خلال الفترة من 2014 وحتى 2020 شهدت مصر تنفيذ 29 مشروعًا في مجال الثروة البترولية. باستثمارات بلغت 437 مليار جنيه وفق وزارة البترول. لكن رغم ذلك شهدت صادرات مصر البترولية خلال 2020 تراجعًا قارب 48%. حيث بلغت قيمة صادرات الوقود خلال الفترة من يناير وحتى ديسمبر 2020 نحو 3.75 مليار دولار، مقابل 7.45 مليار دولار في 2019. وفق بيانات حصل عليها “مصر 360″، من الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء.
فارق التراجع في صادرات مصر البترولية بين عامي 2020 و2019، بلغ نحو 3.69 مليار دولار. ما فتح تساؤلًا حول أسباب تراجع قيمة صادرات الوقود. وتأثير جائحة كورونا على صناعة التصدير خلال العام الماضي.
منتجات البترول الخاسر الأكبر والفحم في المؤخرة
في خطة الدولة لعام 2020 كانت الحكومة تعوّل بشكل رئيسي على قطاع الطاقة في تحقيق معدلات نمو متزايدة. انطلاقًا من الاتجاه الحكومي لدعم الصادرات النفطية لتحقيق عائد دولاري جيد إلى الموازنة العامة. لكن المؤشرات الخاصة بحجم صادرات الوقود تُبرهن إلى عكس ذلك. خاصة عقب تراجع جملة صادرات البترول الخام والمنتجات النفطية. كذلك الفحم بأنواعه وفق آخر إحصائية للجهاز المركزي للإحصاء.
كما استحوذت صادرات المنتجات البترولية المصرية خلال 2020 على النصيب الأكبر من حجم التراجع. حيث بلغت قيمة الصادرات خلال العام الماضي حوالي 1.12 مليار دولار، مقابل 3.16 مليار دولار في 2019. بحجم تراجع وصل لـ2.04 مليار دولار، ما أثر على عائدات قطاع البترول خلال الفترة من يناير إلى ديسمبر 2020.
كذلك تراجعت قيمة صادرات البترول الخام لنحو 1.191 مليار دولار، مقابل 1.916 مليار دولار خلال فترة المقارنة بـ724 مليون دولار. رغم مستهدفات قطاع البترول بمضاعفة حجم الصادرات النفطية للأسواق المجاورة.
ولم يسلم الفحم بأنواعه المختلفة من تراجعات الصادرات البترولية. حيث وصلت قيمة شحنات تصدير الفحم للخارج في 2020 إلى 21 مليون دولار، مقابل 80 مليون دولار في 2019، بحجم تراجع بلغ نحو 58 مليون دولار.
لماذا تراجعت قيمة الصادرات؟
الخبير البترولي وأستاذ هندسة البترول بجامعة فاروس، الدكتور رمضان أبوالعلا، أكد لـ”مصر 360″، أن الثروة البترولية لم تشهد طفرة إنتاجية في 2020. كما أضاف أنه على العكس تراجعت خلال الفترة من يناير وحتى ديسمبر. ما أثر على قدرة الدولة على تحقيق فائض يسمح بالتصدير وتحقيق عائد دولاري مضاعف خلال العام المنقضي. وإن كان جزء من تحدي الإنتاج يرجع إلى التأثر المباشر بجائحة كورونا.
كذلك أضاف أن الثروة البترولية المنتجة في 2020 بلغت حوالي 76 مليون طن مكافئ عبار عن 29.6 مليون طن زيت خام ومتكثفات. بالإضافة إلى 45.3 مليون طن غاز طبيعي، و1.2 مليون طن بوتاجاز. وهي القدرات الأقل من عام 2019 الذي شهد إنتاج حوالي 84.2 مليون طن مكافئ، بواقع 31.1 مليون طن زيت خام ومتكثفات. وحوالي 51.9 مليون طن غاز طبيعي، و1.2 مليون طن بوتاجاز.
كما أشار إلى أن تسعيرة كثير من قطاعات الدولة لاتزال تعتمد بشكل أساسي على الوقود الإحفوري في عمليات التشغيل. مثل المصانع والقطاعات التجارية التي تستهلك كميات مضاعفة من السولار والفحم والبوتاجاز. رغم التوجه الحكومة الساعي للتحول إلى الاعتماد على الغاز كبديل لأنوع الوقود، وبالتالي التوسع في تصدير المنتاجات البترولية عقب تحقيق الاكتفاء الذاتي.
فيما أرجعت مصادر مسئولة بوزارة البترول انخفاض قيمة الصادرت البترولية في 2020. إلى الهبوط العالمي في تسعيرة برميل النفط ووصله إلى مستويات تاريخية دون الـ20 دولارًا للبرميل. وكان من شأن ذلك التأثير على قيمة شحنات الوقود التي يتم تصديرها وفق التسعيرة الشهرية لبرميل النفط.
كما لفتت المصادر لـ”مصر 360″، إلى أن ضعف الطلب على الوقود خلال العام الماضي. دفع بعض مُنتجي البترول إلى عرض شحنات وقود للبيع بأسعار متدنية للتخلص منها. مستشهدًا بما حدث في الولايات المتحدة الأمريكية التي اضطرت إلى بيع برميل النفط بالسالب للتخلص من الشحنات التي كانت مطروحة للبيع.
كذلك توقفت حركة التجارة وتأثر القطاع الصناعي على مستوى العالم أثر بدرجة كبيرة على إقبال الدول الصناعي على استيراد الوقود. ما تسبب في حدوث تخمة بالمعروض من المنتجات البترولية دون طلب ومن ثم هبوط التسعيرة العالمية للخام والمنتجات.
الواردات تقارب ضعف الصادرات
في الوقت الذي تراجعت فيه صادرات الوقود لـ3.75 مليار دولار في 2020. بلغت الواردات النفطية نحو 6.68 مليار دولار، وفق جهاز الإحصاء.
القيمة المرتفعة للواردات المصرية في 2020، جاءت رغم الاستفادة من تراجع الأسعار العالمية بعد جائحة كورونا. ففي 2019 استوردت مصر كميات من الوقود بلغت قيمتها نحو 9.79 مليار دولار. ما يعني أن حجم التراجع في الواردات خلال العام الماضي بلغ 3.11 مليار دولار، نتيجة هبوط الأسعار عالميًا.
ووفق مصادر بالهيئة العامة للبترول، فإن استهـلاك المنتجـات البتروليـة خلال 2020 بلغ حوالي 26 مليون طن مقابل 29.9 في 2019. كما حققت انخفاضًا نسبته حوالي 13%.
كذلك أضافت المصادر لـ”مصر 360″، أن التراجع في الطاقة الاستهلاكية جنب الدولة استيراد شحنات إضافية من الوقود من الخارج. كانت ستزيد فاتورة الاستيراد وتزيد من أعباء الموازنة العامة للدولة.
الجزائر والسعودية والكويت الأكثر تأثرًا بتراجع الواردات
في 13 فبراير الماضي، لفت تقرير صادر عن “التعبئة والإحصاء” إلى أهم الدول التي انخفضت الواردات البترولية المصرية منها. بينما كانت الجزائر أبرز الدول حيث انخفضت واردات غاز البوتوجاز والسولار وبنزين 95 لتبلغ 161 مليون دولار. مقابل 478 مليون دولار عام 2019.
وجاءت السعودية في المركز الثاني وانخفضت واردات الزيت الخام والبوتوجاز والبنزين لـ2.274 مليار دولار مقابل 3.415 مليار دولار بـ2019.
وانخفضت واردات مصر من الكويت من الزيت الخام والسولار لتبلغ 1.961 مليار دولار مقابل 2.102 مليار دولار عام 2019. تليها اليونان التي انخفضت واردات السولار لتبلغ 109 ملايين دولار مقابل 546 مليون دولار عام 2019. ثم تركيا التي انخفضت فيها واردات بنزين 95 لتبلغ 64 مليون دولار مقابل 469 بـ2019.
كورونا يهوي بالإنتاج
في النصف الأول من 2020 في مارس وأبريل، وبالتزامن مع الموجة الأولى من جائحة كورونا. هوى إنتاج مصر النفطي إلى أدنى مستوى منذ يوليو 2009، ووفق بيانات الدول المنتجة للنفط “جودي”، بلغ إنتاج مصر 598.95 ألف برميل يوميًا خلال أبريل. مقابل نحو 631.14 ألف برميل يوميًا في أبريل من عام 2019.
وفي مارس 2020 بلغ إنتاج مصر من النفط نحو 594.62 ألف برميل يوميًا. مقابل 612.3 ألف برميل يوميًا في يناير وفبراير 2022. ما يُبرهن على حجم التراجع الذي وصل إليه الإنتاج خلال الأشهر الأولى من جائحة كورونا.
وتنتج مصر ما يتراوح بين 55 و60% من إجمالي احتياجاتها من المشتقات البترولية، وتستورد الفارق من الوكلاء والموردين العالميين.
التراجع الذي لم يكن متوقعًا جاء في الوقت الذي كانت تُعيل فيه الحكومة آمالًا كبيرة على قطاع البترول. حيث تصدر قطاع الصناعات التحويلية ومُنتجات البترول الوزن النسبي للقطاعات الاقتصادية. التي تساهم في الناتج المحلي الإجمالي لمصر بالأسعار الثابتة، في موازنة 2020 / 2021.
ماذا أنتجت مصر في 2020؟
نهاية ديسمبر 2020، قالت وزارة البترول إن مجمل إنتاج الثروة البترولية خلال 2020 بلغ أكثر من 76 مليون طن مكافئ. كذلك شملت 29.6 مليون طن زيت خام ومتكثفات، ونحو 45.3 مليون طن غاز، و1.2 مليون طن بوتاجاز. بخلاف البوتاجاز المنتج من مصافي التكرير والشركات الاستثمارية.
وزارة البترول تطرقت في تقريرها السنوي، إلى الإنتاج اليومي من الزيت الخام والمتكثفات والبوتاجاز والذي بلغ 638 ألف طن في 2020. وساهم في توفير من 60 إلى 70% من استهلاك الدولة من الوقود.
أما الغاز الطبيعي بلغ إنتاجه في ديسمبر الماضي 6.6 مليار قدم مكعب يوميًا. رغم أن القدرة الإنتاجية بمناطق الامتياز المصرية تبلغ حوالي 7.2 مليار قدم مكعب يوميًا.
هل تحقق مصر الاكتفاء الذاتي من الوقود في 2023؟
نهاية يناير الماضي، أكد وزير البترول أمام الجلسة العامة لمجلس النواب، أن قطاع البترول يستهدف تحقيق الاكتفاء الذاتي من الوقود “البنزين والسولار” في عام 2023، عبر خطة متكاملة تتضمن عددًا من المشروعات الجاري تنفيذها باستثمارات حوالي 83 مليار جنيه.
ووفقًا للطاقات الإنتاجية الخاصة بالزيت الخام والمتكثفات فإن مصر تلبي احتياجات 60 لـ70% من استهلاك الدولة. في الوقت الذي لم تشهد فيه السوق المحلية أية طفرات على مستوى الاكتشافات النفطية مثلما حدث مع الغاز. فإجمالي الاستثمارات الأجنبية الموجهة إلى قطاع البترول تتجه إلى المياه العميقة في البحر المتوسط للتنقيب عن الغاز وليس النفط. ما دفع كبريات الشركات النفطية وعلى رأسها شل للتخارج من حقول الامتياز التابعة لها في الصحراء الشرقية. وتركيز الاستثمارات في الغاز بالبحر المتوسط بحسب مصادر بهيئة البترول لـ”مصر 360″.
التخارج من المناطق النفطية والاتجاه إلى الغاز قد يُعيق قدرة الدولة على تحقيق الاكتفاء الذاتي. إذ لم تتغير استراتيجية التنقيب في مصر، وتُوجه الاستثمارات الأجنبية للبحث عن حقول نفطية قادرة على تلبية احتياجات مصر.
رئيس شركة ميدور للتكرير السابق مدحت يوسف، أكد لـ”مصر 360″، أن توسعات مشروعات التكرير التي تتبناها الدولة ستزيد الطاقات الاستيعابية. لكنها في المقابل ستحتاج إلى كميات إضافية من البترول الخام اللازم لاستغلال القدرات التشغيلية الكاملة وتحويله إلى منتجات. ومن ثم فإن الدولة مطالبة بطرخ مزيد من المزايدات للتنقيب جديدة لمضاعفة الإنتاج خلال العامين المقبلين.
كذلك لفت إلى أن توسعات مصفاة تكرير ميدور الهادفة لزيادة الطاقة التكريرية للمعمل بنسبة 60%. كما تهدف لتطوير مجمع إنتاج السولار بشركة أسيوط لتصنيع البترول بهدف تحويل المازوت. وغيرها من مشروعات التكرير تُعد قادرة على العمل بطاقات تشغيلية تسد استهلاك السوق. لكن ذلك يتوقف على توفير مادة التغذية من النفط الخام كي تصبح معامل التكرير قادرة على تشغيل كامل طاقتها بنسبة 100%.
أشار إلى أن غالبية مشروعات التكرير الجديدة ستدخل الخدمة بحلول 2023. وبالتالي إذا نجحت الدولة في مضاعفة قدراتها الإنتاجية من البترول. سيكون بمقدورها تحقيق الاكتفاء الذاتي من الوقود خلال 2023. لكن حال ثبات إنتاج البترول فإن توسعات معامل التكرير لن تؤتي ثمارها بالشكل المطلوب. كما سيقتضي الوضع استيراد شحنات نفطية من الخارج لتكريرها محليًا وضخها بالسوق بدلًا من الاستيراد.
هل إنتاج الغاز يسمح بالتصدير؟
رغم الاكتشافات التي تحققت في البحر المتوسط -أهمها حقل ظهر، إلا أن القطاع لم يُحقق فائضًا كبيرًا يسمح بالتصدير في 2020. فوفق بيانات وزارة البترول بلغ إنتاج مصر من الغاز 45.3 مليون طن غاز في 2020. بينما بلغ الاستهلاك المحلي من الغاز حوالي 45.2 مليون طن.
بمقارنة الطاقة الإنتاجية من الغاز بحجم الاستهلاك تبين أن الفائض يقارب الـ100 ألف طن غاز خلال 2020. وهي الكمية التي لا تسمح بتحقيق عائد ضخم يزيد من موارد الدولة الدولارية.
استهلاك الغاز الذي بلغ 45.2 مليون طن في 2020، استحوذ قطاع الكهرباء منه على حوالي 60.4%. رغم توجه الحكومة بالاعتماد على مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة في توليد الطاقة البديلة للغاز الطبيعي. بينما استحوذ قطاع الصناعة على 23% من إجمالي استهلاك الغاز خلال العام المنقضي.
كتب- محمود السنهوري