلف الخطر يتحكم في السيطرة على سرعة القطار، ويعمل على توقف القطار بشكل سريع.

هذه من المرات النادرة التي يُتهم فيها مجهولون عن حادث قطار، أو نسمع عن تورط “بلف الخطر” في الحوادث، فعادة ما تسند الاتهامات إلى أشخاص معروفين مثل السائق أو عامل التحويلة أو المشرفين، فضلا عن وجود اتهام جاهز للسكك الحديد المتهالكة وقدم المنظومة، وحاجتنا طوال الوقت إلى تطوير المعدات والجرارات والعربات، وهو ما بدأنا في تطويره خلال السنوات الماضية في عهد الوزير الحالي اللواء كامل الوزير.

 وبحسب إحصائية أصدرتها هيئة سكك حديد مصر، عام 2017، بلغ عدد حوادث القطارات في مصر 12236 حادثاً بين عامي 2006 و2016.

كان آخر حادث كبير في العام 2019 الذي أسقط 22 قتيلاً وعشرات المصابين، في مشهد مروع. حينما اندلع حريق ضخم في محطة القطارات الرئيسية بميدان رمسيس في قلب العاصمة المصرية. في أعقاب اصطدام قطار بالحاجز الخرساني داخل المحطة. الأمر الذي لُحق بتحقيقات عاجلة واستقالة اضطر إليها وزير النقل السابق، فضلاً عن فرض ضرورة تطوير هذا المرفق الذي يخدم قطاعًا كبيرًا من المصريين.

ووفقًا لتقديرات البنك الدولي في ديسمبر 2018، تحتاج مصر إلى إنفاق ما لا يقل عن 10 مليارات دولار (ما يزيد عن 150 مليار جنيه) على إصلاح السكك الحديدية في الفترة بين 2019 و2029. وكانت من بين التوصيات التي تطرق إليها البنك الدولي، أن النقل بحاجة إلى دعوة القطاع الخاص للمشاركة في عملية التطوير.

وتعهد الرئيس في يناير الماضي بالعمل على رفع كفاءة السكك الحديدية وميكنتها ورفع كفاءة المحطات والمنشآت المدنية والمعدات لإنهاء زمن حوادث القطارات وذلك بانتهاء عام 2021.

القطار 157 مميز.. سوهاج

تقصت صفحة صحيح مصر وراء حوادث القطار 157 مميز (الإسكندرية – الأقصر)، الذي ذكر اسمه في بيان هيئة السكك الحديدية، لنكنشف أنها ليست المرة الأولى التي يتعرض فيها لعطل، ويتسبب في حوادث قطارات، إذ سبق أن عطل سير حركة السكة الحديد في محافظات الصعيد، منها في في 16 أغسطس 2020، اصطدم القطار 157 مميز بتروسيكل، بالقرب من قرية العقبة بمركز دشنا ما تسبب في حدوث عطل بالجرار، وإصابة أمين شرطة يدعى جاد وعمره 40 عاماً، وأصلحت السكة الحديد العطل وعادت الحركة لمسارها.
وتسبب في حادث آخر في 25 ديسمبر 2020، خرج عربتين من القطار 157 مميز عن السكة الحديد، بين محطتي قنا وقوص، ولكن لم يقع إصابات، دفعت “السكة الحديد” بأوناش الهيئة بالمنطقة الجنوبية، لرفع العربات وعودة حركة القطارات إلى طبيعتها.
تعليمات بالصمت

استشعر النائب العام الحرج من بيان وزارة النقل والمواصلات، لذا عمد إلى إصدار بيان يهيب فيه كافة الجهات بعدم إصدار بيانات عن حادث قطار الصعيد إلا بعد إنتهاء التحقيقات وخروج نتائج ووضعها أمام الجميع.

وكان الرئيس عبدالفتاح السيسي وجه بتشكيل لجنة من هيئة الرقابة الإدارية والهيئه الهندسية والكلية الفنية العسكرية وكليه الهندسة، للتحقيق فى حادث قطارى سوهاج، وكشف كافة الملابسات الخاصة بالواقعه والوقوف على الأسباب والمسئوليات.

ليس النائب العام وحده من طالب بالصمت فور وقوع الحادث، إذ خرج محمود الضبع، عضو لجنة النقل بالنواب، مطالبا الجميع بالصمت لحين ظهور نتائج التحقيقات من قبل النائب العام.

وقال الضبع في بيان له: “على الجميع أن ينتظر نتائج التحقيقات، ولا يجوز لأي خبير أن يتحدث عن الحادثة إلا بعد ظهور النتائج لعدم إحداث بلبلة في الرأي العام”.

علاء عابد رئيس لجنة النقل والمواصلات بمجلس النواب، أصدر بيانا “لإثباب الموقف” يؤكد خلاله تشكيل لجنة من المتخصيين وأعضاء مجلس النواب للوقوف على أسباب الحادث.

وقال عابد في بيان له: “اللجنة ستعقد اجتماع عاجل لبحث حادث القطارين مع اتخاذ الاجراءات الرقابية اللازم ، وفى حال ثبوت أن هناك خطأ من العنصر البشرى، عقب انتهاء تحقيقات النيابة العامة فى الواقع، ستطالب اللجنة بتطبيق القانون على المتهاونين فى حال ثبوت ذلك”.

أما البيان الوحيد الذي حمل رائحة الخطورة جاء من خارج اللجنة، وتحديدا من أمين سر لجنة الخطة والموازنة النائب عبد المنعم إمام، رئيس حزب العدل، الذي أعلن تقدمه بطلب لإلقاء بيان عاجل بالبرلمان موجه إلى وزير النقل ورئيس هيئة السكك الحديد.

بدا لافتا أن الخبراء تلقفوا تعليمات النواب بخصوص عدم الحديث بشكل واضح، إذ حاول محرر موقعنا أن يتواصل مع أكثر من متخصص في ملف النقل والطرق والكباري للحديث عن الحادث، لنجد الإجابة بالاعتذار عن التعليق حادث سوهاج، حتى تخرج المعلومات الرسمية أولا.