وراء الركام قصصٌ، بعضها تحكي كيف يذهب المرء إلى الموت بقدميه، وأخرى يتنفس أبطالها الصعداء، كيف نجو من “مسرح الموت“؟. كانوا هنا لكنّ تفكيرهم قادهم إلى المغادرة قبل أن يصل ملك الموت. هذه زاوية من مشاهد انهيار عقار جسر السويس الذي خلّف العديد من الوفيات والمفقودين.
عشّ الزوجية تحوّل إلى رماد
يقف سامح رمضان بصحبة زوجته، يحدٌّق بعينيه على ركام العمارة المنكوبة، علّه يجد ما يشير إلى شقته التي اشتراها قبل عام لتكون عشّ الزوجية.
القدر أنقظ سامح من الكارثة عندما هداها تفكيره لزيارة عائلة زوجته، لكنه الآن قد فقط كل شيء وينتظر رفع الركام لعله يجد آخر أمله، وهو ذهب زوجته.
ويقول سامح في تصريح لـ360″: “لا أعرف ماذا افعل، في لحظة شعرت أن شقى عمري ضاع وفي الوقت نفسه أحمد الله أن كتب لي عمرًا جديدًا، أول أمس قررت أن أذهب في زيارة إلى عائلة زوجتي في طنطا لأستيقظ صباح اليوم على أخبار تفيد بانهيار عقار بالحي الذي أقطن فيه”.
حارس العقار.. الدخول إلى صندوق الموت
أما حارس العقار فهو قصة أخرى عنوانها “الذهاب إلى الموت”، عندما تقود القدمين صاحبها إلى مصيره.
كان حارس العقار ويدعى محمد جالسًا بصحبة حارس عقار مجاور، إلا أنه أراد إحضار شيء من الداخل، وفور أن دلف بقدمه حتى سقطت العمارة.
اقرأ أيضًا..
كارثة عقار جسر السويس.. كيف تضمن سكنًا آمنًا؟
يقول الحاج “علي” حارس العقار المجاور للعمارة المنكوبة: “كان محمد يجلس بجانبي نحتسي الشاي ونتشارك الحديث عن أحوال الحياة، فجأة أراد أن يعيد شحن هاتفه المحمول ليستكمل مشاهدة مقاطع الفيديو كما اعتاد”.
دلف محمد بقدميه إلى العقار المنكوب، وجلس الحاج “علي” في انتظاره: “لم يغيب عشر دقائق إلا أن امر الله نفد. في لحظة انهار العقار والغبار ملأ الأجواء. جلست أصرخ عليه لكن لم يجيبني أحد”.
عامل سوداني.. الهروب إلى الموت
جاء العامل السوداني حمد زين إلى مصر لاجئًا خوفًا من ويلات المعارك الدامية ليلقى مصيره في عمارة الحي الهادئ.
يقول حسين نجل عمه: “قبل 4 ساعات من الحادثة كان يجلس بصحبتنا، وثم استأذن للذهاب إلى المنزل لأن لديه عمل في الصباح، لم ندرك أنه كان ذاهبًا إلى الموت”.
اقرأ أيضًا..
ابحث عن بلف الخطر.. “ممنوع الكلام عن قطار سوهاج”
هرب من السودان إلى مصر ليحظى بحياة أكثر آدمية، ولم يدرك أن ملك الموت سبقه ليقبض روحه. يقول حسين: “في الصباح الباكر عندما غاب عن موعدنا بدأنا في التواصل معه هاتفيا إلا أنه لم يستجيب. في البدء ظننا أن النوم غلبه، لكن سرعان ما بدأ الأخوة في تناقل أخبار تفيد بانهيار عقار في الحي الذي يقطنه حاولنا التواصل معه إلا أننا لم نجد إجابة فتحركنا إلى منزله لنجده ركام ولا أخبار عن نجل عمنا”.
أصبحت يتيمًا.. عائلة محمد تحت الأنقاض
في الأمس رفض محمد أن يقضي ليلته مع عائلته، وفضل أن يقضيها بصحبة نجل خالته ويبيت الليلة لديهم. في الصباح استيقظ على تليفون أحد أصدقائه في الشارع ليطرح عليه سؤال سريع “أنت حي”.
يقول محمد في البداية ظننت أنه يلقي نكتة لم أفهم طبيعة السؤال إلا أنه باغتني قائلا: “العمارة بتاعتكم وقعت”. للحظات لم يستوعب محمد صاحب الـ16 عامًا الحديث، لكنه هرول إلى منزله، يقول: “في الطريق دارت في رأسي آلاف الأسئلة هل أصبحت يتيما؟ ماذا جرى لأبي وأمي؟ ماذا على أن أفعل؟”.
وصل محمد إلى العقار، هاله ما رأه أراد أن يكون في كابوس ويستيقظ منه، عائلته أمامه تحت الأنقاض وهو يقف ينتظر رأفة القدر.
عائلة يوستينا.. خبر الموت
اعتادت والدة يوستينا أن تهاتفها مع كل إشراقة شمس يوم جديد. أمسكت هاتفها وضغطت زر الاتصال وجدته مغلق على غير العادة.
تقول الوالدة:”في بداية الأمر لم يدخل القلق إلى قلبي، قلت إن حفيدي امسك بالهاتف كعادته ولم تنتبه إليه والدته، جلست أمام التلفاز أشاهد الأخبار الصباحية وفجأة وجدت حديث عن انهيار عمارة سكنية في الحي الذي تسكن فيه نجلتي، هرولتُ إلى الهاتف وأعدت الاتصال إلا أن أحدًا لم يجيب”.
وتتابع” اتصلت بشقيقها أخبره بالأمر ويذهب للاطمئنان على شقيقته، مرت نصف ساعة واعدت الاتصال من جديد ليخبرني أن العقار انهار وابنتي أسفله”.