في كتابه “ما دام في الثورة التونسية نساء…”، يُعرف الكاتب منصف بن مراد التونسية توحيدة بالشيخ. فيقول: “كانت أول طبيبة في العالم العربي. مارست طب الأطفال ثم طب النساء.. وقد عُرفت بنضالها من أجل حقوق المرأة، وباشرت الطب الخاص إذ كانت المستشفيات العمومية مراقبة من قبل سلطة الاحتلال. ثم ساهمت في إرساء سياسة التنظيم العائلي عبر إحداث أول قسم له بمستشفى شارل نيكول سنة 1963”.

ولهذه المكانة، والإسهام الكبير في الحركة النسائية، أعلن محرك البحث “جوجل”، السبت، الاحتفاء بـ”بن الشيخ”، تزامنًا مع ذكرى طرح البنك المركزي التونسي، ابتداءً من 27 مارس العام الماضي، ورقة نقدية جديدة للتداول من فئة 10 دنانير، اختيرت بن الشيخ شخصية رئيسة لها.

الفرصة الباريسية الذهبية.. من هي توحيدة بن الشيخ؟

توحيدة بن الشيخ من مواليد 2 يناير عام 1909، وهي أول فتاة تونسية تحصل على شهادة الثانوية العامة (الباكالوريا) في عام 1928، ونشأت في كنف عائلة ميسورة الحال، في منطقة ريفية، تُسمى رأس الجبل. وهي منطقة تابعة لمحافظة بنزرت شمالي العاصمة تونس.

كانت والدتها من عائلة بن عمار، إحدى العائلات التونسية الثرية والمناضلة. وكان والدها مالكًا عقاريًا أصيل ببلدة رأس الجبل، توفي وتركها صغيرة، فعاشت إلى جانب أخويها تحت رعاية أمهم، التي حرصت على تربيتهم وتلقينهم تعليمًا جيدًا، فاللتحقت توحيدة بمدرسة نهج الباشا. وحصلت على الشهادة الابتدائية سنة 1922. ثم واصلت دراستها الثانوية بمعهد “أرمان فاليار” حتى حصلت بامتياز على شهادة الباكالوريا سنة 1928. وكانت أول فتاة تونسية مسلمة تحصل على مثل هذه الشهادة.

عقب ذلك، انتقلت توحيدة إلى فرنسا لتتابع دراستها الجامعية. ونظرَا لنبوغها في علوم الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا في الثانوية العامة. فقد مكنها هذا من الالتحاق بكلية الطب في باريس.

بعد ثلاث سنوات من السكن بالحي الدولي للطالبات، انتقلت توحيدة لتسكن مع عائلة الدكتور بورني الطبيب والباحث الفرنسي بمعهد باستور بتونس. وكان هذا بمثابة الفرصة الذهبية لها. حيث سمح لها بالتعرف على الأوساط الثقافية والعلمية الفرنسية، ما ساعدها علي توسيع آفاق عقلها.

صاحبة مشروع تحديد النسل.. طبيبة الفقراء في تونس

قررت توحيدة بعد ذلك العودة إلى وطنها الأم تونس حاملة شهادتها في الطب، لتكون أول طبيبة تونسية وعربية تتخصص في قسم النساء والتوليد. وهو القسم الذي شهد جل إسهاماتها، وأثرت عبره بشكل كبير في المجتمع التونسي.

وبحسب مجلة “فوج” في نسختها الإنجليزية، فإن في حياة بن الشيخ العلمية في الداخل التونسي 4 محطات مهمة، شكلت قيمتها العلمية والمجتمعية في بلادها، وتتضمن:

1- إدارتها قسم التوليد والأطفال الرضع في مستشفى شارل نيكول بتونس، من عام 1955 إلى عام 1964.

2- في عام 1963، أنشأت في المستشفى الذي تعمل، قسمًا خاصًا بالتنظيم العائلي أو ما يعرف (تحديد النسل).

3- تولت منصب رئيسة قسم التوليد بمستشفى عزيزة عثمانة بتونس.

4- تم تعيينها في عام 1970 في منصب مديرة الديوان الوطني للتنظيم العائلي.

جوجل يحتفي بالأيقونة التونسية توحيدة بن الشيخ
جوجل يحتفي بالأيقونة التونسية توحيدة بن الشيخ

نضال حكيمة.. وثائقي تونسي عن توحيدة بن الشيخ

خلال هذه المحطات الأربع في حياتها العلمية، كان لتوحيدة دور كبير في نشر الثقافة وتنوير المجتمع التونسي. إذ أسست أول مجلة تونسية نسائية تحمل عنوان “ليلي”. وهي أول مجلة ناطقة باللغة الفرنسية في تونس. وقد صدرت في الفترة من 1936 إلى 1941.

وبخلاف المجلة التي أسستها، فقد ساهمت بن الشيخ بكتاباتها وهي طالبة في النشرة السنوية لجمعية طلبة شمال أفريقيا المسلمين.

أيضًا، أولت بن الشيخ اهتمامًا بالغًا بصحة الأطفال من أبناء الأسر الفقيرة. وظهر ذلك مع تحول عيادتها الخاصة إلى مقصدًا لمحدودي الدخل والطبقة البسيطة من الشعب. كما ساهمت في تأسيس لجنة الإسعاف الوطني. وفي عام 1958 أصبحت عضوًا في عمادة الأطباء التونسيين.

تحت عنوان (نضال حكيمة)، قامت النخبة السياسية التونسية بالاحتفال بالطبيبة توحيدة بن شيخ. ذلك بإنتاج فيلم وثائقي يتناول إسهماتها الفكرية والطبية. كما أصدر البريد التونسي طوابع بريدية تحمل اسمها وصورتها.

وكذلك أسس عدد من الأطباء جمعية طبية تحمل اسمها “جمعية توحيدة بالشيخ للسند الطبي”، اعترافًا بمكانتها وإسهاماتها التي تواصلت إلى تاريخ وفاتها سنة 2010 عن عمر يناهز 101 ضمن أبرز أيقونات العالم النسائية، وثاني امرأة تحمل العملة التونسية صورتها.

كتبت – هنا الداعور: